مصر الكبرى

08:37 صباحًا EET

مقال هام عن مصر لمدير تحرير الواشنطن بوست

فرصة الولايات المتحدة لبدء صفحة جديدة مع مصر
لا يحدث كثيرا أن يكون لدى الولايات المتحدة الالتزام، أو أن تتاح لها الفرصة، من أجل إعادة تشكيل علاقتها بالكامل مع واحدة من دول العالم الكبرى. فالروابط عادة، مهما كانت الظروف، تكون محكومة بالتاريخ، وتعمل النخب الدائمة على المحافظة على استمراريتها، كما تدافع عنها جماعات الضغط القوية. وبالتالي، فحتى السياسات السيئة من الصعب تغييرها.

ولكن في اللحظة الراهنة، ليس أمام واشنطن أي خيار آخر سوى إعادة بناء علاقتها مع مصر، التي تعد البلد العربي الأهم تاريخيا والأكبر من حيث عدد السكان وصاحب قناة السويس وأحد أفضل حلفاء أميركا منذ أكثر من 40 عاما. وتعد هذه مهمة ثقيلة، بل ومخيفة، أمام وزارة الخارجية الأميركية والبيت الأبيض، لكنها أيضا تتيح فرصة لتصحيح بعض الأخطاء التي وقعت فيها أميركا على مدار عقود في طريقة تعاملها مع الزعماء العرب. وتبدأ مهمة إعادة تشكيل العلاقات اليوم حينما تقوم وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري رودهام كلينتون بزيارة إلى القاهرة.
وقد وضحت منذ فترة الحاجة إلى إجراء تجديد شامل للعلاقات، لكنها صارت حتمية الشهر الماضي حينما فاز محمد مرسي، مرشح جماعة الإخوان المسلمين، في أول انتخابات حرة تشهدها مصر لاختيار رئيس الجمهورية. فحتى تلك اللحظة، ورغم الثورة الشعبية التي اندلعت في مصر العام الماضي، كانت السياسة الأميركية تتركز على الجهاز العسكري القوي والسلسلة المتعاقبة من الحكام الشبيهين بالفراعنة الذين دعمتهم. وعاما بعد عام، ظلت أميركا تشتري الولاء الاستراتيجي والسلام مع إسرائيل بالمعونة العسكرية والاقتصادية التي تقدمها لمصر سنويا بقيمة 1.5 مليار دولار.
لكن الوضع الآن يتعقد، ففي المستقبل المنظور سوف يتعين على المسؤولين الأميركيين التنقل بين مرسي و«الإخوان» الذين يتبعون أجندة ديمقراطية بالاسم فقط ولكنها في الأساس مناهضة للغرب، والعسكر الذين يبذلون قصارى جهدهم للحيلولة دون إقامة مؤسسات ديمقراطية مع الحفاظ على صلاتهم الحيوية مع البنتاغون وإسرائيل، والقوى الديمقراطية العلمانية التي قادت الثورة العام الماضي والمؤيدة بشكل عام للغرب لكنها واقع ما بين مطرقة الجنرالات وسندان رجال الدين.
والنجاح في السير على هذا الخيط الرفيع من الممكن أن يحافظ على مصر حليفة أساسية للولايات المتحدة وجارة مسالمة لإسرائيل مع تحويلها إلى نظام ديمقراطي فعال، وهو أمر سيجعل كلا من هذين الدورين أكثر استقرارا. والبديل لذلك هو أن تصبح مصر باكستان أخرى، أي بلدا ممزقا ما بين ساسة مدنيين فاسدين وغير أكفاء وقادة عسكريين مخادعين.
وقد نجحت أول خطوتين اتخذتهما إدارة الرئيس أوباما في لعبة الأكروبات هذه في تنفير وإرباك جميع الأطراف. فقد قامت الإدارة أولا، في شهر مارس الماضي، بتجاهل الشروط التي وضعها الكونغرس لتقديم المساعدة العسكرية هذا العام، التي كانت تقضي بأن يستكمل الجنرالات عملية التحول الديمقراطي، وهو أمر كان من الممكن أن يدفع العسكر إلى حل البرلمان المنتخب واغتصاب سلطات الرئيس الجديد، لكن الديمقراطيين في مصر شعروا بأنه قد تم التغرير بهم.
ولكن بعدها، بدأت الإدارة الشهر الماضي في الضغط بشدة على المجلس العسكري الحاكم من أجل الاعتراف بفوز مرسي في انتخابات الإعادة، وقد كان من الممكن أن تؤدي الضغوط التي مارستها كلينتون، وكذلك وزير الدفاع بانيتا، إلى منع المجلس من تسليم الرئاسة إلى مرشحه المفضل، وهو أحد رؤساء الحكومة السابقين، إلا أنها أغضبت الجنرالات والمسحيين المصريين وبعض المؤيدين الأميركيين لإسرائيل، الذين يخشون الإسلاميين أكثر مما يخشون النظام السابق.
والآن ماذا؟ من المفهوم إلى حد كبير أن هناك جدلا محتدما داخل الإدارة الأميركية حول أفضل طريقة للتعامل مع مرسي، وكذلك حول كيفية استغلال المعونة الأميركية. والاتجاه الذي يبدو أنه يختمر في أذهانهم حاليا هو منهج الحذر والسير خطوة خطوة، من خلال تقديم الدعم الأميركي لنظام مرسي في الحصول على مساعدات اقتصادية من صندوق النقد الدولي، وكذلك الاتفاق على صفقة لتبادل الديون ظلت مؤجلة منذ وقت طويل، بشرط أن يفي النظام بوعوده بمراعاة حقوق المرأة والأقليات الدينية، وأن يلتزم بالمعايير الديمقراطية، وأن يحافظ على السلام مع إسرائيل.
وأثناء زيارة قام بها إلى القاهرة يوم الأحد الماضي، تحدث نائب وزيرة الخارجية الأميركية، ويليام بيرنز، عن الملامح العريضة لهذه الشروط عقب اجتماع له مع مرسي قام خلاله بتسليمه خطابا من الرئيس أوباما. ولم يشر بيرنز في تصريحاته إلى المعونة العسكرية، لكن الإدارة الأميركية تفكر مليا في هذه النقطة أيضا، وهناك إجماع على ضرورة استمرارها في الوقت الراهن، وإن كان بعض المسؤولين يرون أنه لا بد في النهاية من إعادة هيكلتها وتخفيضها وتركيزها على مهام مثل محاربة الإرهاب وحماية الحدود، بدلا من شراء الأسلحة والمعدات الأميركية باهظة الثمن.
ومبدئيا، فإن هذه ليست خطة سيئة، لكن التحدي سيكون في تجنب العثرات التقليدية التي تقع فيها الدبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط، ومنها إغداق قدر أكبر من اللازم من الاهتمام والتأييد على من يتفق وجوده في السلطة. ورغم أن العسكر والإخوان المسلمين يحتفظون بأقوى بطاقات اللعب في الوقت الحالي، فإن أيا منهما لا يمكن أن يكون شريكا قويا أو يعتمد عليه بمرور الوقت. أما أصدقاء أميركا الحقيقيون في مصر فهم الديمقراطيون العلمانيون وأبناء الطبقة الوسطى الناشئة، الذين تم إخراجهم قسرا من الصورة، لكنهم يظلون الأمل الأكبر للبلاد على المدى البعيد.
والخطر الداهم الآخر هو أن تأتي ضغوط من جانب مصر أو من جانب الأميركيين أنفسهم تدفع السياسة الأميركية إلى العودة إلى مسارها القديم، فالعسكر سيقاومون أي تغيير في برنامج المعونة أو أن يحل القادة المدنيون محلهم في التمتع بالحظوة والنفوذ لدى واشنطن، والبعض داخل الكونغرس سيطالبون بأن تمتنع الإدارة الأميركية عن تقديم المعونة لنظام إسلامي. وقد يكون الاستسلام لتلك الضغوط هو أسرع وسيلة لإهدار تلك الفرصة السانحة من أجل إحداث تغيير ديمقراطي، ومن شأنه أن يحول مصر إلى باكستان ثانية.

التعليقات