كتاب 11

03:33 مساءً EET

من خط أوباما الأحمر إلى انسحاب ترمب، فرصة أخيرة

أكثر أمر أعتقد اليوم أنه لايحمل إختلاف بين اثنين، هو أن قدرة الدول العربية على التأثير في إقليمها أقل بكثير من قدرة جيرانها غير العرب.. وهذا لايشمل الجهود المشتركة سعودياً وإماراتياً في الحفاظ على يمن عربي وحماية حدود الخليج بل والحصول على ثقة الكثير من دول المنطقة لتشكيل تحالفات سياسية وعسكرية ذات أهداف طويلة المدى. لكن هذا النموذج للأسف لاينطبق على أي قدرة عربية منفردة أو مشتركة تؤثر في الأزمة السورية التي عاشت على مدى ثمان سنوات تقلبات غاصت فيها كبرى القوى الدولية التي حيّدت أي قرار سوري او عربي حيث لم يتفاءل بها أكثر المتفائلين ولم يتشاءم منها أكثر المتشائمين.. جاءت التحولات فيها صادمة ومثيرة وصناعة الواقع لاتدوم بل تتغيّر بتغيير الرئيس بوتين ونظيريه على التوالي اوباما وترمب ربطات عنقهم كل صباح. ومع الأسف لم يكن هناك أي جنوح عربي الى استثمار التحولات الكثيرة في سوريا بطريقة اقتناص الفرص بل عمد إلى الإتكال على الدوام على الوجود الأمريكي الذي يشكل أماناً لتوازن القوى في سوريا لكنه يشكل خطراً على من يفرط بالثقة في الإدارة الأميركية. فمن صدمة تراجع الرئيس السابق اوباما عن حماية خطه الأحمر في سوريا إلى صدمة إعلان الرئيس ترمب إنسحابه المفاجيء من شمال سوريا، لم يتغيّر شيء.. الإتكالية هي الإتكالية والإستراتيجيات تُبنى على تعهدات واشنطن بحماية مصالح حلفاءها ومجابهة التوسع الإيراني -فقط لاغير-، وهي ليست رؤية شخصي المتواضع فحسب بل جاءتني على لسان وزير الدفاع الاميركي الاسبق أشتون كارتر في مايو 2017 الذي تحادثت معه على هامش ندوة حوارية في الرياض شاركت بها كصحفي وشارك كوزير سابق .
‏لكن الحالة القائمة والتي لا أعتبرها واقع بل حالة تبدّل كبيرة في موازين القوى في سوريا -بعد إعلان ترمب انسحابه من شمال سوريا تشير في حال صمد الموقف الترمبي أمام الإعتراض الواضح من عدة اركان في إدارته- تشير إلى أن التطورات ستحمل أخباراً غير مبشرة إذا ماتم اقتناص الفرصة الأخيرة من فم الأسد.. فالبديل عن الوجود الاميركي في الشمال هو وجود تركي مؤكد سواءً كان على ظهور الأكراد أو بجوارهم أو على الأقل بإيجاد حالة حرب دائمة قد تؤدي في النهاية إلى عواقب وخيمة، وفي خضم هذا الجنون هناك توسّع إيراني صامت في الجنوب لم يكن متوقعاً مع اشتداد وطأة العقوبات الأميركية على إيران، ولكنها الحقيقة. لم يرفع الروس ولا الأمريكان الفيتو في وجه العرب ضد تدخلهم في شأن السوري شقيقهم وجارهم وامتداد أمنهم القومي ، وحيث تتنوع التحالفات العسكرية العربية وتتشارك اكثر من اربع الى خمس دول حتى اللحظة نفس الرأي بخصوص ضرورة تفعيل العرب لوجودهم هناك، فأنا أرجّح أن يكون على رأس الخيارات عودة عربية إلى سوريا مع استراتيجية جديدة ومختلفة كلياً تبدأ من سوريا وليس من خارج حدودها وتطلق جهداً عسكري موازياً لعمل سياسي نشيط يمنع الإحتمالات السيئة القادمة من تركيا في الشمال وإيران في الجنوب.. حيث لافرص متوافرة في حال تشكل واقع جديد..
‏لم تتدخل روسيا عسكرياً فجأة إلا بسبب تلكؤ ادارة أوباما أو تمهلها -بتلطيف العبارة- وعندما وجدت نفسها في سوريا تعاملت مع القوى التي فرضت نفسها على الأرض “إيران وتركيا” ، ولولا الإنكفاء العربي لما عبرت إيران الحدود ولما استغلت تركيا جغرافيا الحدود.
‏الحفاظ على ماتبقى من دماء السوريين ووحدة أراضيهم وتأمين الحدود والجغرافيا على حالها لايجب أن يأتي من قوة أجنبية تقودها مصالح التوسع والنفوذ على حساب الجوار العربي ودول الإعتدال العربية بالذات من ليبيا إلى اليمن وسوريا والعراق ولبنان. وهنا كل الحكاية.

التعليقات