كتاب 11

12:43 مساءً EET

هل بإمكان النظام القطري الحالي التخلي عن المشاكل؟

هل بيد النظام القطري الحالي ان ينهي أزمته مع دول المقاطعة وجيرانهم في الخليج العربي؟ أو أن إثارة الخلافات والمشاكل هو دورهم الرئيس الذي أتى بهم للحكم في قطر وهو الدور المطلوب منهم القيام به باستمرار كشرط أساسي لتمكينهم من حكم قطر بدل حكامها الشرعيين من آل خليفة؟

أحيلكم لفقرة خطيرة ومهمة للغاية من كتاب «سبزآباد ورجال الدولة البهية» للشيخة مي بنت محمد، تستند فيه إلى وثائق ومراسلات واتفاقيات رسمية تؤكد بالدليل القاطع أحقية حكم آل خليفة التاريخية لقطر، ومن خلال هذه الفقرة ممكن ان نستنتج أمورا خطيرة ونربط بينها وبين أحداث اليوم.

تقول الشيخ مي في الصفحة 350 من الكتاب المذكور: «أما في البداية فقد كانت بريطانيا تعترف وثائقيًا بتبعية الساحل القطري لحكام البحرين، وكان أولئك الحكام يوقعون الاتفاقيات مع بريطانيا ممثلين عن المنطقتين، إلى أن جاءت محادثات الإنجليز مع شيوخ آل ثاني، وجعلت من قطر كيانًا أرادت بريطانيا ادخاله ضمن منظومة المحميات البريطانية في الخليج، ومن أجل ذلك حاولت بكل الوسائل منع الشيخ عيسى بن علي من الحصول على موطئ قدم أو مركز أو حتى ممثل له في الزبارة أو بقية الساحل، وكانت تلك المخططات الانجليزية بداية انفصام الوضع السابق ومعه تشكل كيان جديد مستقل اسميًا عن البحرين وتابع لدائرة المحميات البريطانية!» انتهى الاقتباس.

هذه الحقائق التاريخية تدفعنا للتساؤل وربط الأمور بين ما يجري اليوم وما كان يحدث منذ تمكين الإنجليز لآل ثاني من حكم قطر من خلال الاتفاقية الموقعة ما بين بريطانيا وحكام ساحل الخليج العربي، والتي اقحم اسم الشيخ محمد آل ثاني عام 1868 بينهم آنذاك كأحد الحكام لأول مرة، حيث اعتبر النظام القطري هذه الوثيقة اول اعتراف لهم بحكم قطر. وكان ذلك على أساس أن يحكموا الدوحة والقبائل المقيمة فيها، ولكن يذكر التاريخ كيف انهم استغلوا الظروف في العام 1937م وهجموا على الزبارة وهجروا أهلها واستولوا على أملاكهم وطمسوا معالمها وآثارها من غير مراعاة للأعراف الدولية ولآل خليفة حكام الزبارة الذين بنوا هذه المدينة وجعلوا منها احدى اهم وانجح حواضر الخليج العربي ووجهة للعديد من التجار والعلماء بسبب سياستهم المنفتحة والمشجعة للتجارة.

ولا يمكن لأي باحث جاد إلا أن يقف طويلاً امام حقيقة دامغة، هي مدى ترابط وتفاهم كل الأسر الحاكمة في الخليج وتقديمهم للمصالح المشتركة ووحدة المصير على الخلافات البينية القائمة بينهم، والتي كانت ومازالت خلافات اما تاريخية او سيادية تتعلق بالحدود مثلا، لكنهم دائمًا وجدوا طريقة مناسبة للتعامل معها واحتوائها، ما عدا خلافات حكام قطر مع جميع جيرانهم، فتلك قصة مختلفة.

كان حكام قطر يفتعلون المشاكل ويعرقلون أية حلول ممكنة لتجاوزها، كانوا يثيرون الخلافات في جميع الأوقات وحتى عندما يتعرض الخليج لتهديد حقيقي مثل غزو صدام حسين للكويت، لم يترددوا عن إثارة وتقديم مشكلة قطر الحدودية مع البحرين على جزر حوار كأولوية تفوق الإجماع الخليجي على مساعدة الكويت في محنتها.

إثارة واختلاق مشاكل حدودية مع المملكة العربية السعودية والتصعيد المستمر وغير المبرر ضدها قديما وحديثا والابتزاز الاعلامي والسياسي الذي تمارسه باستمرار، واستغلالها للشؤون الداخلية لإثارة الاضطرابات وزعزعة الاستقرار، مشاكلهم مع حكام الإمارات وتدخلاتهم في الكويت، حتى سلطنة عمان لم تسلم كذلك اعتدائهم العسكري على جزر فشت الديبل البحرينية في العام 1986 عندما حاولت دول مجلس التعاون توظيف موقع الجزر المهم لإنشاء مرصد يراقب حركة الملاحة البحرية تحسبًا لأي تصعيد إيراني محتمل في أثناء الحرب العراقية – الإيرانية.

فلا يعقل ان يكون هذا التوجه المستمر فقط بسبب شخصية احد حكامهم السابقين او انه غير مرتبط بأطماع شخص منهم أو أوهامه، إنما قد يكون دور أساسي مطلوب منهم القيام به وبقائهم كشوكة تمنع اي تطور إيجابي وأي خطوات تزيد من قوة وترابط دول مجلس التعاون الخليجي، فيقومون باختلاق المشاكل او تقليب خلافات قديمة وإعادة تدويرها!

أليس هذا ما تفعله قناة الجزيرة اليوم؟ ألم يعطي الملك عبدالله -رحمه الله- مخرجًا لتميم بن حمد لكي يبتعد عن هذه السياسة الصدامية والمدمرة وحثه على الاندماج الحقيقي مع بقية دول مجلس التعاون، والعمل معهم على تقويتها كدول تسعى للخير والوقوف كرجل واحد ضد من لا يريد إلا الشر لنا؟ ألم يعطه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان فرصة اخيرة لأن يوازي بين سياسة قطر وسياسة بقية دول مجلس التعاون بالابتعاد عن المشاكل وتهديد امن واستقرار دول المنطقة وحلفائهم؟ فلم يلتزم تميم بن حمد بتعهده وآثر الاستمرار على النهج القديم الذي لا يتسق مع توجهات اهل قطر الأصيلين، والذين يؤلمهم ما يؤلمنا! وحتى الأصوات الشريفة من آل ثاني وغيرهم من الأسر والعوائل القطرية الكريمة والتي تسعى لوضع قطر في موقعها الصحيح داخل البيت الخليجي وبين أهلهم يتم التعتيم عليها، فلا نسمع إلا أصوات المشاكل والفتن.

القائمة طويلة ولا يتسع المجال لسردها في مقال واحد، ولكن كل ذلك يدفعنا لطرح السؤال الأهم، هل يملك حكام قطر الحاليين امرهم بيدهم؟ هل يستطيعون ان يترجموا توجهات ومطالب اهل قطر بالوحدة الخليجية البناءة، أم أن هذا التوجه يعني إلغاء الشرط الذي قد يكون أتى بهم للحكم؟

نذكر ذلك للأمانة التاريخية ولكي نكون اكثر واقعية في خياراتنا المتاحة عند التعاطي مع أزمة قطر، إن كان الهدف هو إيجاد حل جذري يمنع تكرار اختلاق الأزمات والمشاكل المهددة للسلم والأمن الإقليمي.

التعليقات