مصر الكبرى

07:22 صباحًا EET

مصر: ثورة دائمة أم إصلاح دائم؟

يبدو لي أن كلا من الرئيس محمد مرسي والمحكمة الدستورية العليا أشبه بالمرأة العجوز التي وصفها القرآن الكريم بالتي «نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا».

وقال الزمخشري في تفسيره «الكشاف» يروي قصة المرأة التي أشار إليها القرآن: «اتخذت ريطة بنت سعد بن تيم، وكانت خرقاء، مغزلا قدر ذراع وصنارة مثل إصبع وفلكة عظيمة على قدرها، فكانت تغزل هي وجواريها من الغداة إلى الظهر, ثم تأمرهن فينقضن ما غزلن».
وفسر القشيري في تفسيره «لطائف الإشارات» هذه القصة بثلاث جمل مختلفة: أفسد بآخر أمره أوله. وهدم بفعله ما أسسه. وقلع بيده ما غرسه.
نحن الآن نشهد ثلاثية في مصر تشبه القصة التي رواها القرآن عن المرأة.
1 – بعد الثورة قام المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 11 فبراير (شباط) 2011 بحل مجلس الشعب، وأجريت انتخابات المجلس الجديد في شهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول) 2011، وحصل الإخوان المسلمون، التحالف الديمقراطي، على 235 مقعدا. وحل السلفيون ثانيا بحصول حزب النور على 166 مقعدا.
كان ذلك شهر عسل حقيقيا بالنسبة للحزبين الإسلاميين، وخلت شعارات كلا الحزبين من أي إشارة إلى أن «الإسلام هو الحل»، مركزين على الديمقراطية والعدالة والتنمية والحرية.
2 – في الرابع عشر من يونيو (حزيران) 2012 أصدرت المحكمة الدستورية العليا المصرية حكمها بعدم دستورية الانتخابات البرلمانية، وعدم شرعية ثلث أعضاء البرلمان. كان الحكم نتيجة لحقيقة أن بعض المقاعد تم التنافس عليها على أساس نظام القائمة النسبية، فيما تم التنافس على باقي المقاعد بنظام الفردي. ونتيجة لذلك خلصت المحكمة إلى أن قانون الانتخابات سمح للأحزاب السياسية بالتنافس على المقاعد المخصصة للمستقلين. وقالت المحكمة في حيثيات الحكم: «إن تشكيل المجلس بأكمله غير قانوني، وبالتالي، فإنه غير صحيح من الناحية القانونية». جاء القرار ليؤكد حكما أصدرته إحدى محاكم الدرجة الأولى بعدم دستورية قانون الانتخابات.
أعلن المجلس العسكري عدم قناعته بهذا القرار، لكنه عبر عن احترامه لسيادة القانون. حتى محمد مرسي – باعتباره رئيسا جديدا – لم يختلف موقفه عن المجلس العسكري. ونتيجة لذلك قال بعض المعلقين إن الأمر جرى باتفاق بين كلا الطرفين. وبعبارة أخرى، وافق محمد مرسي على أن يقوم المجلس العسكري بحل البرلمان.
3 – والآن نشهد الفصل الثالث، عندما أصدر الرئيس محمد مرسي قرارا في الثامن من يوليو (تموز) 2012 بعودة البرلمان إلى الانعقاد لحين انتخاب برلمان جديد، وتكليفه بكتابة الدستور الجديد بدلا من الجمعية التأسيسية، ليعلن بقراره هذا تحديه لسلطات المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
4 – طعنت المحكمة الدستورية العليا في 9 يوليو (تموز) في صحة هذا القرار، لكن بعد فترة من الشد والجذب، قبل مرسي بقرار المحكمة الدستورية.
هذا يعني أن لدينا أربعة لاعبين رئيسيين في المشهد السياسي المصري. الرئيس المدعوم من قبل جماعة الإخوان المسلمين، وميدان التحرير أيقونة الثورة المصرية، والمحكمة الدستورية العليا والمجلس العسكري، وأخيرا المصريون كأمة عظيمة.
أعتقد أن هذه الأبعاد للهرم السياسي في مصر تشكل قواعد لعبة لن تنتهي سوى بخسارة الجميع. وبعبارة أخرى فإن هذه اللعبة تدمر مصر على يد المصريين أنفسهم. يقول الكاتب الصحافي وائل قنديل في مقاله بصحيفة «الشروق» إنه «انقلاب على انقلاب».
من ينبغي عليه أن يدفع ثمنا عزيزا لكل ذلك؟ أين المصلحة المصرية؟ إذا كان الجميع يعتقدون أن السلطة أشبه بكبش أضحية فينبغي عليهم أن يحاولوا الحصول على أكبر قطعة، ثم سنواجه كارثة مريرة وستعاني الأجيال الجديدة مرارة الإحباط. ويقول الإمام نجم الدين الطوفي في كتابه الفريد «رسالة في رعاية المصلحة»، بعد مناقشة 19 دليلا كمصادر رئيسية لعلم المعرفة الإسلامية: «وهذه الأدلة التسعة عشر أقواها النص والإجماع… ثم إما أن يوافقا رعاية المصلحة أو يخالفاها, إن خالفاها وجب تقديم المصلحة عليهما بطريق التخصيص» («رسالة في رعاية المصلحة» الإمام الطوفي ص: 23).
ومن المذهل أن يحتوي تراثنا الإسلامي على هذا الأدب الثري عن المصلحة، فعلى سبيل المثال، ألف الطوفي كتابه قبل أكثر من 800 عام. وهناك قول شائع بأن من ينسون تاريخهم سيكررون الأخطاء مرارا وتكرارا، وأعتقد أن مصر ليست بحاجة حقا إلى ثورة دائمة، إن ما تحتاجه مصر هو إصلاح دائم. قبل كل شيء ينبغي على الرئيس وإدارته والحكومة والمحكمة العليا والمجلس العسكري، أن يعملوا على إصلاح وإعادة بناء الاقتصاد. فمن يتصور أن يعيش العامل المصري بأقل من 100 دولار شهريا؟ الوقت محدود للغاية ومصر تواجه الكثير من المشكلات. اتخاذ إجراءات ثورية مثل حل البرلمان من ناحية، ورفض حكم المحكمة الدستورية العليا من ناحية أخرى، يشير إلى أن الوقت صار ضيقا بالنسبة لمصر. ويبدو أن البرادعي يتفهم ويشعر بلب الكارثة أكثر من أي شخص آخر، فكتب في صفحته على «تويتر»: «الضمير الوطني يحتم اجتماعا فوريا بين رئيس الجمهورية وممثلي السلطة التشريعية والمجلس العسكري للتوصل إلى حل سياسي وقانوني يجنب البلاد الانفجار».
إنه مصطلح ملائم للغاية، فما نواجهه في مصر ليس ثورة، بل هو مقدمة لانفجار.

التعليقات