كتاب 11

03:15 مساءً EET

القبح في زمن الكورونا

أطل العالم بين ليلة و ضحاها بأخبار كورونا الفايرس ذو التاج الملكي الذي لا يري بالعين المجردة معلنا سيطرته على العالم ، و كاشفًا عن أوجه الحقيقة القبيحة – لأول مرة يتساوى الجميع صاحب المال و السلطة مع الفقير المهمش فالجميع سواسية عاجزين أمام الكورونا .

و ظهر الاختبار الحقيقي ،اختبار الدول و الأفكار ، اختبار الإنسانية و الرحمة ،اختبار العلم و الجهل ،و إنقلبت الآية و صارت الفئات المظلومة في المجتمع كفئة الأطباء في صدر المعركة ، يواجهونها بواقيات و امكانات قد تكون محدودة في أحيان كثيرة ، و ظهر القليل من أصحاب المال و السطوة عن استحياء دون أن يقدموا شيئا حقيقيًا ، التزم الناس البيوت و خوت الشوارع على عروشها ، أين شوارع نيويورك الصاخبة –المدينة المصغرة للعالم ؟ تكشف وجه الرأسمالية القبيح عالم شديد الإبهار من الخارج و خاو شديد القبح من الداخل ، فلا إنسانية أمام المصلحة العامة ، فلابد لقوة المال أن تستمر و لو فوق جثث الضعفاء ، أين المبادئ ؟ اين الحريات و أين حقوق الأنسان –لم يعد لها وجود ، فما كانوا ينكرونه سابقًا صاروا يجاهرون به ليل نهار فاأولوية الحياة بالنسبة لهم تمنح للأقوى ، و تنتزع من الضعفاء الأكبر سنًا بفصل الجهاز الذي يبقيهم على قيد الحياه ، أدارت معظم الدول ظهرها لشركائها ، و باتت مصلحتها هي الاهم ، الصديق لم يصبح صديقًا ، و العدو لم يعد عدوا ، بل و لم يعد القوي قويا كما أوهمنا ، فالأسلحة التي أنفق عليها المليارات لا تستطيع قتل عدو لا يرى بالعين المجردة، ظهرت حقيقة الدول التي لاطالما رأيناها عظيمة مبهرة بنظام صحي عاجز ، تصحرت علاقات الدول ذات الإتحاد المشترك و طفت أنانية البقاء على السطح ، فسطت بعض الدول على الإمدادات الطبية لدول الاخرى ، و تخلت الدول عن مساعدة الدول الشقيقة. انكشفت عورة المجتمعات و ظهر المستور خلف قناع الديمقراطية و الحريات المزيفة.

و في خضم هذه المعركة ، أظهرت الإدارة المصرية احترافية في إدارة الازمة داخليًا و خارجيًا إلى الآن ، فلم تتخل عن المصريين العالقين في مختلف أنحاء العالم العالم ، عادت الثقة لكثير من المصريين في قدرة الدولة ، و ظهرت انسانية مصر بمساعداتها للدول الأكثر إصابة بالمرض ، و لكن مع هذا الجهد إن لم يتعاون المصريون مع الدولة ستحتدم الأزمة و سوف تخرج الأمور عن السيطرة ، فالوعي المصري ليس بالرهان الرابح مع بعض فئات المجتمع فقد بات المرض عارًا عند البعض و قد ظهر هذا في رفضهم المستهجن لدفن جثث ذويهم دون رحمة أو شفقة ،و تخلى بعض الأبناء عن دفن آبائهم ، و رفض البعض دفن أطباء قضوا و هم يدافعون عنا في صفوف الحرب الشرسة. انكشفت الوجوه المدعية للإنسانية و ظهر القبح خلفها ، و بينما كان الأطباء يرسمون ملحمة بطولية وفق الإمكانيات المتوفرة وجدوا أنفسهم يتعرضون لحملة تنمر ممنهجة من قبل ذوي العقول المحدودة للتنمر و فأعتبرهم البعض و كأنهم موصومون بالمرض ، انكشفت الأخلاق و برز الجهل و الأفكار الهادمة ، و برز على السطح أصحاب نظرية المؤامرة الخزعبلية ، حرب مصر الحقيقية دومًا و أبدًا هي حرب ضد الجهل و موروثاته في كافة الفئات المجتمعية .

كل هذه التداعيات وأكثر صحبت ظهور هذا الوباء اللعين ، و بدأ التساؤل كيف سننجو ،قد يختفي الوباء بعد فترة و لكن حتمًا لن تعود الأمور كسابق عهدها ، سيختلف العالم بعد الكورونا سيعاد ترتيب القوى و أولوياتها و معاييرها ، إن لم تدرك البشرية قدرها و قدراتها الحقيقية فلن يفيدها شيئًا ما بقيت . لقد منحتنا الحياة فرصة للتغيير و إعادة الترتيب على كافة المستويات و الأصعدة بدءًا من النظام العالمي و نهاية بالأفراد ، علينا التوقف طويلا أمام أنفسنا و أمام حياتنا ، قيمتها و أهميتها و أولوياتها ..ربما جاءت الكورونا لتمنحنا درسًا هامًا لنواصل الحياه بصورة أفضل ..فالبقاء الآن لم يعد للأقوى بل للأكثر علمًا و وعيًا و بكل تأكيد للأكثر إنسانية ، استعدوا نحن ننطلق بقوة نحو عالم ما بعد الكورونا .

التعليقات