كتاب 11

09:45 صباحًا EET

السعودية الهرم الشامخ الذي لن تؤثر فيه مخططات الطفيليات

منذ نعومة أظفاري كنت لا أستغرب قط الهجوم على وطني المملكة العربية السعودية، ليس لكونها الكون الذي عشقت ترابه منذ أن شممت عبيره، ولكن لكونها كانت وستظل محط أنظار العالم منذ فجر التاريخ الإسلامي. فليس ببعيد عنا ما كانت تفعله قريش واليهود وغيرهم بعاصمة الإسلام الأولى، المدينة المنورة،للنيل من الرسالة المحمدية، من مؤامرات وعداء وتجييش لأعدائها للإنقضاض عليها، وسحق دين الله، حتى وصل بقريش الأمر إلى نقض صلح الحديبية، وكان ذلك وبالاً عليهم، ونصراً للمسلمين في فتح مكة واتساع رقعة العالم الإسلامي بعد ذلك.
وليس عنا ببعيد ما كان يفعله الفرس والروم بالعالم الإسلامي كلما زادت قوته وانتشاره واتساع رقعة حكمه، وظل ذلك يتمدد يوماً بعد يوم، ويزداد بشكل غير منقطع، للنيل من عالمنا الإسلامي والعربي عامة، وأرض الحرمين الشريفين خاصة، باعتبارها قلب ذلك كله، ومحط أنظار وأفئدة المسلمين.
وليس عنا ببعيد ما فعله القرامطة ببيت الله الحرام وسرقتهم الحجر الأسود، وقتل الطائفين والعاكفين والمصلين حول بيت الله الحرام، ومن قبلهم ما فعله جيش يزيد بن معاوية في استباحة المدينة المنورة وقتل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودخول خيولهم للحرم النبوي الشريف، بعد ما فعله بأبناء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قتل وأسر، وما أعقب حصار المدينة المنورة واستباحتها من توجه ذلك الجيش الظالم الفاسد لمكة المكرمة وقصف الكعبة المشرفة بالمنجنيق وقتل عبدالله بن الزبير رضي الله عنه وصلبه لأيام طوال وقتل الطائفين والمصلين حول بيت الله العتيق.
وليس عنا ببعيد ما فعلته الدولة العثمانية من تهجير لسكان المدينة المنورة وتسفيرهم بما سمي آنذاك بـ(سفر برلك)، بعد تجويع وظلم لأهل المدينة المنورة استمر لسنوات على يد السفاح العثماني المسمى (فخري باشا)، إضافة إلى ما فعلته الدولة العثمانية بمكة المكرمة والدرعية وغيرها، من أحداث ومجازر لن ينساها التاريخ قط. والحوادث كثيرة يصعب حصرها، تلك الأحداث التي نالت من أرض الحرمين الشريفين، لا لشيء سوى أن هؤلاء الأعداء إنما أرادوا قلب الإسلام والعروبة، للوصول إلى تدمير الإسلام بالكلية، وهو الأمر الذي لم يحدث لهم ولن يحدث بإذن الله.
ولو عدنا للتاريخ من جهة ثانية لوجدنا أن اهتمام حكام المسلمين الصادقين الوعد والإيمان بالحرمين الشريفين كان يعلو اهتمامهم بأنفسهم وعواصمهم وأرواحهم وأسرهم، وكان الدفاع عنهما هي الغاية الأسمى لدى كل حاكم فطن مسلم يعرف لله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم حقهم، ولنا في ذلك الرعاية التي كان توليها الحكومات المصرية المتعاقبة في خدمة الحرمين الشريفين.
جاء الحكم السعودي لتوحيد هذه البلاد بعد أن كانت مشتتة، وذلك على يد الملك عبدالعزيز ومن بعده أبناؤه يرحمهم الله، حتى كان عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، امتداداً لتك الرعاية التي وهبهم الله إياها للحرمين الشريفين والشرف برعايتهما، ومواصلة السير في صهر سكان هذه البلاد بعضهم ببعض والذين كانوا قبل توحيد المملكة قبائل متحاربة وأسراً متناحرة، فأصبح العامل الذي يتحكم فيهم، كلمة واحدة: (سعودي)، ليشكلوا وحدة شعب واحد، تحت راية واحدة، وقيادة واحدة، يعيشون الأمن والأمان، وينعمون بالعز والخير، يتصاهرون ويتراحمون ويعملون يداً بيد لبناء وطنهم دون تفريق. مما جعل كل ذلك محرض إثارة للمزيد من أحقاد وحسد الباغضين والناقمين الذي لا يرجون تقدم واستقرار المنطقة والأوطان العربية من جهة، وانتشار الإسلام وعلو رايته من جهة ثانية، فلم يكن ليمر عهد ملك من ملوك السعودية إلا وتعرضت السعودية لهجمات ومؤامرات للنيل منها لتحقيق ذات الهدف الدنيء الذي يسعى له أعداء العروبة والإسلام، وهو النيل من القلب، فالنيل من العالم الإسلامي والعربي كافة.
ولا يغيب عن بال كل عربي شريف ومسلم أصيل تلك العبارات التي رددها البعض في السنوات الأخيرة والتي بينت استمرار التوجه للنيل من الإسلام والعرب، سواءً بعبارة (نريد أن نصنع لهم دين يناسبنا) أو المؤامرة التي سميت بـ(الشرق الأوسط الجديد) أو المؤامرة التي رعتها قطر تحت اسم (الربيع العربي) وغير ذلك الكثير، والتي انقاد لها وسعى لتحقيقها تحالفات وتحزبات كبرى دُعمت من دول بعينها، ساعدهم على تحقيقها ولا تزال، قطر وإيران وتركيا تحت راية الروافض وتنظيم الإخوان المسلمين، مدعين الإسلام والإسلام منهم بريء.
كان مما أحدثته قطر على وجه الخصوص ما شهدته السنوات السابقة من إشعال للفتن والقلاقل التي سميت بـ(الربيع العربي) والثورات العربية، والتي ما كانت إلا (ثورنة) أشعلها فئة مارقة باغية تدعي الوطنية، تربت على يد أعداء العروبة والإسلام، وتغذت بأموالهم التي جعلوها ثمناً لبيع أوطانهم وقتل شعوبهم، فخاب البائع وخاب المشتري.
لذلك كله، حينما ننظر إلى قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي رحمه الله وما فعلته قطر وتركيا على مدار الساعة منذ مطلع أكتوبر الماضي، ابتداءً من نشر الأكاذيب والضلالات وتأليف القصص والروايات، وانتهاءً بما أعلن مؤخراً عن قيام وزير الخارجية التركي بالتوجه للأمم المتحدة قبل أيام قلائل وتسليمهم ملفاً تركياً خاصاً بالقضية، والطلب منهم أن يكون التحقيق في القضية على المستوى الدولي (تدويل القضية)، مروراً بشراء منصات إعلامية كـ(واشنطن بوست) و(شبكة سي إن إن) وشراء ذمم بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي وبعض الشخصيات الأوروبية، وأُنفق على ذلك من أموال قطر على يد تنظيم الحمدين الإرهابي الداعم للتنظيمات والجماعات الإرهابية المسلحة وإيوائها لقيادات تلك التنظيمات، ما لو أنها استثمرته في بناء قطر على المستوى التنموي الداخلي أو على مستوى التحالف العربي، لكان خيراً لها، وذلك غير مستغرب على ذلك التنظيم الذي سبق له التآمر مع معمر القذافي للنيل من السعودية، بل ومحاولة اغتيال خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يرحمه الله، امتداداً للتآمرات التي حيكت للنيل من مصر، وما فعله هذا التنظيم في ليبيا التي لا تزال تنزف الدماء، ودعمه للإرهابيين والمتطرفين في العراق وسوريا، وإلصاق ذلك بالسعودية.
إن ما جعل النار تتأجج في قلوب تلك الدول الثلاث، ومن ساندها من تحزبات وتنظيمات إرهابية في هذا الوقت تحديداً، إنما هو أمر طبيعي يجب ألا يستغرب منه، بل نكاد نقول أنه أقل من الطبيعي، وذلك في ظل ما شهدته المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة من إعادة هيكلة لوزاراتها، ورؤية لمستقبلها، ومحاربتها للفساد، وانفتاحها على العالم، واستقطاب الاستثمارات، ومحاربتها للمارقين والمتسترين بالدين، وغير ذلك الكثير، كل ذلك كان لابد أن يواجه بعواصف طفيلية وزوابع جرثومية تسعى لزعزعة مكانتها في العالم واعاقة استمرارها في بناء مشاريعها، وجلب الخراب والدمار و(الثورنة) لها لتمزيقها، وصولاً إلى ما سبق وأن أعلن مراراً وتكراراً بما سمي (تدويل الحرمين الشريفين) وهذا هو أصل ما رغب ويرغب به الأعداء منذ فجر التاريخ، لسحق دينٍ يدين به أكثر من مليار ونصف المليار مسلم.
إن المتأمل في الأحداث الأخيرة في قضية جمال خاشقجي يرحمه الله، وما أفرزته من خيبات أمل وتحطيم للأحلام القطرية والتركية، نتيجة لرفض المجتمع الدولي المتزن ما تقوم به من أعمال على المستوى الترويجي الباطل والإعلامي الفاسد والإعلانات عن أدلة تارة ووثائق تارة أخرى وتسجيلات ونتائج، ظهر للعالم أجمع بطلانها وتكذيبها على مستوى رؤساء ووزراء الدول المختلفة، إنما يؤكد استمرار الحملة الممنهجة للنيل من المملكة العربية السعودية خاصة، والتحالف العربي السعودي المصري الإماراتي البحريني من جهة ثانية، تظل أسبابه ودوافعه ما قام به هذا التجمع المبارك من فضح للمخططات الاخوانية والخطط التخريبية على مستوى العالم والمنهجية المقيتة التي تسعى لها جهات معادية بقيادة التحالف القطري التركي، وهو بذات الوقت يؤكد أن سعيهم سيظل هباءً منثوراً، فكلما زاد نباحهم، ازدادت الدول الأربعة تمسكاً ببعضها وتمسك شعوبها بقياداتها ووطنها والدفاع والذود عنه، وازدادت معه مكانة القيادة السعودية رفعة بين دول العالم وتعاضدهم معها، وهو ما غدى جلياً في كثير من المواضع، ومنها نجاح دافوس الصحراء، وتسابق الدول للفوز بالصفقات السعودية العسكرية والتكنولوجية والاستثمارية، والزيارات الأخيرة التي بدأها ولي العهد السعودي للعديد من دول العالم، والذي أعلن قبيل مشاركة سموه لقمة العشرين عن رغبة الرئيس الأمريكي والرئيس الروسي للقاء سموه، وكذلك ما أعلن عن تطلع الرئيس التركي للقاء سموه على هامش المؤتمر.
كلمة أخيرة علينا وعلى أصحاب العقول والوعي أن يتذكروها ويعوها جيداً، أن الملك سيظل بيد الله تعالى، يهبه لمن يشاء وينزعه ممن يشاء، وأن الحرمين الشريفين ستظل محط أنظار ورعاية قادة هذه البلاد وإلى جوارها أكثر من مليار ونصف المليار مسلم، لن يسمحوا قط بأن تمس ذرة منه بسوء، وسيظل حفظ الله لهذه البلاد بيده ومشيئته وأقداره قائماً بفضله، وبالمقابل ستظل كل تلك الجراثيم والطفيليات تظن أنها شيء يذكر وما هي إلا تجمعات تشكل الحاقدين والعابثين للأمة العربية والإسلامية عامة وللحلف العربي الأصيل السعودي المصري الإماراتي البحريني خاصة، وستظل تلك القنوات ناهقة بمجموعة ناعقة وأصوات تنبح ليلاً ونهاراً للسعي إلى تحقيق أمانيهم الفاسد، التي ستظل مجرد سراب، ومخططاتهم الساقطة لا أكثر، أعاذنا الله ووطننا المملكة العربية السعودية والحلف العربي الأصيل قيادات وحكومات وشعوب من كيدهم وغيهم وتخطيطهم. اللهم آمين.

التعليقات