كتاب 11

02:55 مساءً EET

في حب القراءة!

لعل أجمل وأبلغ وأشمل ما قيل في وصف مهمة القراءة في حياة البشر، هو العنوان الرائع لأحد كتب المؤلف البغدادي أبو حيان التوحيدي، الذي يعد من أعلام القرن الرابع الهجري، والذي يقول «الإمتاع والمؤانسة».
وفي العصر الحالي الذي نعيش فيه، والذي تهيمن عليه وسائل التقنية الحديثة بشكل لا يمكن إغفاله ولا التقليل منه، هناك كسر وتحطيم عظيم لحدود وسدود كانت دوماً ما تقف عائقاً في طريق الحصول على المعلومة، وبالتالي تكوين المعرفة التراكمية التي ينشدها الفضول الطبيعي للإنسان. وعليه يصبح الجهل في هذا الزمن اختياراً شخصياً وليس أمراً واقعاً خارجاً عن الإرادة. القراءة لم تمت… هذه هي خلاصة الموقف عنها اليوم، وذلك رغم النعي ومراسم العزاء والدفن والتأبين التي أقيمت بحقها بشكل هستيري واستباقي، ولكن هناك صعوداً ملحوظاً لوسائل غير ورقية «للقراءة» من خلالها. فالوسائط الرقمية على الألواح الذكية المحمولة أو الهواتف الجوالة باتت خياراً أساسياً للقراءة بها، أيضاً هناك وسيلة جديدة للحصول على الكتاب عن طريق الاستماع إليه، وهي ما يطلق عليها وسيلة الكتاب المسموع، وبذلك يتم إعادة تعريف لفكرة القراءة نفسها من الأساس. فلا تزال الكتب تحظى بوصف الأكثر مبيعاً لبعض المؤلفين أصحاب الجماهيرية العريضة العابرة للقارات. فأي كتاب لجون غريشام الروائي الأميركي المتخصص في مجال الإثارة القانونية يبدو أمراً مفروغاً منه أن كتابه سيكون منتشراً ويحقق أرقاماً كبيرة في المبيعات، والشيء نفسه من الممكن قوله بحق مالكوم غلادويل الكاتب والمفكر المتنوع، أو بحق المفكر والروائي الفرنسي ذي الأصول اللبنانية أمين معلوف، أو الروائي المصري الشاب المتخصص في الروايات المرعبة أحمد مراد. هؤلاء مجرد أمثلة عن أن الناس لا تزال تقرأ بشكل عام، وإن اختلفت طرق القراءة وأساليبها.
واليوم نفس التحذير والإنذار والنعي والتأبين يجري تداوله وتكراره بخصوص الصحافة اليومية وقرب موتها، إلا أن الصحف اليوم تعيد تعريف هويتها، فهي تتحول بالتدريج من وسيلة إخبارية تطبع على الورق إلى منصة إخبارية متعددة المهام وعلى وسائل مختلفة، إلا أن للصحف نجومها الذين يعتبرون وسيلة جذب استثنائي وحصري للصحيفة لا ينافسهم فيها أحد على عكس الأخبار التقليدية التي تعتبر ساحة المنافسة فيها مفتوحة بلا حد ولا مدى.
ونجوم الصحف المعنيون هنا هم كتاب الرأي الذين يمثلون الثراء والتنوع الحقيقي للجريدة، ويقدمون أقرب تصور دقيق لمعنى حرية الرأي والكلمة واحترام تعدد الآراء واختلاف وجهات النظر في الوقت ذاته.
فقيمة صحيفة «نيويورك تايمز» مثلاً تؤخذ في عين الاعتبار إذا ما أضيف إليها أهمية الكاتب توماس فريدمان وكتاباته عن السياسة والاقتصاد، أو الكاتب المهم جداً ديفيد بروكس المتخصص في السلوك الإنساني، أو الكاتب الاقتصادي الحائز جائزة نوبل للاقتصاد بول كروغمان. كل صحيفة لها نجومها من كتاب الرأي المميزين في مجالات الفن والثقافة والرياضة والاقتصاد والسياسة، وهم الذين تسوق لهم الصحف العالمية بتوظيف التقنية الحديثة في نشر مقالاتهم، آخرها منصة البودكاست المهمة والمؤثرة جداً مع عدم إغفال الوسائل التقليدية كالمشاركات في المقابلات التلفزيونية والمحاضرات والندوات وإصدار الكتب بشكل دوري، ففي النهاية تصب المصلحة لصالح الصحيفة لأنها تدعم قيمتها التسويقية بتوسيع قاعدة الانتشار لنجومها.
القراءة باقية معنا، ودور النشر تواصل إصدار العناوين الجذابة والمفيدة، وهناك كتاب جدد يولدون بشكل مستمر، ومعارض الكتاب تحقق أرقاماً قياسية في مبيعاتها في كل دورة (يستثنى مما سبق كله وضع «كورونا» الحالي الاستثنائي، وذلك لأسباب باتت معروفة للجميع). القراءة في أهميتها تشبه الماء والهواء، فهي غذاء الروح وبلسمه ونور للعقول ومنبع للأفكار وإلهام للأحلام الكبرى. لجأ عدد غير قليل من الناس في الفترة العصيبة الماضية بسبب أزمة فيروس كورونا المدمر إلى القراءة، وذلك للتعلم والاطلاع والمعرفة بقدر الإمكان عن الفيروسات عموماً و«كورونا» تحديداً، أو للترفيه وقضاء وقت ممتع ومفيد هرباً من الكآبة المصاحبة للجائحة المدمرة.
قيل قديماً في الأثر إن خير جليس في الزمان هو الكتاب… مقولة بقيت حقيقية مع مرور الوقت.

التعليقات