كتاب 11

02:21 مساءً EET

عن التوغل التركي في الأراضي السورية

تمقت الطبيعة الفراغ، وكذلك القوانين الجيوسياسية. وعليه، كان متوقعاً أنه في أعقاب قرار الرئيس دونالد ترمب المفاجئ بسحب القوات الأميركية من سوريا، جرى على الفور سدّ الفراغ الذي ظهر شمال سوريا بقوات روسية داعمة لنظام الحرب بشار الأسد.
واللافت أن التكاليف الإنسانية للغزو التركي لسوريا تتفاقم بسرعة، مع سقوط مئات الأكراد قتلى، وتعرض نحو 300 ألف مدني، بينهم 70 ألف طفل، للتشريد. ومكنت حالة الفوضى التي ضربت المنطقة مقاتلي تنظيم «داعش» من الفرار من السجون، والانضمام إلى آلاف آخرين مختبئين حول الحدود السورية – الإيرانية، ويتحينون الفرصة المناسبة لإعادة تجميع صفوفهم.
أما الأكراد حلفاء أميركا السابقون، فأجبروا على اللجوء إلى نظام الأسد الكريه، سعياً لضمان مجرد بقائهم على قيد الحياة.
ويمنح وقف إطلاق النار المقرر لمدة 120 ساعة، الذي تفاوض بشأنه نائب الرئيس مايك بنس مع الأتراك، على الأقل فرصة لتقليص وتيرة العنف لفترة من الوقت. «وإن كان الأكراد يتهمون تركيا بالفعل بخرق وقف إطلاق النار». ومع ذلك، تبقى ثمة تحديات كبرى قائمة.
من خلال تخليها عن المقاتلين الذين بذلوا المجهود الأكبر لهزيمة «داعش»، ألحقت إدارة ترمب ضرراً عميقاً بالمكانة الدولية للولايات المتحدة وثقة الآخرين بها كحليف. أما الكونغرس فقد جاء أداؤه أفضل، مع تصويت مجلس النواب بالأغلبية الساحقة لصالح التنديد بقرار الإدارة، لكن مثل هذا القرار الرمزي لا يجدي كثيراً في تحسين أوضاع ملايين المشردين داخل سوريا، بينما يقترب الشتاء.
اليوم، تواجه تركيا، وهي حليف في «الناتو»، موجة غضب عارم وعقوبات اقتصادية. ويبدو أن «الفائزين» الوحيدين مما يجري، هم النظام السوري ورجل روسيا القوي بوتين و«داعش» وإيران وعملاؤهم ـ بمعنى آخر، جميع خصوم أميركا في المنطقة.
إذن، ما الذي يمكن فعله لقلب هذا الموقف؟ كيف يمكن للولايات المتحدة استعادة نفوذها بالمنطقة، وقبل كل شيء، دورها الريادي؟
تتمثل بداية جيدة في الاعتراف بأن البقاء داخل سوريا لا يستلزم قدراً كبيراً من الإنفاقات، ذلك أنه خلال ذروة وجودها بالبلاد، كان لدى الولايات المتحدة نحو 2000 عسكري هناك. جدير بالذكر أنه عندما كنت قائداً لمهمة الناتو في أفغانستان، جرى نشر أكثر عن 150000 جندي أميركي هناك.
من جانبه، يبدي «الناتو دعماً قوياً للمهمة العسكرية في سوريا، والتي تضطلع بها في معظمها قوات خاصة على الأرض، بدعم جوي يوجد مقره بمكان آخر من مسرح العمليات. وترك انسحاب جميع القوات الأميركية من سوريا، رغم ضآلة عددها، تأثيراً كبيراً على الأرض، وعكس نفور ترمب مما سماه «الحروب دونما نهاية» في الشرق الأوسط.
ومع ذلك، يبقى هناك بديل؛ بناء ائتلاف يتركز حول الناتو، خاصة أن قيادات الحلف تعلم المنطقة جيداً، وكانت لديها مهمة في العراق وأفغانستان.
وعندما كنت القائد الأعلى لقوات التحالف منذ بضع سنوات، كانت الأحداث ساخنة بالفعل على امتداد الحدود التركية – السورية الطويلة. عام 2012، أسقطت أنظمة الدفاع الصاروخي السورية طائرة تركية، وكانت الحرب السورية في مراحلها الأولى، لكنها تتفاقم، وبدت الأخطار التي تهدد الحلف واضحة.
من جهتها، دعت تركيا مراراً، الناتو لتقديم الدعم لها. وعليه، أرسلنا أنظمة دفاع جوي إلى أطرافها الجنوبية، وعززنا الطلعات الجوية التابعة للناتو، الهادفة إلى جمع معلومات استخباراتية، ووضعنا قوات عسكرية تابعة للناتو، «بينها وحدات قتال بري» على درجة أعلى من الاستعداد. وثمة دروس يمكن تعلمها من هذه الفترة بخصوص كيف يمكن للناتو المعاونة في نزع فتيل هذه الأزمة وتجنب مزيد من الضرر في العلاقات بين تركيا وشركائها في الحلف.
أولاً؛ يتعين علينا الإنصات بحرص إلى مخاوف الأتراك فيما يخص بعض الإرهابيين الأكراد الذين يعملون على حدودهم الجنوبية. كانت الولايات المتحدة قد تعاونت فيما مضى مع تركيا للمعاونة في التصدي لجهود تنظيمات، مثل «حزب العمال الكردستاني»، لكن الغالبية العظمى من الأكراد الذين تعاونت معهم القوات الأميركية في سوريا، وحدات حماية الشعب، لديها مجموعة مختلفة من الأهداف. وتركز التعاون بين الجانبين على سوريا والعراق، وليس مواجهة تركيا. ومع الاعتماد على مزيج من المعلومات الاستخباراتية القادمة من الولايات المتحدة والناتو، من المفترض أن ننجح في إقناع تركيا بهذا الاختلاف.
ثانياً؛ ينبغي أن يقرّ قادة الغرب بأن رغبة تركيا في بناء «منطقة عازلة» على طول الحدود ربما تبدو منطقية، خاصة إذا جرى حصرها على عمق 5 أميال فقط، بدلاً عن 20 ميلاً حسب الرؤية التي تروج لها حالياً حكومة رجب طيب إردوغان. وينبغي العمل على استئناف المفاوضات بين وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، الذي يحظى بتقدير واسع، ونظيره الأميركي مايك إسبير، التي كانت جارية قبل مكالمة 6 أكتوبر (تشرين الأول) سيئة السمعة التي منح ترمب خلالها إردوغان «الضوء الأخضر» للغزو.
وبدلاً عن فكرة الدوريات الأميركية – التركية التي تجري دراستها، ماذا عن تنفيذ دوريات بالاستعانة بقوات الناتو؟ من شأن ذلك توزيع التكلفة والمخاطرة بين جميع الأعضاء الـ29 في الحلف، مع توسيع نطاق الحوار لما وراء الولايات المتحدة وتركيا.
من ناحيته، حثّ ينس ستولتنبرغ، الأمين العام للناتو، تركيا على ضبط النفس. ويتعين على أعضاء الحلف الاعتراف بأنه إذا انتهى الحال باشتعال قتال بين قوات سورية – روسية من جهة، وتركية من جهة أخرى، فإننا بذلك سنكون في وضع يشهد حالة اقتتال بين حليف بالناتو وموسكو، ذات الوضع الذي يعمل الحلف على تفاديه منذ تأسيسه قبل 70 عاماً ماضية. وبالتأكيد، تشكل هذه نقطة نهاية سوداء، وتبدو غير مستحيلة على الإطلاق اليوم في ظل ميدان قتال مضطرب ومتشابك.
في النهاية، هناك في تركيا أسلحة نووية أميركية في قاعدة إنغرليك الجوية.
وعليه، فإن العمل بصورة جماعية لتأمين تلك الحدود الجنوبية، وهي حدود تخص الناتو، لن يسهم في نزع فتيل هذه الأزمة فحسب، وإنما سيسرق نصراً من يد بوتين وشركائه الإيرانيين.

التعليقات