مصر الكبرى

08:51 مساءً EET

مرسي .. رئيس إسلامي بامتياز

كعادتنا يُبهرنا الكلام المنمق ويستحوذ علينا الخطاب الصاخب وتنطلي علينا الأكاذيب التي يُطلقها سياسيون ورجال دين تحت ستار كثيف من التنميق والصخب … حدث هذا قبل ستين سنة، وقبل خمسين، وثلاثين، وعشرين .. ومنذ أيام أيضاً.

قبل أقل من ثلاثة أسابيع رجّح أقل من مليون من 26 مليون ناخب مصري كفة الاخواني محمد مرسي ليكون أول رئيس لمصر في عهدها الجديد. وحال ظهور النتائج أعلن مرسي تخليه عن عضويته في حزب الإخوان المسلمين وتعهد بأن يكون رئيساً لمصر كلها وللمصريين بأجمعهم، أالقى خطاباً منمقاً صاخباً مشحوناً بالوعود الخلابة والتعهدات الرصينة، وقد صدّق به الكثير ممن استمعوا الى الخطاب.لكن الأمر لم يستغرق أكثر من تلك الأسابيع الثلاثة لتتهاوى في أول أختبار عملي وعود الرئيس مرسي وتعهداته، فقراره الغاء حكم المحكمة الدستورية بحلّ مجلس الشعب الذي تبيّن ان انتخابه كان مطعوناً في شرعيته، مثّل تجاوزاً على  القضاء والدستور في آن، كما بينت المحكمة الدستورية وأساطين القضاء والقانون الدستوري المصريون الذين أدلوا بارائهم علناً عبر وسائل الاعلام المصرية والعربية.لا غرابة البتة، فالرئيس مرسي إخواني الى النخاع وإن أعلن انسحابه من الحزب، وكل تصرفاته عكست الأجندة الاخوانية غير الخفية. والقضاء عند الإخوان، كما سائر أحزاب الإسلام السياسي، الشريعة، والدستور القرآن. وهذا لا يختلف عليه السياسيون والفقهاء الإسلاميون، سنة كانوا أم شيعة، وإن رفعوا نبرة أصواتهم بالديمقراطية والتعددية. والمحكمة الدستورية وسائر المحاكم القائمة في مصر لا تمثل الشرعية في نظر الرئيس مرسي وحزبه. لذا فهم يسعون الآن الى إعادة ترتيب أوضاعها بحجة انها تضم "فلول" النظام السابق. أكبر تجربة لحكم الإسلام السياسي في العصر الراهن هي ايران. وفي هذه البلاد حتى الدستور المكتوب بالمواصفات المذهبية الصرف ديس عليه مراراً وتكراراً بمداس المرشد الأعلى صاحب السلطة المطلقة برغم عدم انتخابه.. وفي ايران زُورت نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية غير مرة، وكان آخرها تلك التي فجّرت ربيعاً ايرانياً قُضي عليه بوحشية بالغة وسافرة نادرة الحدوث.ولماذا نذهب بعيداً.. هنا في العراق الذي تولّى السلطة فيه الإسلاميون، الشيعة والسنة، تُنتهك يومياً مواد الدستور الذي كتبوه بانفسهم، ويجري التجاوز على تعاليم الدين على مدار الساعة. فالانتخابات يجري تزويرها، والوظائف العليا في الدولة وكثير من المتوسطة والدنيا أيضاً تُمنح الى من لا يستحقها، بل الى مزوري وثائق وشهادات يسعى أمراء الأحزاب الاسلامية بالذات الآن الى شرعنة العفو عنهم. المال العام، وبعض الخاص أيضاً، يجري نهبه علناً من دون خشية من دين لا تطبق تعاليمه الا على الفقراء، ومن دون خوف من دولة تكفلت بتوفير أقوى الحماية للفاسدين والمفسدين.محمد مرسي ابن حزبه الإسلامي مثلما الحكام في طهران أبناء حزبهم الإسلامي، ومثلما القيمون على السلطة في العراق أبناء أحزابهم الاسلامية، والأحزاب الاسلامية كلها ضد الدولة المدنية التي تفصل ما بين الدين والدولة وبين سلطات الدولة، والرئيس مرسي يتصرف في هذا اإطار في الواقع.

التعليقات