كتاب 11

03:00 مساءً EET

مئويات!

مائة عام هي ليست بالمدة القليلة من الزمن، فهي عبارة عن عشرة عقود من السنوات التي شهدت العديد من الأحداث والتقلبات والتحديات. وفي هذه الفترة هناك ثلاثة كيانات مهمة ومختلفة جداً في العالم تحتفل بمرور مائة عام على تكوينها. قرن من الزمان مرت فيه الأحداث والشخصيات تصنع تاريخاً نرى نتائجه ونعيش آثاره اليوم. مائة عام مضت تقريباً على اجتماع المؤتمر الوطني التأسيسي للحزب الوطني الشيوعي في 23 يوليو (تموز) عام 1921 في مدينة شنغهاي، التي كانت تحت سيطرة الاحتلال الفرنسي، وكان تعداد الشيوعيين في الصين وقتها لا يتجاوز الستين شخصاً. مر الحزب بمراحل مختلفة، لعل أهمها كان الحراك الشعبي العريض، الذي قاده الزعيم الثوري ماو تسي تونغ، وأطلق عليها اسم «الثورة الثقافية» التي كانت مشروعاً «همجياً» لإعادة كتابة تاريخ الصين العريق، لتكون «الثورة الثقافية» حركة تصحيحية لكافة «أخطاء الماضي»، حسب ما جاء في الكتاب الأحمر، الذي كان يعد منهاج «الثورة الثقافية».
استمرت «الثورة الثقافية» في الصين وأدت تبعاتها إلى أن تنعزل تماماً عن العالم، رغم احتسابها سياسياً ضمن المعسكر الشرقي، وبالتالي مشاركتها في الحرب الباردة ضد المعسكر الغربي، وصولاً إلى زيارة الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون إلى الصين، التي أعد لها جيداً وزير خارجيته وقتها هنري كيسنجر، وتعرفا عن قرب على الرجل الهادئ المؤثر دينغ زياو بنغ، الذي كان يستعد لقيادة البلاد بعد أن أنهك المرض ماو تسي تونغ. وفتح دينغ زياو بنغ الصين الشيوعية وأسواقها مرحبة بالبضائع والاستثمارات الرأسمالية التي جاءت مهرولة من كل صوب إليها. وتطورت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الصين وتكونت مجموعة هائلة وعظيمة من الثروات الخاصة، ولم يبقَ فعلياً من شيوعية الصين إلا جهازها الأمني القمعي وسلطتها السياسية المركزية المنفردة.
ويأتي الاحتفال بمئوية الحزب الشيوعي الصيني الحاكم في ظل أوضاع مهمة جداً تواجه الصين؛ إذ بينما تستعد الصين لتبوء مكانة الاقتصاد الأقوى في العالم، تواجه موجة غير مسبوقة من الاتهامات والعداء من المعسكر الغربي، والكثير من دول العالم محمليها بشكل مباشر وأساسي مسؤولية تفشي فيروس «كورونا» وخروجه عن السيطرة في مدينتها ووهان، بالإضافة إلى سلسلة اتهامات أخرى تشتمل على التجسس الصناعي وسرقة حقوق الملكية الفكرية واستغلال السجناء كأيد عاملة، ما أثر على علاقاتها مع دول العالم الصناعي، التي باتت تنظر لمشروع الصين العظيم (بادرة الحزام والطريق)، الذي يرعاه الرئيس شي جينبينغ شخصياً، بريبة وقلق وشك وخوف.
يبدأ الحزب الشيوعي الصيني المئوية الثانية مع طموحات سياسية واقتصادية عابرة للحدود، تعود بالذاكرة لحقب استعمارية صينية عانت منها دول آسيوية كثيرة مما يولد مناخاً مضطرباً قد يؤثر على العديد من السياسات القادمة.
أيضاً في الأول من شهر سبتمبر (أيلول) من سنة 1920 تم الإعلان عن ولادة لبنان الكبير الذي وقف فيه الجنرال الفرنسي غورو وعلى جانبيه البطريرك الماروني والمفتي. مائة عام مضت على هذا الإعلان، الذي وصف وقتها بالحلم العظيم، ليمر بعده لبنان بمحطات عنيفة وجميلة ودموية، احتوت على النجاحات المبهرة في مجالات السياحة والترفيه والطب والتعليم والصيرفة والإعلام، حتى أصبح سياحة العرب ومصرفهم، ولكن هذا لم يدم طويلاً، فلقد قصمت الحرب الأهلية المرعبة ظهر هذا البلد الصغير، حتى وصلت اليوم إلى الحال المزري من الضياع الاقتصادي الخطير والاختطاف السياسي من قبل ميليشيا إرهابية تدين بولائها لدولة أخرى وبشكل علني. إنها المئوية الحزينة والاحتفالية الكئيبة.
هناك مئوية ثالثة تمر ذكراها هي الأخرى، وهي ذكرى تأسيس المملكة الأردنية الهاشمية، التي تواجه تحديات من الداخل والخارج بشكل غير مسبوق، فالأطماع فيها تاريخية وغير سرية، بدءاً من إسرائيل وصولاً إلى ما عرف باسم «حزب البعث» بفرعيه في كل من العراق وسوريا. الأردن كان دوماً واحة استقرار في منطقة مضطربة من حوله، ولكن على ما يبدو أن موجات اضطراب وصلت إليه.
ثلاث مناسبات مئوية يتم الاحتفاء بها وتذكرها هذا العام، وبالتمعن في أحداثها وما حصل فيها من تبدلات وتحديات من الممكن قراءة ما هو قادم، فالأحداث الكونية تكون نتيجة الأسباب المحركة لها، وبالتالي من الممكن تقديرها مسبقاً بشكل غير بعيد عن الحقيقة.

التعليقات