مصر الكبرى

10:12 صباحًا EET

من القاهرة إلى باريس

الوضع السوري ما زال في مسار طويل من التأزم والمواجهات والقتل. وقد يلحق آلاف الضحايا وعشرات آلاف المشردين بمن دفعوا أثمان المعارضة للنظام الحالي، منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية. وقد تلحق بلايين الدولارات بالخسائر الاقتصادية والدمار العمراني في سورية الغنية بأرضها ومهارات صناعييها.

لكن الأكيد أن النظام لن يبقى قائماً في نهاية المواجهة، وبغض النظر عن مآلها الذي قد يكون غداً مشرقاً من الحرية والديموقراطية أو حروباً أهلية متناسلة وحتى دويلات ضعيفة وهشة.
لقد وقع النظام بدباباته وراجمات صواريخه وشبيحته بالأحرف الأولى لوثيقة نهايته أولاً. وجاءت المقاومة الشعبية والمسلحة لاحقاً لتدفعه إلى حتفه الأكيد.
قد يطيل دعم روسيا والصين، دولياً، ودعم إيران وحلفائها، إقليمياً، والخُواف الطائفي، داخلياً، عمر الأزمة السورية وزيادة خسائرها البشرية والمادية. لكنه لن يتمكن من تغيير نتيجتها، وهي سقوط النظام.
وجاء اجتماع القاهرة حيث تمثلت أطياف كثيرة من المعارضة، ومن ثم مؤتمر باريس لـ «أصدقاء الشعب السوري»، متسقين مع هذا الاستنتاج. لتصبح المهمة ذات الأولوية المطلقة للمعارضة هي تقصير مهلة سقوط النظام وتوفير المعاناة الإنسانية غير المسبوقة للسكان المحاصرين بالنار والمحرومين من كل أولويات الحياة.
وفي هذا المعنى تقع اليوم، وأكثر من أي وقت مضى من عمر الأزمة، على المعارضة السورية مسؤولية دفع النظام إلى السقوط. وهو لا يحتاج إلا إلى دفعة قوية تلقيه أرضاً، بعدما فقد كل مبررات وذرائع استمراره، سياسية كانت أو طائفية.
وفي مقدار ما تتمكن المعارضة من تفعيل عملها لتصبح القوة القادرة على أن تكون البديل في مقدار ما تزداد سرعة انهيار النظام.
سمعنا نقداً من معارضين سوريين لهم وزنهم، لمناسبة اجتماع القاهرة ومؤتمر باريس، يركز على تعارض بين القوى المسلحة في الداخل، خصوصاً «الجيش الحر» وبين القوى السياسية التي تتحرك في الخارج. وبدا وكأن ثمة سباقاً بين «العسكري» و «السياسي»، أو أن «العسكري» يريد أن يستأثر بـ «السياسي» أو أن الأخير يريد أن يستثمر العمل الميداني للأول. بما يعيد إلى الأذهان ذلك الصراع الطويل الذي شهدته سورية بين العسكر والمدنيين في حزب البعث منذ استيلائه على السلطة وقبل أن يحسمه الرئيس الراحل حافظ الأسد لمصلحته ويركز دعائم النظام الحالي.
وأي غرق للمعارضة السورية، سواء الذين يحملون السلاح في الداخل أو الذين يتحركون سياسياً في الخارج، يقع خارج سياق الهدف الذي انطلقت من أجله الحركة الاحتجاجية ويجعل الغد أقل اطمئناناً من الصورة الوردية التي تُعطى للنظام البديل.
وسمعنا أيضاً من معارضين سوريين، لمناسبة انعقاد مؤتمر باريس، نقداً لانعدام صدور قرارات تطالب بالممرات الآمنة والحظر الجوي الخ… بما يعيد ذلك النقد الذي وجه إلى اجتماع القاهرة.
وبغض النظر عن أهمية مثل هذه الخطوات في تسريع سقوط النظام، فان اعتمادها يبقى من مسؤولية المعارضة نفسها وليس من مسؤولية التدخل الخارجي. أي أن على المعارضة أن تهيء الظروف التي تدفع بالمجتمع الدولي إلى اتخاذ مثل هذه الخطوات التي لن تكون في أي حال من الأحوال إجراء إنسانياً بحتاً.
ففي مقدار ما تكون المعارضة مستعدة لتكون البديل القادر على تحمل المسؤولية السياسية والأمنية في مقدار ما تستطيع إقناع من يلزم في العالم، خصوصاً روسيا والصين، بضرورة تسريع إنهاء النظام.
وفي كل حركتها باتت المعارضة تملك الورقة الأساسية، وهي أن الحل لم يعد ممكناً في ظل بقاء النظام، كما قررت في اجتماع القاهرة وكما قرر «أصدقاء الشعب السوري» في باريس.

التعليقات