تحقيقات

02:27 مساءً EET

اللبنانيون يتهافتون على المؤونة تحسباً لتفاقم الأوضاع‎

في أحد المتاجر الكبرى في بيروت، تضع سناء أكياساً من الفاصولياء فوق كومةٍ من المواد الغذائية الأخرى في عربتها على غرار آخرين، توافدوا لشراء الحاجيات الأساسية خشية انقطاعها أو استباقاً لارتفاع حاد في أسعارها، في خضم موجة احتجاجات غير مسبوقة ضد الطبقة السياسية في لبنان.

وتقول سناء، الأربعينية التي فضلت اسماً مستعاراً لأنها موظّفة حكومية: “لا أذكر أننا قمنا بالتمون بهذه الطريقة من قبل، نحن مخنوقون، نتمون تحسباً للأيام المقبلة والمرحلة الضبابية التي تنتظرنا”.

ويتهافت المستهلكون على برادات اللحوم، والأجبان، وقسم الخضار، والفاكهة، ويملأون الممرات المخصصة للحبوب، والمعلبات، فيما تخلو ممرات أخرى للكماليات مثل المشروبات الكحولية، والحلويات من الزبائن.

وتضيف سناء التي كان ولداها يلعبان حولها في ممرات المتجر، ويناديانها بين الحين والآخر “في السابق كنت كل ما آتي إلى السوبرماركت، أقول لأولادي: اشتروا ما تريدون، أما الآن فممنوع عليهم سوى اختيار شيء واحد فقط، لأني أريد أن أشتري المواد الغذائية فقط”.

ويشهد لبنان منذ 17 أكتوبر(تشرين الأول) الماضي حراكاً شعبياً غير مسبوق مطالباً برحيل الطبقة السياسية، علماً أنه بدأ على خلفية مطالب معيشية، وتسبب بشلل في البلاد شمل إغلاق المصارف لأسبوعين، وبعد إعادة فتحها تبين أن أزمة السيولة التي بدأت قبل التحرك الشعبي، وكانت من الأسباب التي أغضبت اللبنانيين، باتت أكثر حدّة.

وللمرة الأولى منذ أكثر من عقدين من الزمن ظهرت في الصيف الماضي، سوق صرف موازية يُباع الدولار فيها أحياناً بما يصل إلى 1800 ليرة، فيما لا يزال السعر الرسمي لليرة ثابتاً عند 1507.

واتخذت المصارف اللبنانية إجراءات للحد من بيع الدولار وفرضت في الأسبوع الحالي قيوداً إضافية بعد توقف دام أسبوعين جراء الاحتجاجات الشعبية، ولم يعد بإمكان المواطنين الحصول على الدولار العملة المعتمدة في التداول في لبنان، من الصراف الآلي، بينما يطلب منهم تسديد بعض مدفوعاتهم من قروض، وفواتير، بالدولار.

وتسبب كل ذلك في موجة هلع، وتدفق عدد كبير من اللبنانيين على المتاجر الغذائية في اليومين الماضيين، في وقت حذرت فيه محطات الوقود من قرب نفاد مخزونها من البنزين، وأعلن نقيب المستشفيات، أن مخزون الأدوية، والمستلزمات الطبية الحالي يكفي شهراً واحداً فقط، نتيجة الإجراءات المشددة التي اتخذتها المصارف اللبنانية للحد من بيع الدولار الضروري للشراء من المستوردين.

ورغم أن بعض الزبائن قالوا إنهم لا يشعرون بأي خوف ويشترون حاجياتهم بشكل طبيعي، أكدت غيرين سيف مسؤولة صالة المواد الغذائية في مؤسسة تجارية في فرن الشباك، شرق العاصمة، أن “الحركة أكثر من العادة وتشبه أيام الأعياد” من حيث الزحمة.

وتضيف “هذا كله بسبب الخوف من انقطاع المواد الأساسية، يشتري الناس الخبز، والطحين، والسكر، والحبوب، والمعلبات، والمستلزمات المنزلية، مثل المحارم، ويستغنون عن كل ما يعد كماليات”.

وتسبب الحراك الشعبي في استقالة الحكومة، لكن الرئيس ميشال عون، لم يبدأ بستشارات جديدة لبدء تشكيل حكومة جديدة، ومن الواضح أن الطبقة الحاكمة تسعى إلى إنقاذ مكتسباتها، والاحتفاظ بمواقعها بينما يتمسك المحتجون بالمطالبة بحكومة مستقلة، وبالتالي لا مؤشرات بعد، على خطوات تؤدي الى حلول.

وحاول المسؤولون طمأنة مخاوف الناس، وعقد عون ومسؤولون ماليون ومصرفيون بينهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، اجتماعاً أعلنوا على إثره أن “لا داعي للهلع” مؤكدين اتخاذهم تدابير لتيسير أمور المودعين المالية.

وإزاء البلبلة التي خلقتها السوق الموازية، يخشى اللبنانيون ارتفاعاً حاداً في أسعار المواد الغذائية، وقالت سناء، إن “أسعار الفول، والأرز، والفاصولياء، تضاعفت والزحمة عليها بشكل أساسي”.

وأوضح رئيس جمعية المستهلك غير الحكومية زهير برو، إن “التجار الكبار غير القادرين على الحصول على الدولارات من المصارف يبيعون بضائعهم للتجار الصغار بسعر الصرف الذي يناسبهم”، وأضاف أن “البلد في فوضى أسعار”، مشيراً إلى أن الارتفاع طال العديد من المواد من البيض، إلى اللحوم، والأجبان، والألبان، والخضار بنسب مختلفة.

ووثقت الجمعية، وفق شكاوى المواطنين التي تصلها، ارتفاعاً بـ 7% في أسعار اللحوم، وأكثر من 25% في أسعار الخضار، على سبيل المثال، ومن خلف براد اللحوم في أحد المتاجر، يقول الموظف فادي صليبي، أثناء تقطيعه اللحم: “في الأيام الأخيرة، بتنا نعمل من الثامنة صباحاً إلى العاشرة مساءً دون توقف”.

ويصطف كثيرون، غالبيتهم من النساء في قسم الخضار والفاكهة، وتأتي إحداهن بأكياسٍ مليئة لتضعها في عربتها الممتلئة، ولا تتيح الزحمة للعامل على الميزان التوقف لحظة عن العمل، وأمام صناديق الدفع، يقف المواطنون في طوابير طويلة.

وتخرج امرأة بعربتين مليئتين من المتجر، وتفرغ بمساعدة عامل أجنبي، واحدة منها في صندوق سيارتها الذي تحول إلى مخزنٍ لعبوات المياه البلاستيكية، قبل أن تنقل باقي الأغراض إلى مقاعد السيارة، ويقول أنطوان ديراني، الذي ملأ عربته بمواد غذائية: “نعيش في صلب الأزمة”، مضيفاً “نتمون اليوم ليكون لدينا احتياطات في المنزل”.

ويعود الرجل الذي غزا الشيب شعره بالذاكرة إلى سنوات الحرب الأهلية بين 1975 و 1990، متمنياً ألا تعود تلك الأيام، ويقول: “أذكر تماماً كيف كنا نقف في الصف ونترجى البائعين للحصول على ربطة خبز فقط”.

التعليقات