كتاب 11

09:30 صباحًا EET

الخطاب الديني التجديدي لشحرور وأفق الانتظار

كان المفكر الإسلامي الدكتور “شحرور” ولا يزال محل جدل ومثارًا للتساؤلات، فكلُّ القضايا التي طرحها عن الفكر والخطاب الإسلامي ومشروعه التصحيحي قابلة للقراءة عند من يرى أن النصَّ منفتحٌ ومتجددٌ على قراءات متعددة، فالقراءة بالتأكيد تعني أن ننتج خطابًا جديدًا ونربطه بالنص المقروء بعيدًا عن كاتبه، والقراءة كما يرى “بارت” فعل إبداعي تتوقَّفُ عليه حياة النص، تلك الحياة التي تتعدَّد بتعدِّد القرَّاء، وتتنوَّع بتنوِّع حالاتهم المزاجية وأفكارهم وقدراتهم على التأويل، إضافة إلى أنَّ إقصاء المؤلف يعطي الحرية للقارئ في أن يشعر بلذة القراءة والاكتشاف دون عون من قوى خارجية. فما كتبه المؤلف ليس لاهوتًا وهو قابل للنقاش والحوار، و”شحرور” كان يهدف من خلال مقالاته ومؤلفاته المنشورة وأطروحاته إلى إصلاح الفكر والخطاب الإسلامي بتقديم قراءة معاصرة له وكان يدرك أنَّ هذه القراءة قد تنتجُ قرَّاء متنوعين تختلفُ مواقفهم باختلاف ثقافتهم وطريقة تحليلهم، ولستُ هنا بصدد مناقشة هذه القضايا والأطروحات،ولكني أشيرُ إلى أفق توقع القرَّاء لهذه القراءة المعاصرة التي قوبلت بالهجوم حينًا وبالتصدي لها أحاين أخر، ذلك أنَّ القراء يحملون مجموعة من المعطيات المسبقة التي تكوَّنت لديهم عن العمل وهذا يدفعهم إلى تقديم تصوَّر مسبق عنه؛ لأنهم استحضروا تجاربهم السابقة عن النصوص التي سبق وأن قرأوها، فنوعية استقبال هذا العمل تنطلق من فكرة أنَّ القارئ يقبل عليه وهو يتوقع أو ينتظر شيئًا ما، وبما أنَّ “شحرور” سعى لتقديم قراءة جديدة ومعاصرة تعتمدُ على العقل لا النقل فنصه الجديد على حدّ تعبير “ياوس” يستدعي إلى ذهن القارئ الذي يتوقع أفقًا يوافقه وتحدده ثقافته وتعليمه وقراءته السابقة أي النظام المرجعي والذهني له عن هذا النص، لكنَّ نصَّ “شحرور” الجديد أو قراءته المعاصرة قد خيَّب أفق توقع بعض القرَّاء ولعلَّ هذه الخيبة قد تتغيَّر بعد عقد من الزمان، فـ”مدام بوفاري” عندما كتبها “جوستاف فلوبير” في القرن التاسع عشر لم تلقَ نجاحًا وقوبلت بهجوم عنيف من المتلقين الذين وجدوا أنَّ هذا العمل ترويجٌ للفجور وبذلك تــمَّت محاكمة كاتبها حيثُ إنَّها لا تتفق وثقافة المتلقين آنذاك ونظامهم المرجعي الذي كانوا يؤمنون به وبالتالي فقد خيَّبت “مدام بوفاري” أفق توقع جمهورها، في حين نجد أنَّ “مدام بوفاري” ألهمت الكثير من القرَّاء في القرن العشرين لدراستها وتَّم تلقيها بإعجاب وتحويلها لفيلم سينمائي ذلك أنَّ أفق الانتظار اختلف باختلاف الجمهور وثقافته وطريقه تفكيره وتحليله، وإذا ما سلَّمنا بذلك: فهل يمكن أن تخضع أعمال “شحرور” للقراءة الفاحصة الجادة لإعادة تشكيل أفق التوقع؟
وهل ستنتج قراءة “شحرور” المعاصرة الجديدة قرَّاء متعاقبين يتَّفقون مع قراءته المعاصرة؟وهل سُيؤسس هؤلاء القَّراء الجدد لقراءات جديدة لخطاب شحرور الديني؟

هذا ما ننتظر في قابل الأيام!!

التعليقات