مصر الكبرى

07:27 صباحًا EET

مصر: الصراع الخلاق بين الشرعيات

يواجه النظام المصري الذي جاء عقب سقوط النظام الدكتاتوري السابق أول أزمة سياسية، حيث دخل الرئيس المصري المنتخب حديثا محمد مرسي في صراع مع المجلس العسكري بشأن البرلمان الذي يعد منحلا من الناحية النظرية، وسط حديث عن انقلاب واضطرابات.

واستغل بعض المحللين الفرصة ليعلنوا أنه لم يعد هناك أمل في وجود ديمقراطية في مصر. لقد قيل لنا إن جماعة الإخوان المسلمين التي دعمت مرسي أثناء حملته الانتخابية تخطط لفرض استبداد جديد قائم على الشريعة الإسلامية. ويتحدث هؤلاء المحللون عن وجود «مؤامرة إسلامية» ويحثون الجيش المصري على الانقلاب على الرئيس.
وعلى الجانب الآخر، يرى البعض أن الجيش يستخدم هذه الأزمة كحجة لإطالة أمد بقائه في السلطة. ومع ذلك، أرى أنه لم تحدث كارثة في مصر، وكل ما نراه الآن يتم وفقا لقواعد نظام سياسي جديد قد يتطور أو لا يتطور إلى ديمقراطية حقيقية، ودعونا نلق الضوء على ما حدث:
– أعلن الرئيس مرسي أنه لا يوافق على قرار المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب المنتخب. وكان مرسي يتصرف وفقا لدوره كرئيس للجمهورية ووضع جدول أعماله بالطريقة التي يتعين على الرئيس القيام بها، وكان يستفيد من الشرعية السياسية التي حصل عليها في انتخابات حرة ونزيهة.
– ومن جهتها، مارست المحكمة الدستورية العليا شرعيتها القانونية وأصرت على أن قرار حل البرلمان كان قانونيا.
– وكان المجلس الأعلى للقوات المسلحة يمارس الشرعية التي حصل عليها كهيئة تشريعية مؤقتة، وبالتالي كقائم على سيادة القانون.
ومن منطلق علمه بأنه لا يستطيع تحدي الرئيس، أنهى المجلس العسكري حصاره لمبنى البرلمان وسمح للمجلس بعقد جلسة قصيرة.
– قام المجلس «المنحل» بممارسة شرعيته الانتخابية وفتح نقاشا يدفع بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا في اتخاذ هذا القرار. ومع ذلك، لم يكن المجلس مستعدا لتصعيد تلك الأزمة وتحويلها إلى كارثة.
– وفي تلك الأثناء، يتظاهر النشطاء السياسيون في ميدان التحرير ويمارسون شرعيتهم كمواطنين أحرار.
وبعبارة أخرى، يقوم كل شخص بما يتعين القيام به في أي مجتمع حر، ولكن حدث تصادم بين الشرعيات المختلفة في مناخ مفتوح.
وفي بيئة تحولت فيها السياسة إلى مؤامرات وصفقات سرية ومناورات مكيافيلية، أصبح من الصعب قبول فكرة التوصل إلى قرارات من خلال النقاش العام لمختلف أجهزة الدولة.
وقد يستغرق الأمر سنوات حتى يتعود المصريون على وجود نظام لا يقوم فيه فرد واحد أو مؤسسة واحدة بإملاء أوامرها على الجميع. ولكن ما الذي يتعين علينا أن نتعلمه من تلك الأحداث؟
أول درس يجب أن نتعلمه، بعيدا عن كونه سببا يدعو للقلق، هو أن الصدام بين الشرعيات قد يكون خلاقا. ويتعين على الرئيس أن يلتزم بالأجندة التي وضعها لنفسه، ولكن في نفس الوقت يتعين على مؤسسات الدولة والمواطنين العاديين تحدي الرئيس كلما كان ذلك ضروريا، وهو ما من شأنه أن يخلق التوتر الخلاق المطلوب في نظام سياسي ينبض بالحياة. وثمة حديث كثير حول سيادة القانون، وهو ما يعد أمرا مهما للغاية في مجتمع متحضر. ومع ذلك، يتعين علينا ألا نخلط بين سيادة القانون وحكم المحامين.
ومما لا شك فيه، وبغض النظر عن مرجعيتها، يجب على المحكمة القيام بدورها في التأكد من التزام الجميع بالقانون، ولكن هذا لا يعطي للمحكمة الحق في تحويل نفسها إلى النسخة المصرية من «مجلس صيانة الدستور» في النظام الإيراني الاستبدادي. إننا لا نريد أن نستبدل استبداد الجنرالات باستبداد القضاة.
وخلال الشهر الماضي، شهدت الولايات المتحدة أزمة مماثلة عندما قضت المحكمة العليا بأن قانون الرعاية الصحية الإلزامية للرئيس باراك أوباما لا يخالف الدستور، ومن ثم كان هناك صراع بين الشرعيات الرئاسية والتشريعية والقضائية. (ولكن الجيش لم يتدخل، على عكس ما يحدث في الأزمة المصرية!).
إنني أتعرض لانتقادات شديدة لأنني أؤكد أن مصر على الطريق الصحيح وأنه من مصلحة الجميع أن يتم إعطاء الرئيس مرسي فرصة مناسبة قبل الحكم عليه. ونظرا لأنني أعتبر أن الدين والسياسة مجالان منفصلان من مجالات الحياة العامة، وإن كانا مترابطين ثقافيا، فإنني مصر على أنه يجب الحكم على مرسي من خلال تصرفاته وليس بناء على معتقداته.
وبقدر القلق الذي أشعر به، فإن جماعة الإخوان المسلمين لا تزال حركة مناهضة للديمقراطية ولديها أحلام للاستبداد باسم الدين. ومع ذلك، يتمثل الشيء الجيد في أن الانتخابات الحرة والنزيهة التي شهدتها مصر أنها قد كشفت عن انحسار التأييد الشعبي لجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما جعل الجماعة تتخلى عن بعض أوهامها وتسعى إلى إيجاد مكان لها في مجتمع تعددي.
وفي الحقيقة، لا يتفق فكر الإخوان المسلمين مع الديمقراطية، ولكن الديمقراطية لا تتعارض مع فكر الإخوان. وفي أي مجتمع تعددي، يكون الناس أحرارا في الاعتقاد ونشر ما يحلو لهم، طالما أنه لا يتم فرض ذلك على الآخرين بالقوة والترهيب. إن الخوف من سيطرة جماعة الإخوان المسلمين على مقاليد الأمور لا يمكن أن يستخدم كذريعة للعودة إلى الدكتاتورية الكارثية التي فرضت عام 1952.
سوف يتعلم المصريون كيف يعيشون في دولة ديمقراطية وكيف يعملون على إنجاحها. ولا شك في أن المصريين سوف يرتكبون أخطاء ويعانون من نكسات، لأن الطريق الوحيد لتعلم السباحة هو أن تقفز في الماء! إن الذين يدعون بأن العرب محكوم عليهم بالعيش تحت حكم الطغاة وأنه يجب حماية بشار الأسد بصفته أحد الأنواع المهددة بالانقراض، لديهم حنين كبير إلى الماضي الذي يعد أفيون المهزومين عبر التاريخ.

التعليقات