كتاب 11

10:53 صباحًا EET

منظمات مجتمع مدنى.. الحلقة الرابعة | حتى سلوفاكيا!! (4)

فى الملف المتخم والخطير.. لخروقات العمل المدنى فى مصر.. والذى لا يحتاج مقدمات منا.. مازلنا مع شهادة وزيرة التخطيط والتعاون الدولى الدكتورة “فايزة أبو النجا”.. والملف الذى قدمته لمسئولى لجنة تقصى الحقائق حول تمويل منظمات المجتمع المدنى.. تقول فى شهادتها: “السيد جيمس بيفير مدير بعثة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية فى القاهرة فى لقاء مع المسئولين فى وزارة التعاون الدولى يوم 3 مايو 2011 أعلن اعتزام بعثة الوكالة الأمريكية فى القاهرة المضى قدما فى تخصيص مبلغ 150 مليون دولار لمنظمات المجتمع المدنى وبرامج الديمقراطية رغم رفض الحكومة المصرية لذلك.. وأن الوكالة غير مسئولة عن عدم تسجيل وزارة التضامن الاجتماعى للمنظمات الممولة من الوكالة الأمريكية.. وأن مسئولية التأكد من التسجيل من عدمه هى مسئولية الحكومة المصرية.. وأضاف أن الوكالة تتأكد فقط من اجتياز هذه المنظمات للشروط الأمنية الأمريكية”.. قبل أن نتناول فجاجة التصريحات الأمريكية لمسئولين مصريين.. نقف فقط عند مخالفة كل ما قال مدير والوكالة الأمريكية لاتفاقية فيينا التى تنظم العلاقات الدبلوماسية الدولية وتلزم السفارات والبعثات الأجنبية ومن يعملون بها على احترام قوانين الدول المضيفة.. كما أنه يخرق أيضا اتفاقية 1978 الخاصة ببرنامج المساعدات الأمريكية الاقتصادية لمصر والتى اندرج تحتها – فيما بعد – تمويل منظمات المجتمع المدنى.. والذى كان يتم عبر وزارة التعاون الدولى وتحت اشرافها ومتابعة وزارة التضامن الاجتماعى..
نعود لتصريحات مدير بعثة الوكالة الأمريكية.. لقاء الرجل بالمسئولين المصريين تم بعد ثلاثة أشهر من بدء توزيع المنح فعليا على “الجميع”.. منظمات مسجلة وغير مسجلة, شركات مدنية خاصة, مراكز أبحاث ودراسات, مواقع إلكترونية وصحف خاصة, من أسموهم نشطاء أو مدعين عمل نقابى, وأشخاص آخرين.. واللقاء تم بعد رفض الحكومة المصرية هذا الخرق للسيادة والقانون المصرى.. والتدخل السافر فى الوضع السياسى تحت زعم دفع العملية الديمقراطية.. ورغم سيولة الوضع وارتباكه وخطورته وقتها.. فقد بدأ تحرك الحكومة المصرية فورا بتشكيل لجنة تقصى الحقائق..
تصريحات الرجل حملت ثلاثة نقاط يجب التوقف عندها.. أولها تصميم الإدارة الأمريكية على خرق القانون بمنح هذا التمويل بعيدا عن الحكومة, بل والتصريح بذلك وجها لوجه أمام مسئولين مصريين.. فى استغلال فادح على الطريقة الأمريكية لارتباك الأوضاع فى مصر حينها.. وثانيها عدم مسئولية الوكالة عن تسجيل المنظمات المصرية بشكل قانونى من عدمه بمعنى أننا سنمنح من ينتمون لنا الأموال.. وعليكم أنتم أن تقومون بتسجيلهم.. وثالثها اهتمام الوكالة فقط باجتياز المنظمات المصرية للشروط الأمنية الأمريكية وليذهب القانون المصرى إلى الجحيم!!.. والثلاث نقاط ترفع بوضوح القناع حول الوجه الأمريكى الحقيقى “اليانكى”.. وتعلن فى وجه الحكومة المصرية – فى لحظة صعبة – أنا نحن هنا.. المستعمرون القدامى الجدد.. أنا نحن هنا.. من يعلن.. ويقرر.. ويرسم خط سير الأوضاع.. ابتلع المسئولون المصريون الإهانة.. واحتفظوا بها فى جوفهم ليوم معلوم.. وهنا وجبت الإشارة إلى حكمة من أدار تلك المرحلة المظلمة فى تاريخ مصر.. المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية.. وعلى رأسه المشير “محمد حسين طنطاوى”.
ضم الملف المتخم الذى قدمته وزيرة التعاون الدولى الدكتورة “فايزة أبو النجا”.. وثائق عديدة.. منها برقيات وردت من بعض السفراء المصريين فى سفاراتنا فى عدة دول منها: “براتسلافا”, عاصمة سلوفاكيا و”واشنطن” العاصمة الأمريكية.. سجلت معلومات مهمة وخطيرة حول تحركات للسناتور الجمهورى الأمريكى الذى رحل عن العالم مؤخرا “جون ماكين” فى مصر.. عبر مكتبه فى القاهرة كرئيس للمعهد الجمهورى الدولى IRI.. وهو كما أسلفنا عمل فى مصر بلا ترخيص أو تصريح.. وبدأ “خطة انتشار” كما أطلقوا عليها.. فغزل شبكة علاقات واسعة فى عدد من المحافظات المصرية مع كثير من الجمعيات الأهلية والمراكز.. معظمها غير مسجل رسميا ولا يعمل بشكل قانونى.. وكثير منها أعلن عن نفسه بعد 25 يناير 2011.. أكثر المدن التى نشط عمله فيها وأهمها: القاهرة والإسكندرية.. وبسرعة تم تأسيس فرع لهذا المعهد فى مصر.. أطلقوا عليه “الأكاديمية الديمقراطية المصرى” أو “المعهد الديمقراطى المصرى”.. Egyptian Democratic Academy.. (EDA).. ففى اوراقه ومطبوعاته ومكاتباته كان يستخدم ذلك الاسم “المعهد الديمقراطى المصرى”!!
وبدورها وبطريقة “الخلايا العنقودية” بدأت تلك الأكاديمية تأسيس أفرع لها فى الكثير من المحافظات, لاسيما فى الوجه البحرى والدلتا.. وبدأت بسرعة نشاطها بورش العمل والدورات التدريبية.. رأس مجلس إدارة تلك الأكاديمية المهندس “حسام الدين على”.. عملت معه بنشاط منقطع النظير “إسراء عبد الفتاح” العضوة السابقة فى حزب “الغد” لصاحبه “أيمن نور”.. وإحدى من أطلقوا عليهم اللفظ المعيب المريب “نشطاء”.. والتى “استكتبوها” مقالات فى إحدى الصحف الخاصة فيما بعد.. لتحصل على لقب آخر لا تستحقه.. ويستحق من منحها هذا اللقب حساب عسير.. “الكاتبة الصحفية” إسراء عبد الفتاح.. الإشارة لها هنا واجبة.. حتى يعلم الجميع لماذا تم منعها من السفر.. ولماذا تم استدعاؤها مرات للتحقيق.. وقد حاولت مرات – فى لعبة مكشوفة – التوجه لمطار القاهرة للسفر والاختبار وتم منعها.. فكتبت ونددت مرارا بإجراءات القمع التى تواجهها.. وأنها تحت التحفظ القسرى فى مصر.. وأنها ينكل بها لأنها معارضة.. وعلى نفس اللحن الذى عزفته.. أكمل “كونشرتو النشطاء”.. ووكلائهم فى الخارج التنديد بحبس “الكاتبة الصحفية الناشطة الحقوقية المعارضة” داخل مصر.. وبمرو الوقت.. بهت اللحن.. ووجد “الكورس” نفسه يعزف فى الخلاء.. واصطدم وكلاء الخارج بالردود الحاسمة السريعة فى كل مرة من الدولة المصرية ممثلة فى “وزارة الخارجية”.. بالإضافة إلى جبهة شعبية عريضة تشكلت ببطء.. تقف حائط صد على مواقع التواصل الاجتماعى.. لأى محاولة للتدخل لصالح هؤلاء أو أولئك.. وبات الجميع هنا وهناك يعرف أن ملف المنظمات المتخم الذى جرى فتحه عام 2011.. لم يغلق بعد.. وابتلعوا صدمتهم فى انتظار كيف ستم غلقه!!
نفس البرقيات التى وردت من السفارات المصرية فى الخارج.. أوردت أن مؤسسة تسمى Pontis وهى منظمة “سلوفاكية” غير حكومية.. تعمل فى “سلوفاكيا” على الفئات الأكثر عرضة للخطر.. لها علاقة وثيقة بالمعهد الديمقراطى الأمريكى.. وفى تلك الفترة.. خص السفير الأمريكى فى “سلوفاكيا” تلك المنظمة بتنفيذ مشروعات كبيرة فى جمهورية مصر العربية فى مجال التحول الديمقراطى.. عبر تمويل ضخم تقدمه الولايات المتحدة لتلك المنظمة!!
على الفور بدأت المنظمة السلوفاكية التنفيذ.. فأجرت اتصالات متتالية بمن يسموا “نشطاء” مصريين ومنظمات أهلية مصرية.. معظمها لا تملك ترخيص أو تصريح بالعمل.. وكثير منها أعلن عن نفسه سريعا فى 2011.. ومن أوائل الوفود التى سافرت لتلقى تدريب تلك المنظمة فى “سلوفاكيا”.. فى يوليو 2011.. كانوا العاملين فى “الأكاديمية الديمقراطية المصرية”.. و”شريف غنيم” المدير التنفيذى لـ”المركز المصرى لدعم للمنظمات الأهلية”.. و”ريهام عفيفى” رئيسة جمعية “مصرية حرة”.. غطت سفارة “سلوفاكيا” فى القاهرة تمويل السفر والانتقال والإقامة!!.. لن أقول الكثير عما دار فى حلقات النقاش.. وورش العمل هناك فى سلوفاكيا.. سأكتفى فقط بتصريحات “شريف غنيم” نفسه.. الذى عبر عن قناعته التامة بضرورة الحد من نفوذ المؤسسة العسكرية فى مصر.. وإبعادها عن الحياة السياسية.. وأعرب عن أهمية التمويل الضخم للمنظمات غير الحكومية فى مصر فى شتى المجالات.. لكى تصبح قوة قادرة على مواجهة باقى السلطات فى مصر!!
وهنا تقتضى الأمانة الإشارة إلى الدور المهم الذى لعبه الراحل الدكتور “عبد العزيز حجازى” رئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية فى مصر.. بمحاولة “فرملة” سيل الأموال الذى تدفق من المعونة الأمريكية بلا ضابط أو رابط.. ففى شهر اغسطس من عام 2011.. وبدبلوماسية تحكم منصبه.. تواصل مع السفيرة الأمريكية فى القاهرة “آن باترسون” واتفقا على تنظيم عملية التمويل الأمريكى للمجتمع المدنى، لتتناسب مع أولويات مصر، وقال إنه “سيتم إسناد مهمة توزيع التمويل على الجمعيات لوزارة الدولة للتعاون الدولى، بالتعاون مع الاتحاد العام للجمعيات الأهلية، لضمان وصول التمويل للجهات المستحقة.. وأن المعونة الأمريكية رغم حجم تمويلها الكبير، إلا أنها تخدم عددا قليلا من الجمعيات، وفي تخصصات محددة، وفقا لأولويات الدولة المانحة وليس أولويات الدولة متلقية التمويل”
ليعود “شريف غنيم” مرة أخرى، وبعد أقل من شهر من عودته من “سلوفاكيا”, ويرفض ما تم الاتفاق عليه، لأنه – حسب وصفه – “يفتح بابا جديدا للفساد والرشاوي والتحكم في توزيع أموال التمويل، لأن موظفين سيتولون المهمة، وطالب بإسناد الأمر للمتخصصين فى المنظمات”!!
وفى نفس الشهر.. أغسطس 2011.. أخطرت وزارة الخارجية المصرية, وزارة التعاون الدولى بإقرار لجنة المشروعات بوزارة الخارجية السلوفاكية مشروعين لدعم التحول الديمقراطى فى مصر.. بالتعاون مع منظمات مجتمع مدنى محلية.. هنا أبلغت الدكتورة “فايزة أبو النجا” سفير “سلوفاكيا” فى القاهرة.. الموقف الرسمى للحكومة المصرية بالاعتراض على هذا التمويل الحكومى الذى أقرته وزارة الخارجية السلوفاكية.. من مخصصات مساعدات التنمية الرسمية والذى يوجب عليها اتباع المسار الشرعى والرسمى بالاتصال بالحكومة المصرية.. وهو ما لم يحدث.. ومن ثم فقد تم إبلاغ السفارة رسميا بأن الأمر غير مقبول!!
إذا أضفنا لكل ذلك.. معلومات فى برقيات دبلوماسية متتالية من دولة “سلوفاكيا”.. تؤكد نشاط حكومى وأهلى للمشاركة فى التحول الديمقراطى فى مصر.. بتنفيذ مشروعين بتمويل حكومى تحت بند “التحديات السياسية الطارئة”.. الممول من حساب الاعتمادات الخاصة بالمساعدات التنموية.. يتم تنفيذ المشروعين من خلال منظمات أهلية سلوفاكية بالتعاون مع منظمات أهلية مصرية برعاية حكومية سلوفاكية..
المشروع الأول: تنفذه منظمة Pontis السلوفاكية.. التى تترأسها زوجة مدير مكتب المعهد الجمهورى الأمريكى IRI فى أوروبا!!.. وينفذ فى محافظة أسيوط بالتعاون مع “المركز المصرى لدعم المنظمات الأهلية” وبتمويل قدره 50 ألف يورو.. لتدريب الجمعيات الأهلية على الحشد والتواصل!!
المشروع الثانى: تنفذه منظمة Opchtiansy Oko السلوفاكية.. بالتعاون مع “المنظمة المصرية لحقوق الإنسان”.. بتمويل قدره 40 ألف يورو.. لتدريب منظمات المجتمع المدنى على مراقبة الانتخابات المقبلة, إعداد كتيبات إرشادية للمراقبين, وإعداد تقارير للمراقبة.
وعلى نفس النهج سارت “بولندا” و”التشيك” و”المجر”.. عبر أذرعها من منظمات المجتمع المدنى المحلية الممولة من امريكا وبمعرفة حكوماتها.. ولعل هذا يشى بأن تلك الدول التى تحركت للتدخل السياسى فى مصر.. هى دول ساهمت الولايات المتحدة الأمريكية سابقا.. فى التدخل فى بعضها سياسيا بتغيير أنظمتها.. عبر ما سمى وقتها “الثورات الملونة”.. لتصبح مجتمعة أذرع للجهات المانحة وأهمها “المعونة الأمريكية”.. تكلف بمهام فى مناطق شتى من العالم.. لا سيما فى منطقة الشرق الأوسط.. وتصبح أراضيها حديقة خلفية للمتنفذين فى واشنطن.. تحتضن مؤتمرات وفعاليات وتدريب لممتهنى مهنة “الناشط”.. وتنفذ فيها كل ترتيبات الولايات المتحدة للمنطقة!!

يتبع

التعليقات