كتاب 11

09:04 صباحًا EET

السيسي.. الطيب والشرس والرئيس !

فتحت احتفالية الذكرى الأربعين لانتصار حرب أكتوبر التي أقيمت أخيراً في ستاد القوات الحربية بحضور وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي أبواب الجدل بشأن شكل الاحتفال ومن أحيوه من مغنين وممثلين، وكذا كلمة السيسي وتقييمها، ففي الوقت الذي ارتأى فيه قطاع عريض من المصريين أن الحدث في مجمله كان إيجابياً ومعبراً عن قوة الدولة وهيبتها، ذهب الآخرون إلى اعتباره اجترار لحفلات ذكرى نصر 1973 بما كانت تتضمنه دائماً من أغنيات لا تختلف كثيراً عن تلك التي كانت تترجم معنى "اختراناه" وهو عنوان الأوبريت الشهير الذي تفنن في وصف محاسن معظمها نُسب زوراً وبهتاناً إلى الرئيس الأسبق حسني مبارك.

تحليل الكلمة "السيساوية" تكشف الكثير من المضامين فهو الطيب والشرس في آن، الطيب بحبه لشبعبه، والشرس بصده لكل عدوان موجه لبلادنا، وهو برأيي الرجل الأكثر ملاءمة للجلوس على كرسي الرئاسة الوثير في الفترة الحالية، على الأقل لحين استقرار أوضاع البلاد.
المنبهرون بالحفل والمستاؤون منه، جمع بينهم خيط واحد نسج رؤية واحدة وهي أن غالبية المصريين يسيرون خلف السيسي ويمنون أنفسهم أن يصير رئيساً للبلاد، بعد عام من حكم الإخوان أوله خراب وآخره تحريض إرهاب، فالرجل بات يمثل حلماً قديماً طالما داعب خيال بسطاء الشعب ومقهوريه بأن يأتي "المحارب المخلص" ليطوقهم بالنجاة وينتشل البلاد من غرق كان موشكاً لولا إرادة الله، التي سمحت بتدخل الجيش في الوقت المناسب قبيل انهيار البلاد وانتحار العباد.
مخاوف البعض تكمن في تراجع شعبية السيسي، كونه – وفق رؤتهم – لم يقدم جديداً يحافظ به على زعامته التي برقت منذ أعلن تضامنه مع ثورة الشعب في 30 يونيو ومن ثم عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي في 3 يوليو الماضي، فالرجل الذي حصد إعجاب وتأييد نحو 30 مليون مواطن في "يوم التفويض"، كان بعضهم يتصور أن في جعبته أكثر من مجرد الحديث عن "حب الشعب ومصر أم الدنيا وهتبقى قد الدنيا" لكنه زاد على ما سبق وكرره مراراً بقوله "إتم متعرفوش إن إنتم نور عنيننا ولا ايه؟".
وأعتقد أن من ذهب إلى الرأي السابق مُحق إلى حد كبير، كونه ينشد في حاكمه المستقبلي الوصول إلى حد الكمال البشري، ويرفض تكرار مأساة "الحاكم الإله"، لكن ذاك الذي يفكر بهكذا نمط، جانبه الصواب حين أراد أن يصنع هو ذاته من السيسي إلهاً، ليس كأي إله حاكم بل إله يجمع بين القوة والحسم والحنان والطيبة والصدق وحتى القدرة على صياغة آيات رصينة وموزونة يخر أمامها الجميع ساجدين، فليس منطقياً أن نحمّل الرجل ما لا طاقة له به من قدرة على الخطابة ووعود بتقديم مشروعات قومية ترتقي بالأوضاع الاقتصادية، وهو في الحقيقة لا يملك ذلك كونه في الأخير ومهما علا شأنه محض وزير وليس رئيساً، وحتى إن قال البعض إن السيسي هو النائب الأول لرئيس الوزراء ومن حقه أن يتحدث في مثل هذه أمور، فإن هناك من سيصطادون في الماء الراكد، وساعتها سيقولون إن السيسي قفز على السلطة وأطاح بمرسي وها هو يدير البلاد شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً ويطرح ما شاء من أفكار ومشروعات ووعود.
ثم لماذا نعلق على الرجل أو ننتظر منه أكثر مما قاله في شكل رسائل واضحة حين قال إن مصر تعرف من يقف معها ومن يقف ضدها، في إشارة تحذير واضحة إلى دويلة "قطر" وحركة "حماس" الإرهابية ومقرها قطاع غزة في فلسطين العربية الشقيقة المحتلة، كما أكد غير مرة خلال الكلمة بأن جيش مصر هو جيش لكل العرب، وليست هذه العبارة بحاجة إلى شرح، ولا أحسب أنها مجرد كلمة اعتباطية في إطار كلمة ارتجالية، وإلا ما كررها، وفي التكرار كما تعلمون غاية للتوكيد، ووقوف الجيش المصري جوار العرب غير جديد.
الأهم من ذلك كله أن من جلس وانتظر أن تحوي كلمة السيسي آمالاً عريضة ووعوداً جبارة أو تهديدات صريحة للدول التي ترفض الاعتراف بثورة 30 يونيو.. إلخ، نسى أمراً مهما – أو ربما من فرط إعجابه بالرجل غاب عنه هذا الأمر – وهو أن السيسي لم يلمح بأي شكل إلى أنه ينوي الترشح لمنصب الرئيس، على الأقل حتى لحظة إلقائه كلمته في ذكرى أكتوبر، وبالتالي إذا طُلب منه أكثر مما قاله، فكأنما يُطلب منه أن يؤكد صفة "الانقلابي" التي يطلقها عليه أعداؤه من الإرهابيين، إذ لا يجب – في رأيي – أن يظهر السيسي الآن مرتدياً زي الرئيس في حديثه إلى الناس.
نقطة أخرى أخذها المعترضون على كلمة السيسي، وهي عدم التحدث بشكل مستفيض عن ذكرى الحرب، ولكن أعتقد أن ما ذكره الرجل بشأن شهدائها كان كافياً، وبخاصة أنه لن يضيف جديداً إلى ما قد بات معلوماً من التاريخ بالضرورة، وهو حرب أكتوبر، التي بالمناسبة لخصها أوبريت الحفل بالصوت والصورة والتمثيل والأغنية. وأعتقد أن الاستفاضة في "هري" ما هو "مهري" بطبيعة الحال، ليست له فائدة، كما يحسب البعض، فالشارع كان ملتهباً نتيجة الاحتشاد في الشوارع والميادين وكذا وقوع اشتباكات بين قوات الأمن وعناصر الإرهاب الإخوانية في القاهرة والجيزة ومحافظات أخرى، والخطب الحماسية في هذه الأجواء غير محسوبة العواقب.
**********
كلمة أخيرة:
عزيزي المواطن.. إذا كنت ترى السيسي زعيماً فهو كذلك بالفعل، لكن عليك ألا تضعه في قالب خرج منه زعماء سابقون، فالزمن تغير ولكل شخص عبقريته، ولهذا الرجل عبقريته وزعامته المتفردة. كلمات الحب التي تخرج من فمه أقوى من الخطب الزاعقة التي طالما جرت كلماتها الحاسمة على ألسنة رؤساء سابقين، وربما هي الأنسب للمرحلة العصيبة والفارقة التي تعيشها مصر راهناً. وأخيراً اتركوا الرجل الذي حيركم شهوراً أثناء حكم المعزول في حقيقة انتمائه. اتركوه يعمل في صمت فهذا الرجل طيب وشرس وإن اعتلى الكرسي فهو رئيس داهية، وكلها صفات زعيم يصلح لحكم مصر، وعلى أية حال لن تندموا سواء جاء رئيساً أو ظل في موقعه أسداً محارباً.
elgammal813@gmail.com

التعليقات