كتاب 11

12:25 مساءً EET

هاي .. باي .. في يوم اللغة العربية !!

الأسبوع الماضي احتفل العالم العربي ، باليوم العالمي للغة العربية، وأقيمت الأمسيات الشعرية، والأصبوحات، والمحاضرات، في المدارس والجامعات، والأندية الأدبية، والمراكز الثقافية، وغيرها.. لن أتكلم عن محاسن لغتنا العربية، ولا مميزاتها، ولا بلاغتها، ولكن ما يعنيني هو فقه اللغة العربية التي لا يعرفه الكثير من الناس، ومن هنا إذا ما أوردتَ عبارة لم يفقهوها، استنكروها وماجَ فيها تهكماً، وسخرية ممن أوردها.. وفقه اللغة العربية في دلالاتها هو المدخل الرئيسي لتفسير القرآن الكريم، لذلك فهم يتناولون المفسرين المغايرين مثلاً عن تفاسير غيرهم مما سبق من المألوف بالتفاسير، الخارجة عن الدين، والتطاول عليه..

تعود الناس في العالم العربي على اللغة الدارجة في أوطانهم ، والحديث بها مما أفقد الناس الفهم والإدراك التام لمفردات اللغة الأم ، وبالتالي عدم التدبر، والتأمل، في تفسير القرآن الكريم ومعانيه.. فمثلاً : إلى الآن نردد مقولة أن النبي صلى الله عليه وسلم( أميٌّ لا يعرف القراءة والكتابة) بينما كلمة الأمي كما يقول: الدكتور( محمد عابد الجابري ) في كتابه ( مدخل إلى القرآن الكريم في التعريف بالقرآن) مأخوذة من الأمم التي ليس لها كتاب منزل ، وكذلك الشأن في لفظ ( الأميين) الوارد في القرآن ، فالمقصود بهم العرب الذين لم يكن لهم كتابًا منزلاً قبل القرآن، مقابل أهل الكتاب من اليهود والنصارى.. والنبي صلى الله عليه وسلم يعرف القراءة والكتابة.. كذلك أذكر: أنني قرأتُ لناقدٍ يكيل الشتم والتكفير لشاعر: ورد في قصيدته مفردة ( أنتِ صلاتي) فاتهمه بأنه يقدس حبيبته فجعلها في منزلة الصلاة لله سبحانه وتعالى، بينما الناقد الانطباعي، لم يفهم أن الصلاة في اللغة تعني( الدعاء) والشاعر يقصد أن الحبيبة هي دعوته في صلاته أن يرزقه الله وصلها، وهكذا ينجرُّ خلفه الكثير ممن يَرَوْن بعض القصائد غامضة، ومشبوهة، بينما هي واضحة كل الوضوح لمن يعي اللغة ويفقهها..

قديما لدينا في السعودية كان من شروط المعلم والمعلمة كما قرأتُ أن يكونا متحدثين باللغة العربية في أي مادة كانت.. الآن كل معلم، ومعلمة، يشرحون الدروس بلهجاتهم المحلية الدارجة ، فلم يعد للغتنا العربية تلك الهيبة أو العذوبة ، أو التذوق كما تذوقناها في ذلك البرنامج الناجح الجميل ( أفتح ياسمسم) أو المسلسلات الكرتونية المدبلجة باللغة الفصحى..بينما يحرص الغير ناطقين باللغة العربية على دراستها، وتذوقها..

قبل سنوات دُعيتُ إلى إحياء أصبوحة شعرية في كلية المجتمع بجامعة أم القرى للاحتفاء بيوم اللغة العربية، وكانت الكلية قد وضعت برنامجًا مسرحيًا، أثار إعجابي في عرض مشهد، قدمته ثلاث طالبات من معهد اللغة العربية لغير الناطقين بها الملحق بجامعة أم القرى، وهن من جنسيات مختلفة، إحداهن فرنسية، وأخرى يوغسلافية، ومعهما هندية، جئن لدراسة اللغة العربية خصيصًا في هذا المعهد.. و كان المشهد مؤثراً أطلقن من خلاله وبلغة فصيحة سليمة نقدًا لاذعًا للكلمات الغربية المستعارة الدارجة على الألسن في الأحاديث اليومية مثل ( هاي / باي/ أوكي) وتساءلن في عتاب، مع من نتحدث؟ جئنا لنتعلم لغتكم إلا أننا بعد أن أتقّنا لفظها، ومعانيها، لم نجد من يكلّمنا بها فصيحًا!! لماذا تخليتم عنها ونحن جئنا لأجلها ؟.. وأمام خجلي من تساؤلهن وإعجابي بقدرتهن على النطق الفصيح السليم.. قَدّرَتُ هذا الإنجاز العظيم لهذا المعهد، ولوطني السعودي الذي أنشأه، واهتمامه باللغة العربية لغير الناطقين بها في زمن العولمة حتى في اللغة..

نحن بحاجة إلى صياغة جديدة في تعليم اللغة العربية في مدارسنا وتعميق الفقه اللغوي.. تماما كتعميق الفقه الديني..

التعليقات