كتاب 11

10:29 صباحًا EET

أوباما «والمصالحة» الخليجية

عندما كان أوباما يسعى بكل عزيمة لتوقيع اتفاق نووي مع إيران فقد البوصلة وركز على الأداة لا على الهدف، فالهدف كان منع إيران من استمرار تشكيلها تهديدا للسلام العالمي بما في ذلك منعها من الحصول على قنبلة نووية، وإحدى الأدوات لتحقيق ذلك كانت الحصول على اتفاق نووي يسمح لإيران بالعودة للمجتمع الدولي مقابل «تأخيرها» برنامجها النووي والسماح للمفتشين الدوليين بإجراء زيارات تفقدية بالتنسيق مع النظام الإيراني.

لذلك تغاضى أوباما عن سلوك إيران المهدد للسلم الإقليمي والدولي، تغاضى عما تفعله إيران في اليمن وفي العراق وفي سوريا ومحاولاتها لإثارة الفوضى ورعاية الارهاب في البحرين والكويت، وحتى في أوروبا وأمريكا من محاولات اغتيال دبلوماسيين أو معارضين لنظامها، تغاضى عن اعتدائها على سفارات اجنبية في طهران، تغاضى عن دعم ثورة شعبية إيرانية ضد النظام الإيراني الذي قمعها بشكل وحشي يتعارض مع كل مبادئ حقوق الإنسان التي استخدمتها إدارة أوباما لدعم ما سمي بالربيع العربي.

تغاضى أوباما عن خطوطه الحمراء في سوريا عندما قصف بشار الاسد المدعوم من إيران الشعب السوري بالكيماوي من أجل الاتفاق مع إيران، تغاضى عن إهانة وإذلال النظام الإيراني لجنود البحرية الامريكية وتصويرهم في وضعية مهينة لم نقبل نحن ان نراها تحصل لاحد اهم حلفائنا لكن أوباما قبلها من اجل عدم التأثير على المفاوضات للحصول على الاتفاق، والقائمة تطول عند ذكر كل ما تغاضى أوباما عنه من امور كان الاتفاق النووي أحد الأدوات التي تهدف لمنع حدوثها!

فعندما ركز أوباما على الوسيلة والأداة فقد التركيز عن الغاية والهدف، وانتهى به المطاف للحصول على اتفاق نووي سيئ لا يحقق الأهداف التي وجد بسببها.

كذلك الحال عندما نركز على «المصالحة» الخليجية كما يحلو للبعض تسميتها ونفقد التركيز عن الهدف الذي بسببه حصلت مقاطعة النظام القطري. فالهدف ليس إنهاء المقاطعة، إنما إنهاء أسبابها، وما لم تنتفِ الأسباب وتوضع الضمانات لمنع حدوث أسبابها لن تتحقق الغايات ولن تختفي أسباب المقاطعة، وهي أمور تمس أمن واستقرار المنطقة وشعوبها، وتمس حقوقهم وسيادتهم بشكل مباشر لأنها تعمل على الإضرار بمصالح شعوب ودول الخليج العربية.

إننا في البحرين حريصون كل الحرص على ان تعود قطر وشعبها الذي هو منا وفينا لحضنهم الخليجي، ولذلك نحن متمسكون وحريصون على إزالة أسباب المقاطعة، لا أن ننشغل بالحديث عن الحصول على أداة أو وسيلة لا يمكن أن تصلح من غير ضمانات كافية لإزالة أسباب المقاطعة. إنما في الواقع ممكن لهذه الوسيلة أن تسبّب لنا أضرارًا أكبر من قدرة الكثيرين لمعالجتها لاحقًا، لعدم وجود ضمانات كافية عندما يفتح الباب لاستخدام هذه الأداة، دون وضع آلية واضحة وحاسمة لمنع تكرار الإضرار ولضمان تقديم معالجة أسباب المقاطعة.

وبرغم ذلك، فنحن نعتز بالجهود التي تقوم بها الكويت الشقيقة لمحاولة إصلاح الوضع الراهن، إنما لا بد لنا من التركيز على أن أي معالجة لا بد أن تأخذ بالحسبان مبادئ أساسية، منها أولا التأكيد على أن هناك متضررًا وهناك من تسبّب بالضرر ولا يمكن المساواة بينهما، فيجب أن يُقال للطرف الذي تسبّب بالضرر ان يزيل الضرر وأسبابه لكي يتم إصلاح الوضع الراهن. وثانيا يجب أن تكون هناك خطة موضوعة واضحة وبفترة زمنية محددة، توضح الخطوات التي ستتبع في كل مرحلة الى أن نصل إلى إصلاح الوضع، وغير ذلك سيطيل وسيعمّق الإشكاليات.

وللتوضيح، ذكرت مصطلح «المقاطعة» لا مصطلح «الخلاف»؛ لأننا يجب أن نسمي الأسماء بأسمائها الصحيحة لكي نحصل على الحلول الأصلح، لا أن نضيع البوصلة بسبب أسماء مضللة. فهناك مقاطعة بسبب سلوك محدد وأضرار محددة، ولا يوجد خلاف بين طرفين يجب الصلح بينهما. وهذا أيضًا يأخذنا للمصطلح الآخر وهو «المصالحة»، فنحن نسعى إلى حل أسباب المقاطعة والحصول على ضمانات كافية لحماية مصالحنا واستقرارنا، وتعزيز ترابط وتقدم المنظومة الخليجية كشعوب وقيادات ومؤسسات، لذلك يصبح مصطلح «مصالحة خليجية» مصطلحًا غير دقيق وأيضا يبعد الطرف المصري العربي الذي لا يمكن ان نتغاضى عن مصالحه؛ لأنه جزء منا ومصيرنا ومصالحنا مشتركة معه.

لذلك، استخدام المنهج الأوبامي لمعالجة أسباب المقاطعة وإزالتها سيقودنا حتمًا إلى أن نفقد البوصلة وأن نركز على الحصول على الأداة، لا تحقيق الهدف.

التعليقات