كتاب 11

09:22 صباحًا EET

فايزة أبو النجا.. إنفجار البركان!! (3)

“نظراً لخطورة التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني سواء المصرية أو الأجنبية خصوصاً غير المرخص لها، علي الأمن القومي المصري، وما يمثله ذلك من اختراق المجتمع المصري، فقد عرضت الأمر علي مجلس الوزراء الذي كلف وزير العدل بتشكيل لجنة تقصي حقائق حول الموضوع”.. هذا كان جزء من شهادة الدكتورة “فايزة أبو النجا” وزيرة التخطيط والتعاون الدولى التى أدلت بها أمام لجنة تقصى الحقائق, يومى 16 و25 اكتوبر عام 2011.. فيما يتعلق بخروقات واضحة فى ملف تمويل منظمات المجتمع المدنى فى مصر.. منذ فبراير 2011.. تحدثت الوزيرة عن مبلغ محدد وهو 150 مليون دولار اقتطعتها الولايات المتحدة من مبلغ المعونة المخصص للحكومة المصرية.. وقررت منحه بنفسها مباشرة لمن أسمتهم النشطاء العاملين فى ملف حقوق الإنسان!!.. قالت الوزيرة فى شهادتها أن “الولايات المتحدة قامت بإعادة برمجة مبلغ 150 مليون دولار من مبلغ المساعدات الاقتصادية المخصصة لدولة مصر، لكي يعاد تخصيصه ويقدم مباشرة من أمريكا لمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني المصرية والأجنبية بما فيها بعض المنظمات الأمريكية تحت عنوان (برنامج الديمقراطية والحكم الرشيد) وهو ما اعترضت عليه الحكومة المصرية آنذاك، كما اعترضت أيضاً علي قيام الجانب الأمريكي بتقديم تمويل مباشر لكل من منظمتي المعهد الجمهوري – ويعمل به 15 شخصا – والمعهد الديمقراطى – ويعمل به 14 شخصا – وأيضا فريدم هاوس – 6 اشخاص – اعترضت الحكومة المصرية على ممارسة هذه المنظمات الأمريكية نشاطا سياسيا علي أرض مصر بالمخالفة للقوانين المصرية”.. هؤلاء جميعهم جرى اتهامهم فيما بعد وقدموا للمحاكمة أمام القضاء المصرى.. فيما عرف بضية التمويل الأجنبى.
ثم أشارت الوزيرة فى شهادتها إلى أنه “اتضح أن الأنشطة الممولة من الجانب الأمريكي تحت مسمي (حقوق الإنسان والديمقراطية والحكم الرشيد) كانت تتضمن تدريبات وبرامج على التظاهر والاعتصامات ودور الإعلام فيما يصفونه بالتوعية السياسية، متضمنا إيفاد مجموعات من الطلاب والصحفيين والمهنيين والعمال فى أعمال متنوعة لدورات متخصصة كل فى مجاله، وبما يحقق الأهداف الأمريكية من البرامج المشار إليها” كما أكدت الوزيرة على أن “المسئولين الأمريكيين كانوا دائماً يطالبون الحكومة المصرية برفع ما تعتبره واشنطن قيوداً علي حرية الرأي وحرية المجتمع المدنى والصحافة والإعلام، مستندين فى ذلك على التقارير التى تصدرها مؤسسات ومنظمات أمريكية عن أوضاع حقوق الإنسان فى مصر، وكذلك أوضاع الأقليات، بما في ذلك الإشارة الدائمة إلي ضرورة إلغاء قانون وحالة الطوارئ”.. ولإنعاش الذاكرة.. عاد كثيرين ممن تلقوا مثل هذه التدريبات فى الخارج.. لتستشرى الدعوات بتأسيس نقابات واتحادات خاصة لحرف ومهن مختلف.. وهو أمر مخالف للقانون المصرى وقتها.. وعلت تلك الدعوات بل أنه تم فعلا تأسيس عدد من النقابات التى سميت مستقلة.. لا أدرى ما مصيرها الآن.. حتى نقابة الصحفيين.. عانت فى تلك الفترة من تكرار إعلان أشخاص مجهولى الهوية تأسيس نقابة الصحفيين المستقلة.. لكن التصدى لتلك الدعوات المشبوهة وأدها فى مهدها.. على الأقل بالنسبة لنقابة الصحفيين.. وحتى لا ينظر البعض لدعوات إقامة نقابات مستقلة ببساطة وباعتبارها أمر هين.. أشير هنا إلى أننى فى عام 2005.. حضرت مؤتمر فى الأردن كان عنوانه نقابيا بحتا.. عن مستقبل النقابات المهنية والعمالية فى العراق.. فى عمان.. وفى أروقة المؤتمر هالنى ما رأيت على مدار 5 أيام.. عدد مذهل من تلك النقابات لكل المهن.. لأشخاص لا علاقة لهم بالمهن التى أسسوا نقابات للاهتمام بها.. إلا أنهم يملكون مفاتيح الحصول على تمويلات لتلك النقابات.. وكان المضحك أن مديرة إحدى نقابات الصحفيين – لأنهم كانو أكثر من 9 نقابات حينها – كانت صاحبة محل “كوافير” لكنها كانت تملك تمويلا ضخما.. تلك النقابات أصدرت فى العراق مئات الصحف الممولة من الخارج.. والتى فتحت الباب على مصراعيه لكل من لا عمل له أن يعمل فى الصحافة.. وخلال بضع سنوات قليلة.. جرت عملية ممنهجة لتدمير الصحافة العراقية.. التى كانت لها مكانة مميزة فيما سبق.. ناهيك عن مئات القنوات الفضائية.. والمحطات الإذاعية.. وكلها كانت مستندة إلى إنفاق غير عادى.. عبر تمويلات مستمرة من جهات عدة أغلبها من الولايات المتحدة!!.. قفزت إلى ذاكرتى تفاصيل ما رأيته فى مؤتمر الأردن.. عندما كنت أتابع بشكل يومى تقريبا الدعوات المريبة لتأسيس نقابات مستقلة.. للعاملين فى الغزل والنسيج, والحديد والصلب, والمهن الطبية, وغيرها من المهن الاستراتيجية.. وكل تلك الدعوات كان يتم الإنفاق على ترويجها ببذخ مريب.. تحت عنوان مطاط عريض هو “الانتقال الديمقراطى فى مصر”!!
عام 2011.. تم ندب قاضى للتحقيق.. وبدأ بمباشرة عمله.. فوجىء وفريقه معه بعدد الكيانات التى تمارس عملا حقوقيا بالمخالفة للقانون رقم 84 لسنة 2002 والذى ينظم عمل منظمات المجتمع المدنى.. دون أن ينطبق عليها.. فأغلبها شركات مدنية لا يجوز أن تمارس العمل الحقوقى.. وبعضها منظمات مدنية غير هادفة للربح فعلا.. لكن مجال عملها وفق إشهارها ليس العمل الحقوقى.. أكدت تحريات الجهات المختصة على تزايد التحويلات والتمويلات الأجنبية لتلك الكيانات, على نحو كبير وملفت خلال شهر فبراير 2011.. بهدف الإضرار بالأمن القومى للبلاد.. كشف التقرير أن حجم واستخدامات المعونات الأمريكية الموجهة لتلك الكيانات – المخالفة للقانون – مذهل حتى للعاملين فى المجال الحقوقى من منظمات مدنية قانونية.. وأن الجهات الأمريكية المانحة لهذه التمويلات هى 6 جهات: مؤسسة “فريدم هاوس”, مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط, الوقف الأمريكى للديمقراطية, هيئة الوقفية الأمريكية, المؤسسة الأمريكية الدولية لأنظمة الانتخابات, منظمة المجتمع المفتوح.. وهنا يجب أن نتوقف قليلا عند هذه المؤسسات.. ولماذا تمولها المعونة الأمريكية رغم أنها قامت فى تلك الفترة بالفعل, بالتمويل المباشر لكيانات مصرية ادعت انها حقوقية؟.. الإجابة ببساطة أن الخمس مؤسسات الأولى, تابعة علنا ومباشرة إما لأجهزة تخابر أمريكية.. أو لوزارة الدفاع الأمريكية.. فهى أذرع مدنية تقوم بأدوار فى مناطق عدة من العالم لصالح الإدارة الأمريكية.. كما أن مجالس أمنائها تضم دائما ضباطا سابقين فى “البناجون” أو CIA.. أو متعاملين مع الجهتين.. أما المؤسسة الأخيرة منظمة “المجتمع المفتوح” فتلك حكاية أخرى سوف نحكيها عن المنظمة وصاحبها “جورج سوروس” الذى أشرنا له فى الحلقة السابقة كداعم لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”!!
بعد أشهر قليلة من بداية لجنة تقصى الحقائق لعملها.. أوردت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرا ذكرت فيه أن السفيرة الأمريكية في مصر – حينها – “آن باترسون” أقرت في شهادتها أمام جلسة الاستماع بلجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ, بمناسبة ترشيحها سفيرة لمصر في 21 يونيو 2011 أن “المعهد الجمهورى الدولى IRI والمعهد الديمقراطى الوطنى NDI تلقوا 40 مليون دولار خلال الأسابيع الماضية تدعيما لدور الولايات المتحدة فى عملية التحول الديمقراطي فى مصر”!! وبالمناسبة.. هذين المعهدين غير مسلجين فى مصر.. كان عملهما مخالفا للقانون المصرى.. أحدهما يتبع الحزب الجمهورى, والآخر يتبع الحزب الديمقراطى.. وهما متورطان فى القضية الشهيرة فى 2011 التى عرفت إعلاميا “قضية التمويل الاجنبى”.. هذين المعهدين كونا شبكة علاقات واسعة فى أوساط من أسموا أنفسهم “نشطاء”.. واستقطبوا عدد كبير منهم لتأسيس شركات مدنية خاصة.. يتلقون التمويل عبرها من المعهدين.. فى فترة اتسمت بالفوضى النسبية.. فبينما كان الشارع يغلى بأحداث وتحركات وكثير من العنف.. كانت تجرى عملية تأسيس تلك الشركات.. لاستقبال ما سيلقى به صنبور التمويلات الذى انفتح على آخره فى تلك الفترة.. بلا رقيب أو حسيب!!
وطبعا.. يضاف إلى كل هذا التمويل المباشر من الهيئة الأمريكية للتنمية الدولية.. والمعروفة مجازا باسم “المعونة الأمريكية”.. للجميع.. وللجميع تعنى تماما للجميع.. كل عابر سبيل يرغب فى تمويل ليرفع لافتة “حقوق الإنسان” كان يحصل عليه.. ما أقوله ليس ادعاء أو كلاما جزافيا أو تهما بلا دليل.. فموقعى السفارة الأمريكية والمعونة الأمريكية فى القاهرة.. حملا بشرى للجميع.. منظمات المجتمع المدنى أى كان تخصصها, والشركات الخاصة, والشركات المدنية, والمراكز أى كان تخصصها بحثية أو إعلامية أو مهنية, المكاتب الخاصة للمحاماة والدعاية والإعلان والمواقع الصحفية.. إلخ.. كلها لديها فرصة الحصول على تمويل للمشاركة فى “عملية التحول الديمقراطى” فى مصر!! وهو عنوان براق ما خفى تحته كان أعظم.. والحقيقة أننى كنت شاهدا شخصيا على تلك الفترة.. فى إبريل 2011.. كنت أدير مركز تدريب صحفى فى موقع الكترونى ناشىء.. كانت فكرة المركز تدريب صحفيى الموقع.. والصحفيين الشباب وخريجى كليات الإعلام.. لم يكن منظمة مجتمع مدنى.. ولا الموقع الصحفى بالضرورة.. وكان التدريب بمقابل وليس عملا تطوعيا.. وفوجئت بأحد الأصدقاء يخبرنى عن موضوع “مهرجان المعونة للجميع”.. ولأنى أعلم تماما عن موضوع التمويلات الأجنبية منذ عام 2005.. وأعرف أنه مخصص للمنظمات غير الهادفة للربح.. وأن الدولة فى تلك الفترة غضت الطرف عن شركات بعينها كانت تتلقى تمويلا بالمخالفة للقانون.. لكن الأمر كان محدودا.. لذا فقد فوجئت بما قال الصديق المحترم.. فبدأت رحلة البحث فى الأمر.. والبحث كان فى المصدر نفسه.. موقعى السفارة والمعونة الأمريكيتين فى القاهرة.. وموقع وزارة الخارجية الأمريكية.. وهالنى أن أجد ما أوردته سابقا.. “الجميع” تعنى “الجميع” من حقهم الحصول على التمويل الأمريكى مباشرة.. ودون العودة للحكومة المصرية.. وبالمخالفة الواضحة والصريحة والمتعمدة للقانون المصرى!!
وفيما بعد عرفت أن أشخاصا أيضا حصلوا بشكل فردى على نصيبهم من تلك التمويلات.. وأن الأموال فى خرق حتى للقانون الأمريكى.. كانت تمنح على حسابات فى الخارج.. ودون الاكتراث بوجود مقرات لهذه الكيانات فى مصر من عدمه.. وأحيانا كانت تمنح سائلة بلا تحويلات أو حسابات بنكية!!..
وفى تقرير لجنة تقصى الحقائق أيضا.. إشارة واضحة لجهات مانحة أخرى, غير الأمريكية.. وهى 3 جهات: المفوضية الأوروبية، مبادرة الشراكة الأورومتوسطية التابعة للاتحاد الاوروبي، الوكالة السويدية للتنمية.. كما أن منظمة “كونراد اديناور شتيفتانج” تلقت تحويلات من ألمانيا بلغت 400.000 يورو، و”المعهد الديمقراطى القومى الدولى” تلقى من امريكا تحويلات تجاوزت المليون دولار، إضافة لتحويلات بأكثر من مليون دولار تلقتها هيئة الاغاثة الكاثوليكية!
وإن كانت كل تلك الجهات أخف وطأة من سابقتها – المعونة الأمريكية – إلا أن ما قامت به لا يقل خطورة عنها.. وكلما كنت أقرأ عما كان يحدث فى الشهور الأولى لعام 2011.. كان يصيبنى الرعب.. ماذا يفعل هؤلاء وأولئك؟!.. أى طعنات توجه فى صدر مصر كتلك التى وجهها أبنائها فى شهور الظلام تلك؟!.. وليتها كانت طعنات فى الصدر فقط.. فقد شهد نفس الشهر.. فبراير 2011.. طعنة أخرى فى الظهر.. بقضية عرفت إعلاميا بـ”تخابر موبينيل”.. أو قضية تخابر “العوجة” الشهيرة.. التى تورط فيها أحد رجال المال.. وسجن فيها بعض موظفى شركته!!
يتبع

التعليقات