آراء حرة

03:59 مساءً EET

سامية رشدي تكتب: مصر العظمى فرعونية أم عربية

حاول الغرب الإستعماري لسنوات وسنوات إختلاق زعامات وهمية وإصطناعية كأسرات حاكمة وإقطاع سياسي ودسائس كثيرة وافتراءات لزعزعة زعامة مصر وقيادتها في إنهاض القومية العربية وهذه ليست شعارات لأن معظم أمجاد مصر تحققت في إطار القومية الكبير وليس في حدود امكانياتها فقط
‏وكذلك سعوا لتفتيت وحدة العرب وإضعافهم لنهب ثرواتهم بعدما تأكدوا مراراً أن في اتحاد العرب قوة لا يستهان بها وخاصة عند إستغلال قوتهم الإقتصادية كورقة ضغط على الغرب مثلما حدث بسلاح البترول سابقاً
‏كان ذلك المنهج يعتمد على إثارة النعرات المحلية في معظم البلدان العربية وإن كان أكثرها تأثيراً “أن مصر فرعونية أم عربية ”
‏حيث أن هذا الموضوع له مغزى سياسي خطير سواء في إهماله أو الإهتمام به، فالمبالغة بأن مصر فرعونية لاتبرز أصالتها بل تضخم البعد الفرعوني في تاريخنا وتبعدنا عن عروبتنا وتطمس معالمها ..
‏وهناك من يبرز قضية أخرى في هذا السياق وهي مقابلة بين الوحدة العربية والوحدة الأفريقية لنفس الغرض
‏كلها مقدمات لقول أن مصر (ليست عربية ولكنها مستعربة) و (ليست عربية ولكنها متكلمة بالعربية) و (ليست عرباً ولكن أشباه عرب)
‏والهدف طبعاً من كل هذه الدعاوي هو التشكيك في عروبة مصر وبالتالي عزلها عن العالم العربي الانفراد به بخلق زعامات طفيلية ووهمية تتحكم في مصير البلدان العربية لصالح الغرب مثل قطر وتركيا وإيران بغطاء ديني أو سياسي وهذا واقع نعيشه اليوم
‏وبالرغم من ذلك .. مصر لم تكن الوحيدة التي أثير حولها هذا الجدل، فالسودان وُصف بأنه أفريقي وليس عربياً، والمغرب زعموا أنه بربري وليس عربي، وقيل عن لبنان والشام أنه فينيقي أو سوري وليس عربي ، وكذلك العراق لم ينج من الإتهام
‏بمعنى آخر يروجون أن أجزاء العالم العربي خارج الجزيرة العربية ليست عربية ولكنها مستعربة على أساس أن السكان قبل التعريب لم يكونوا عرباً (جنسياً)
‏لكن هذا الأساس ينهار في اللحظة التي نُخرج فيها العروبة عن مضمونها الحقيقي وهو مضمونها الثقافي لا الجنسي أولا ..
‏ومع ذلك فكل الغطاء البشري الذي يغطي العالم العربي من جذر واحد كما أوضح ذلك الجغرافي المصري جمال حمدان
‏ حيث قال : دينياً وتاريخياً إسماعيل هو أبو العرب العدنانيين، وهو إبن إبراهيم العراقي من هاجر المصرية، والعرب العدنانيين هم أبناء إسماعيل من زوجة مصرية أيضا
‏ومعنى ذلك أن العرب أصلا أنصاف عراقيين – وانصاف مصريين
‏والنبي نفسه تزوج مارية المصرية وهو القائل عن مصر للعرب إن لكم فيها ( ذمة ورحما )، وكما أن عمرو هو القائل (أهل مصر أكرم الأعاجم كلها وأقربهم رحماً بالعرب عامةً وبقريش خاصةً) إذن صلة مصر بالعرب نسب ودم قبل أن تصبح صلة ديانة ولغة .
‏والهدف من ذلك أيضا جعل العرب كالأمريكين يفقدون معنى الأمة
‏بمعنى أن يخلق في مصر شعبة فرعوبية (فرعونية-عربية) ، وفي العراق شعبة آشورية (آشورية-عربية) .. إلخ
‏وفي هذا تجاهل أربعة عشر قرنا هي امتداد وتكملة للتاريخ القديم تجمع بين الجميع في إطار واحد يجمع هذه العرقيات الشعوبية، وتجاهل أن العروبة نقيض الأمريكية تماما في أصولها، فالأمريكين نشأوا من هجرة أجزاء من شعوب متنافرة تصاهرت وانصهرت في بوتقة وطن جديد عبر المحيط الأطلسي
‏بينما العروبة قامت من هجرة جزء من شعب واحد لتتصاهر وتنصهر مع شعوب متباينة في أوطان قديمة متلاصقة، أمريكا تحولت إلى أوربا الصغرى، بينما العرب خلقوا بلاد العرب الكبرى
‏فإن شعوب المنطقة _قبل العرب والإسلام_هم أساساً وأصلاً أقارب انفصلوا جغرافياً إبتداءً من العراق إلى الشام إلى الجزيرة العربية، ومن مصر إلى المغرب أو السودان
‏وحدث توطن محلي ومؤثرات دخيلة وتزاوج داخلي بعد ذلك
‏لا يمكن أن ينتج إلا بعض الإبتعادات المحلية الضئيلة التي لا تغير من وحدة الأصل الدموي والتجانس العرقي وأن تطورت اللغات والألسن يظل العالم العربي هو الأسرة الموسعة التي تضم عدة أسر صغيرة
‏لذلك فالمعنى الحقيقي للعروبة هو مضمونه الثقافي واللغة وليس الجنسي ولا كمية الدم العربي، لكنها كمية اللسان العربي
‏كما أن مقياس الوطنية هو الإقليم لا الجنس
‏ولهذا كله فإن دورنا القيادي يظل قائم لا كمجرد زعامة ولكن مسؤلية تفرضها الطبيعة والتاريخ ، وسيتحقق ذلك حتما بالانطلاق نحو الدولة العصرية والتكنولوجيا الصناعية المتقدمة والاهتمام بالعلم والبشر والإنتاج ككفيل لحل اصعب المعادلات وهي:
‏إن الإقتصاد القوى هو عصب أي قومية لتحقيق وحدة سياسية وريادة مؤكدة .

التعليقات