تحقيقات

01:56 مساءً EET

تركيا تستعرض عضلاتها المزيفة!

عند المرور من مضيق البوسفور الذي يفصل أوروبا عن آسيا في العام الماضي، وجه أسطول تركي التحية إلى قبر القائد البحري والقرصان التركي بربروس في القرن السادس عشر، بما يحيي تقليداً من أيام سيطرة الإمبراطورية العثمانية على البحر المتوسط.

ولم يتوقف كثيرون خارج تركيا عند هذه الواقعة التي حيا فيها البحارة الأتراك العائدون من أكبر تدريب للقوات البحرية التركية، ولكنها تحمل الكثير من الرمزية، حسب وكالة بلومبرغ للأنباء، التي تقول إنه “في حين تعيد تركيا بناء قدراتها البحرية وتتنافس على المناطق البحرية المتنازع عليها فإنها تخوض صراعاً من خصومها التاريخيين في الغرب”.

ويتركز الاهتمام الدولي على السباق للسيطرة على احتياطات الغاز الضخمة تحت مياه شرق البحر المتوسط، والذي دفع ليس فقط تركيا، وإنما أيضاً قبرص، ومصر، واليونانن وإسرائيل إلى إعلان حقوقها في أكثر بحار العالم ازدحاماً، ومع ذلك فإن جذور الصراع والتوتر أكثر عمقاً.

ويعكس نمو القوة البحرية التركية التي ترفضها الدول الأخرى المجاورة، مدى طموح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتأكيد مصالح بلاده، وخاصة الظهور قوة إقليمية مسلمة تقف على قدم المساواة مع أوروبا، وروسيا، والولايات المتحدة.

مدعوماً بالسفن والغواصات الحربية محلية الصنع، استطاع أردوغان نشر قواته خارج بلاده بنجاح أثار قلق الدول الساحلية الأخرى، حسب وكالة بلومبرغ التي أشارت إلى استعداد الصناعات العسكرية التركية لتدشين فرقاطات أكبر حجماً ،وحاملة طائرات تزن 27 ألف طن في العام المقبل.

ويقول ريان جينجراس الأستاذ في قسم شؤون الأمن القومي في مدرسة البحرية للدراسات العليا في كاليفورنيا والمتخصص في الشأن التركي: “ليس بعيداً جداً عن السطح، توجد مجموعة من الدوافع وراء هذه التحركات، وأبرزها فكرة أن تركيا هي أكبر قوة في شرق البحر المتوسط، ويجب معاملتها على هذا الأساس.. تركيا ترى نفسها محاطة بالخصوم والأعداء، وأنها ستستخدم القوة لتاكيد وجودها لأنها قادرة على ذلك”.

يمثل ازدهار صناعة السفن الحربية التركية جزءاً من توسع أكبر لصناعة السلاح التركية من السفن الحربية، إلى المروحيات الهجومية، والطائرات العسكرية دون طيار، بهدف تحقيق ما يسمى “الاستقلال الاستراتيجي” عن الدول الغربية الموردة للسلاح، والتي أصبحت تركيا تنظر إليها باعتبارها معادية أكثر من أنها دولة شريكة.

وحدد أردوغان 2023 الذي يوافق ذكرى مرور 100 عام على قيام الجمهورية التركية تاريخاً لتحقيق الاستفلال اللكامل في مجال السلاح، وهو ما يبدو أمراً بعيد عن الواقع.

ومما يعزز الشكوك في تحقيق هذا الهدف تعثر الاقتصاد التركي البالغ حجمه 750 مليار دولار، خاصة مع تصاعد التوتر مع الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الرئيسي لتركيا، الذي يهدد بمعاقبتها بسبب أنشطتها في المنطقة.

والآن تنفذ السفن التركية بشكل منتظم عمليات المسح الزلزالي للبحث عن الغاز في المياه الخاضعة لسيادة اليونان وقبرص.

وفي الشهر الماضي حدث احتكاك بين سفينتين حربيتين يونانية وتركية ليصل التوتر بين البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي “ناتو” إلى أعلى مستوياته منذ 1996، بسبب النزاع بين الجانبين على السيادة على جزر غير مأهولة، في بحر إيجة.

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في خطاب يوم 26 أغسطس (آب) الماضي، بمناسبة ذكرى أول انتصار للأسطول السلوجوقي التركي على الإمبراطورية البيزنطية في معركة مانزكريت في 1071، إن “تركيا ستحصل على نصيبها العادل من البحر المتوسط وبحر ايجة والبحر الأسود.. وإذا قلنا إننا سنفعل شيئاً، فإننا سنفعله، وسندفع الثمن”.

وحتى الآن لم يتضح إلى أي مدى يمكن التعامل مع عدوانية أردوغان بجدية. وفي مقابلة مع وكالة بلومبرغ قال إبراهيم قالن المتحدث باسم أدروغان ومستشاره، إن “تركيا تسهدف للضغط على شركائها في البحر المتوسط ليضعوا المصالح التركية في حسابهم، ويتفاوضوا مع تركيا بعد سنوات طوبلة من تجاهلها”.

وتقول اليونان إنه يجب وضع الجزر في الاعتبار عند حساب الجرف القاري للدولة صاحبة الجزيرة في شرق المتوسط، وفقا لمعاهدة الأمم المتحدة للبحار، والتي لم توقعها تركيا.

في المقابل تقول الأخيرة، إن “حساب الجرف القاري يجب أن يبدأ من البر الرئيسي للدولة”.

ورغم عرض كل دولة منهما إجراء محادثات بينهما، فمن غير المتوقع حصول ذلك قريباً.

ورغم أن استعراض تركيا لقوتها في المنطقة جذب الاهتمام الدولي إليها، فإنه ترك شعبها البالغ تعداده 83 مليون نسمة في شبه عزلة دولية.

وفي الأسبوع الماضي أعربت البحرية التركية عن قلقها من اعتزام روسيا إجراء مناورة بحرية بالذخيرة الحية في البحر المتوسط في وقت لاحق من الشهر الجاري، وقررت الولايات المتحدة رفع الحظر المفروض منذ عقود على تصدير السلاح إلى قبرص.

وفي خطوة لاستعراض القوة نشرت فرنسا مقاتلاتها الحديثة من طراز رافال في إحدى القواعد الجوية بقبرص.

ورغم ذلك يرى هوغو ديسيس الباحث المتخصص في الشؤون البحرية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، أن أيا من هذه التطورات لن تجعل الحرب بين أنقرة وأثنيا حتمية، ولا حتى محتملة، لكن المخاطر المتصاعدة تتزايد.

ويقول ديسيس: “ما يجب أن يثير قلقنا حقاً هو تطوير تركيا آلية الأمر الواقع على غرار ما تفعله الصين” في إشارة إلى محاولة الصين فرض سيادتها، بحكم الأمر الواقع في بحر الصين الجنوبي.

التعليقات