كتاب 11

06:28 مساءً EET

مخاوف التقسيم وصعوبة الخيارات العربية في سوريا

بعد أزيد من سبع سنوات، لا يزال حل الأزمة السورية يبدو بعيد المنال بينما تتفاقم معاناة السوريين، وتتسع رقعة الخلافات بين الأطراف المعنية، ويتجدد الكلام حول سيناريو التقسيم. مؤتمر المانحين الذي انعقد خلال اليومين الماضيين في بروكسل سلط الأضواء مجدداً على المعاناة التي يعيشها السوريون بأرقام تشير إلى أن نحو 13 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات؛ ما دعا وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فيدريكا موغيريني، إلى التحذير من أن الأوضاع تتجه نحو كارثة من دون الحل السياسي، الذي اعترفت بأنه يبدو أبعد من أي وقت مضى.

النظام السوري بدعم قوي من حلفائه الروس والإيرانيين تمكن من تحقيق سلسلة من الانتصارات بالعمليات العسكرية وبالمفاوضات لإخراج المقاتلين من عدد من المناطق، لكن مع تغيير تركيا لاستراتيجيتها وتمددها داخل المناطق الحدودية السورية، تعززت مخاوف سيناريو التقسيم. فحالياً يبدو الوضع كالتالي: روسيا وإيران في غرب الفرات، والقوات الأميركية وحلفاؤها في شرق الفرات، وتركيا على الحدود الشمالية، أما النظام السوري ففي وسط وغرب البلاد، بينما إدلب خارج سيطرة الجميع، ولا أحد يبدو قادراً على حسم عسكري نهائي في مستقبل منظور؛ ما يعني أن الأزمة تدخل مرحلة جديدة من الجمود، لكنه جمود مشحون بالمخاطر.

في خضم ذلك، برز الحديث عن إرسال قوات عربية إلى سوريا؛ وهو الأمر الذي كرره الرئيس الأميركي دونالد ترمب كمخرج في إطار سياسته الداعية لإخراج القوات الأميركية من هناك. الفكرة ليست جديدة، كما أوضح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير؛ إذ طرحت قبل ذلك، لكنها لم تجد طريقها للتنفيذ بسبب صعوبات عملية تتمثل في عدم وجود اتفاق بين العرب، وعدم وضوح الدور الذي ستقوم به هذه القوات في ظل عدم وجود سلام لكي تتولى حفظه، إضافة إلى أن النظام السوري أعلن رفضه الفكرة؛ ما يعني إمكانية أن تجد هذه القوات نفسها في مواجهة مباشرة مع قوات النظام وحلفائه، خصوصاً إيران و«حزب الله» وبعض الميليشيات الشيعية العراقية. هناك من يرى أن دور هذه القوات يمكن أن يدرج في إطار حرب «داعش» والإرهاب، لكن هذا الأمر ليس بلا تعقيدات بسبب الخلاف حول تصنيف بعض جماعات المعارضة، ولا سيما المصنفة متطرفةً، إضافة إلى مشكلة الوجود الروسي والإيراني والتركي على الأراضي السورية.

تناقضات الاستراتيجية الأميركية في سوريا تزيد بدورها من تعقيد المشهد؛ فمن ناحية انتهج الرئيس ترمب نهجاً تصعيدياً منذ نهاية العام الماضي في محاولة لبلورة استراتيجية مختلفة عن إدارة باراك أوباما، واكبته تغييرات شملت الخارجية الأميركية بإقالة ريكس تيلرسون وانتقال مايك بومبيو من إدارة الاستخبارات (سي آي إيه) إلى إدارة الدبلوماسية الأميركية، كما شملت مجلس الأمن القومي بإقالة الجنرال ماكماستر وتعيين جون بولتون، أحد صقور المحافظين الجدد، محله. والضربة الأميركية – البريطانية – الفرنسية الأخيرة في سوريا كانت رسالة بهذا المعنى، مثلما أنها كانت رسالة مبطنة إلى روسيا بعد محاولة اغتيال العميل الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته في بريطانيا باستخدام غاز الأعصاب.

المشكلة أن ترمب الذي يريد أن يبدو حازماً وقوياً ومستعداً لإجراءات عسكرية، كرر في أكثر من مناسبة أنه يريد سحب القوات الأميركية من سوريا في أسرع وقت، وتقليص الالتزام الأميركي، وذلك وسط مخاوف واعتراضات علنية ومكتومة من الخارجية الأميركية ووزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي تخللتها تصريحات بأن القوات الأميركية باقية في سوريا. لكن الإدارة الأميركية قامت فعلاً وبهدوء شديد بخطوات من أجل تقليص التزامها في سوريا؛ إذ أغلقت في يناير (كانون الثاني) الماضي غرفة العمليات التي كانت تشرف على تدريب وتأهيل عناصر المعارضة السورية المنتمية إلى «الجيش السوري الحر» داخل الأراضي السورية. كما أنها أوقفت رواتب العناصر التي كانت تعمل مع الولايات المتحدة منذ 25 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي؛ ما أضطر المئات من هذه العناصر إلى العمل مع تركيا، وبعضهم شارك في عملية «غصن الزيتون» في مدينة عفرين على الحدود التركية – السورية، التي شنتها أنقرة ضد أكراد سوريا المنتمين إلى «قوات سوريا الديمقراطية».

هذه التناقضات في الاستراتيجية الأميركية، إضافة إلى عدم وجود تفاهم دولي على الحل، تجعل الكلام عن دور عربي أكثر صعوبة، على الرغم من الإقرار بأنه يصبح أكثر أهمية مع ازدياد المخاوف من سيناريو التقسيم. العرب وإن تفرقت مواقفهم، إلا أنهم يلتقون حول ضرورة الحفاظ على وحدة سوريا ومنع تقسيمها أو قضم أراضيها من قبل تركيا أو أي طرف آخر، ويتفقون على أهمية إنهاء معاناة الشعب السوري. لهذا ربما تجدد الكلام حول فكرة إرسال قوات عربية، لكن بسبب صعوبتها فإن هناك خيارات أخرى منها التحرك مع الأطراف الدولية الأخرى لدعم عملية الحل السياسي، ومنها موضوع إعادة الإعمار الذي يعد ورقة مهمة في أي مفاوضات للحل. المهم أن الدور العربي بات ملحاً أكثر من أي وقت مضى، من دون التقليل من الصعوبات التي تواجهه.

التعليقات