تحقيقات

09:35 صباحًا EET

قمة بغداد للتعاون والشراكة: هل هي بداية لتشكُّل إطار إقليمي جديد أم خطوة عابرة؟

شهدت العاصمة العراقية بغداد يوم الثامن والعشرين من أغسطس 2021 انعقادَ قمة “التعاون والشراكة” برعاية عراقية-فرنسية، وبمشاركة جميع دول جوار العراق (عدا سورية)، بالإضافة إلى مصر ودولة الإمارات وقطر. ومثّلت القمةُ أهمَّ حدث على مستوى العلاقات الخارجية الإقليمية في العراق منذ انعقاد القمة العربية في بغداد عام 2012، كما أنها جسّدت طبيعة الدور الذي يسعى العراق إلى لعبه إقليمياً ودولياً في ظل النهج الحالي لحكومة مصطفى الكاظمي والرئيس برهم صالح، كنقطة التقاء محايدة وفعّالة في محيطها الإقليمي المنقسم. وفي الوقت نفسه، أثارت القمة العديد من التساؤلات حول المسار المستقبلي، وما إذا كانت نواةً لتشكل إقليمي جديد يعكس واقع علاقات القوة المتشكلة في المنطقة، أم مجرد لحظة عابرة ستتجاوزها التحولات السياسية والأمنية في العراق والمنطقة.

الدوافع العراقية والفرنسية

بدأت فكرة المبادرة العراقية-الفرنسية في زمن حكومة عادل عبد المهدي الذي يحمل جنسية فرنسية، حينما عرض الفرنسيون العملَ سوية لدعم سيادة الدولة في العراق، وتعزيز مكانتها الدولية. وطُرحت الفكرة في لقاء بين الرئيس ماكرون والرئيس برهم صالح، وفُعِّلَت مع تسلُّم مصطفى الكاظمي منصبه، والذي رأى أنها تنسجم مع نهجه في سحب العراق من المحاور الإقليمية، وجعْله نقطةَ التقاء بين دول المنطقة. وخلال زيارة ماكرون إلى بغداد في سبتمبر 2020، نوقشت فكرة المبادرة المشتركة مع الرئيس العراقي ورئيس الوزراء، ثم أخذت الفكرة تتبلور أكثر بصيغة مؤتمر إقليمي ينظمه العراق وتدعمه فرنسا خلال زيارة الكاظمي إلى باريس في نوفمبر من العام نفسه.

ويمكن رصد دوافع الجانب الفرنسي في دعم المبادرة كما يأتي:

دوافع جيوسياسية دولية: تُدرك فرنسا أنها فقدت الكثير من نفوذها وأصبحت قوة دولية متوسطة، وأن تجديد الدور الفرنسي دولياً يتطلب مبادرات جريئة ومختلفة عن السياقات التقليدية التي غالباً ما اعتمدت التركيز على الجغرافية الأطلسية والدول الفرانكفونية. وهناك عاملان شجّعا على البحث عن اتجاه جديد: الأول، مجيء رئيس فرنسي شاب غير محسوب على التشكيلات التقليدية لليمين واليسار، ويتسم بالديناميكية والثقة ويسعى للعب دور دولي أكبر. والثاني، الانكفاء الأمريكي الذي ترجمته سياسة “أمريكا أولاً” للإدارة السابقة، والتي مثّلت أيضاً انعكاساً لتصاعد النزعة الانعزالية الأمريكية من جهة، وسياسة تقليل الانغماس في الشرق الأوسط من جهة أخرى، لصالح التركيز على الصراع مع الصين. يُضاف إلى ذلك، فإن عودة روسيا إلى المنطقة عبر البوابة السورية، مثّل حافزاً للفرنسيين لمحاولة البحث عن دور في المنطقة لمواجهة التأثير الروسي.
دوافع جيوسياسية إقليمية: مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تَعتَبر فرنسا نفسها القوةَ الأوروبية الرئيسة المعنية والخبيرة بالشرق الأوسط، وبما يؤهلها للعب دور أكبر في ملفات المنطقة الساخنة. وحيث إن هناك أكثر من لاعب أوروبي في الملف الليبي، واحتكار أمريكي للملف الإسرائيلي-الفلسطيني، وتحوّل سورية إلى مساحة نفوذ روسية-إيرانية-تركية، وصعوبة تفكيك استعصاءات الملف اللبناني الذي حاول ماكرون أن يلعب دوراً فيه، فإن النافذة العراقية التي انفتحت بشكل أوسع نحو الانخراط الدولي في ظل حكومة الكاظمي بَدَت مناسبة للدخول الفرنسي، خصوصاً مع ما تحمله أيضاً من فرص اقتصادية. يضاف إلى ذلك، أن الخلاف الفرنسي-التركي المتصاعد على خلفية الصراع على النفوذ في البحر المتوسط، والموقف من الإسلام السياسي، يُعزز طموح فرنسا للعب دور أكبر في الإقليم لتحجيم أو احتواء النفوذ التركي، وفي الوقت نفسه طرح باريس نفسها كلاعب دولي خارج الاستقطابات التقليدية وقادر على مد الجسور مع الأطراف المختلفة.
دوافع اقتصادية: في ظل وضع اقتصادي صعب تواجهه فرنسا، فاقمته جائحة كورونا، فإن بناء نفوذ أكبر في العراق يتأتى بمنافع اقتصادية للجانب الفرنسي، وحيث إن الشركات الفرنسية تعاني عموماً من ضعف تنافسيّتها بمواجهة دول مثل الصين والولايات المتحدة وألمانيا، فإن هناك تعويلاً على تحويل التأثير السياسي إلى نفوذ اقتصادي. ويبدو أن ذلك تجسَّد بشكل خاص في المشاريع الطموحة التي تسعى TotalEnergies إلى الحصول عليها، وأبرزها أربعة مشاريع استراتيجية للنفط والغاز في العراق. وأهم هذه المشاريع هو مشروع نقل ماء البحر إلى حقول النفط الجنوبية من أجل زيادة قدرة ضخ الماء في تلك الحقول، والذي سيسمح للعراق بتحقيق زيادات كبيرة في إنتاجه النفطي. وهذ المشروع، المعروف اختصاراً بـ CSSP، كان يفترض أن يُحال إلى شركة “إكسون موبيل” الأمريكية، إلا أن مفاوضاتها مع الحكومة العراقية تعثرت، الأمر الذي جذب TotalEnergies إليه، رغم الشكوك بقدراتها التقنية على إنجازه. وبالفعل، فقد أعلنت الحكومة العراقية في 5 سبتمبر الجاري عن “التوقيع بالأحرف الأولى” على “مظلة اتفاق” مع شركة توتال الفرنسية، لإنجاز مشاريع استثمارية للغاز المصاحب لاستخراج النفط، وتطوير الحقول النفطية، وإنشاء محطة توليد كهرباء تعمل بالطاقة الشمسية، بقيمة إجمالية قدرها 27 مليار دولار. عدا ذلك تسعى فرنسا إلى إحياء مشاريع قديمة في العراق، من بينها “مترو بغداد”، وإمكانية المشاركة في المشاريع التي قد تحصل في العراق في حالة تبلور استراتيجية تحويله إلى معبر بري أساسي بين أوروبا والمتوسط والخليج، بما يتطلبه ذلك من بنى تحتية وشبكات سكك وطرق وخدمات جديدة.

أما دوافع الجانب العراقي، وبشكل خاص حكومة الكاظمي من تبني هذه المبادرة، فيمكن تلخيصها كالآتي:

دوافع سياسية داخلية: لم تحقق الحكومة العراقية الكثيرَ من الاختراقات المهمة على صعيد الملفات السياسية الداخلية، وتحديداً في موضوع ضبْط الميليشيات أو تفكيكها، والقصاص من قتلة المتظاهرين، وإصلاح العملية السياسية، لكنها حققت نجاحات مهمة في إدارة ملف العلاقات الخارجية، ليس فقط عبر كسب دعم المجتمع الدولي والإقليمي، والانفتاح على الخليج، وتنشيط العلاقات الثلاثية مع مصر والأردن، بل أيضاً بالقيام بمبادرات لحلحلة بعض الملفات الإقليمية، كما حصل في وساطة الكاظمي التي سهّلت عقد مفاوضات سرية بين إيران والسعودية. إن تتويج هذه النجاحات بتنظيم قمة ناجحة ذات صدى إقليمي ودولي، يُضيف رصيداً جديداً للكاظمي، خصوصاً في مسعاه البقاء في منصبه بعد الانتخابات التشريعية المقبلة.
الرؤية الجديدة للعلاقات الخارجية: حتى قبل تسلُّمه منصب رئيس الوزراء، ولما كان رئيساً لجهاز المخابرات الوطني العراقي، بنى الكاظمي سمعةً مهمة بوصفه وسيطاً إقليمياً، وطرفاً ذي علاقات إقليمية ودولية واسعة، ومُفككاً للأزمات، الأمر الذي سهّل عليه تبنّي دوراً إقليمياً ودولياً أكبر بعد أن أصبح رئيساً للوزراء، خصوصاً مع الدعم الأمريكي والغربي الكبير، والانفتاح الخليجي غير المسبوق. وأراد الكاظمي استثمار ذلك لتشكيل رؤية جديدة لموقع العراق الجيوسياسي وعلاقاته الإقليمية والدولية، لا تكتفي بإعلان الحياد تجاه المحاور القائمة، بل أيضاً العمل على أن يكون جسراً بين القوى الإقليمية، والتركيز على استكشاف فرص التعاون بدلاً عن الصراع، وهو ما يؤهله إليه موقعه الجغرافي بين إيران وتركيا والسعودية، وإمكانياته النفطية التي تجعله غير معتمد على أيٍّ من هذه البلدان. وفي الوقت الذي صار الكثيرون ينظرون إلى العراق باعتباره منطقة نفوذ إيرانية، فإن الكاظمي يسعى لموازنة التأثير الإيراني ليس عبر المواجهة الصريحة مع إيران ووكلائها، بل عبر استجلاب أطراف مهتمة أخرى، وتوسيع هامش المناورة أمام العراق، بالإضافة إلى اقناع الإيرانيين بأن حكومة عراقية معتدلة وصديقة يمكن أن تخدمهم أكثر في مسعاهم لأن يكونوا طرفاً مقبولاً في النظام الإقليمي.

تقييم القمة

سبقت القمة مخاوف من ضعف التمثيل، خصوصاً أن بعض الدول المدعوة لم تكن تعلم ما يكفي عن أجندة القمة وأهدافها، أو أنها كانت متوجسة من الحضور دون التأكد من مستوى تمثيل الأطراف الأخرى. وقد تبنَّت الحكومة العراقية دبلوماسيةً مكثفة لدعوة رؤساء الدول عبر جولات مكوكية لوزير الخارجية العراقي، ومكالمات هاتفية بين الكاظمي والعديد من الملوك والرؤساء والأمراء، وأسهم ذلك بتأمين حضور العاهل الأردني الملك عبدالله بن الحسين والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، فضلاً عن حضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. يُضاف إلى ذلك مشاركة الإمارات والكويت بتمثيل أعلى من وزير الخارجية، فعن الأولى حضر نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وعن الثانية حضر رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح.

وواجهت عملية التحضير للقمة إشكاليتين رئيسيتين: الأولى، مشاركة سورية، حيث كان للجانب الفرنسي “فيتو” على حضور قمة يحضرها الرئيس السوري بشار الأسد، فضلاً عن التحفظات التركية والقطرية والسعودية، ولذلك ارتأى الكاظمي إرسال فالح الفياض رئيس هيئة “الحشد الشعبي”– الذي ينشط منذ سنوات كمبعوث العراق الخاص إلى الرئيس السوري- لينقل رسالة توضح أن عدم دعوة سورية ليس تخلياً عنها، بل لضمان نجاح المؤتمر. والإشكالية الثانية تعلقت بالدور الأمريكي، فلأنَّ القمة أُريد منها أن تكون إقليمية بمشاركة فرنسا كطرف دولي محايد، ولأنها تنعقد في مناخ التراجع الأمريكي، فإن دعوة الولايات المتحدة إليها لم يكن خياراً مطروحاً، خصوصاً بسبب التوتر الأمريكي-الإيراني. وفي الوقت نفسه، ونظراً للتأثير الذي تمتلكه واشنطن في العراق، لم يكن بالإمكان تجنُّب أخطارها والحصول على مباركتها لانعقاد القمة. وقد نشط الجانبان العراقي والفرنسي في شرح المبادرة وأهدافها للإدارة الأمريكية، وتمخَّض عن ذلك موقف أمريكي داعم لانعقاد القمة تُرجِم ببيان صادر عن الرئيس بايدن أشاد بها كمبادرة لتفعيل الجهد الدبلوماسي، ومُنوهاً بأهمية أن يكون العراق هو مَن يرعى هذه المبادرة.

ويمكن بشكل عام تصنيف مواقف الأطراف الحاضرة كما ما يأتي:

مواقف متحمسة، عبرت عنها بشكل خاص كلٌّ من فرنسا ومصر والأردن، الذين يعتبرون دعم حكومة الكاظمي واستمراريتها ضرورياً، ويريدون من العراق دوراً إقليمياً أكبر.
مواقف متفهمة، عبّرت عنها الدول الخليجية الحاضرة، والتي تميل غالباً إلى دعم حكومة الكاظمي.
مواقف متوجسة، ويمكن أن نضع هنا الموقفين الإيراني والتركي؛ فرغم ترحيب البلدين بالمشاركة وإعلانهما الدعم للحكومة العراقية، فإن إيران تدرك أن ربط العراق -بشكل مستقل- بلاعبين إقليميين يتبنون رؤىً مغايرة ويقتربون من السياسة الأمريكية لن ينصب في خدمة مشروعها بربط العراق بـ “محور المقاومة”، وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان ليس فقط بتأكيده رفض التدخل والوجود الأجنبي، والأمريكي تحديداً، في المنطقة، بل أيضاً باستنكاره المهذب لعدم دعوة سورية إلى المؤتمر. ومع ذلك، ما يوازن هذا التوجس هو الاعتقاد الإيراني أن العراق يمكن أن يلعب دوراً في تقريب إيران من الدول الخليجية وتطبيع العلاقات معها، وهو ما تعتبره حكومة إبراهيم رئيسي أولوية لها. أما الجانب التركي، فإنه لم يكن مرتاحاً للدور الفرنسي بشكل خاص، وقد عبّر عن ذلك وزير الخارجية التركي، مولود تشاويش أوغلو، بكلمة أشارت أيضاً إلى ضرورة عدم التدخل الأجنبي في شؤون المنطقة.

وبشكل عام، يمكن القول إن الكاظمي كان المستفيد الأول من النجاح النسبي للقمة، لأنها أسهمت في تدعيم موقعه الخارجي ورؤيته الجيوسياسية، وأضافت المزيد لرصيده الداخلي. أما فرنسا فقد حققت نجاحاً نسبياً في تفعيل حضورها الإقليمي، إلّا أنه ليس من الواضح المدى الذي يمكن أن تذهب فيه لإدامة هذا الحضور. وقد شهدت القمة لقاءات جانبية بين رؤساء وممثلي الدول الحضور، أبرزها اللقاء بين الرئيس المصري وأمير قطر، وبين نائب رئيس الدولة ورئيس الوزراء لدولة الإمارات وكلٍّ من الأمير القطري ووزير الخارجية الإيراني، وبالتالي مثّلت فرصةً فريدة لاجتماع ممثلي الدول الأكثر فاعلية وتأثيراً في المنطقة (ما عدا إسرائيل).

ومع ذلك، فقد بدا واضحاً أن القمة افتقرت إلى أجندة محددة، وأن مضمونها الأساسي بالنسبة للمشاركين هو إظهار الدعم للعراق، بمعنى أن هذا الدعم كان أعلى سقف يجتمع تحته الحاضرون، ومع تباين ترجمتهم لمعنى الدعم وأدواته. بينما عبّرت أغلب المواقف عن إقرارها بأهمية الحوار والحلول السلمية للمشاكل الإقليمية، إلا أنها تباينت في نقاط تركيزها وكيفية تناولها. وقد جاء البيان الختامي ليعبّر عن هذا “الحد الأدنى” من حيث تركيزه على دعم العراق وتثمين دوره للوصول إلى “أرضية من المشتركات مع المحيطَين الإقليمي والدولي في سبيل تعزيز الشراكات السياسية والاقتصادية والأمنية، وتبني الحوار البنّاء وترسيخ التفاهمات على أساس المصالح المشتركة،” من دون أي التزامات محددة تجاه القضايا الأكثر إشكالية أو ما إذا كان سيتم العمل على مأْسسة القمة وتكرارها. ويعني ذلك أمرين: الأول، أن النجاح الأساسي للقمة كان في انعقادها، وليس فيما تمخضت عنه من نتائج ملموسة؛ والثاني، أن مسار ما بعد القمة وإمكانية مأْسستها يعتمد كثيراً على الجهود الدبلوماسية العراقية وقدرتها على الحفاظ على الزخم، وإقناع الأطراف الأخرى بجدوى إدامة هذا الإطار الجديد وضم أعضاء جدد إليه.

التوقعات لما بعد القمة

يمكن توقُّع مسارين في المرحلة المقبلة:

الأول، أن تكون هذه القمة أساساً لتشكل مؤسسي إقليمي جديد يضم إيران وتركيا والدول العربية الرئيسة ويوفر إطاراً لمعالجة القضايا الإقليمية الأساسية على غرار أطر مشابهة في شرق آسيا وآسيا الوسطى، خصوصاً مع المتغيرات الإقليمية الحالية، لاسيما إنْ تم التوصل إلى تسوية بين إيران والولايات المتحدة بخصوص العودة إلى الاتفاق النووي، وحصل المزيد من التقارب السعودي-الإيراني، واستُبعِدَ خيار التصعيد والمواجهة العسكرية في المنطقة. إن مثل هذا الإطار قد يخدم بوصفه منتدى لمعالجة قضايا مثل الملفَّين السوري واليمني والأزمة اللبنانية، والعلاقات الأمنية وسبل بناء الثقة، فضلاً عن مبادرات التعاون الاقتصادي وقضايا التغير المناخي. وهذا الاحتمال مرهونٌ بتطور مفاوضات فيينا ونتائجها، وبطبيعة الحكومة العراقية المقبلة وما إذا كانت ستكون استمراراً للحكومة الراهنة أو حكومة أقرب إلى طهران ولا تمتلك مصداقية الدور المحايد لحكومة الكاظمي.

الثاني، أن تكون هذه القمة يتيمة وعابرة، سقفها إظهار الدعم اللفظي لحكومة الكاظمي، دون أن تنجح في إثبات جدواها والاستمرار كإطار جديد لتنظيم العلاقات الإقليمية. وهذا الاحتمال مرجح في حالة مجيء حكومة عراقية أقرب إلى طهران، وفي حالة إخفاق المفاوضات النووية والاتجاه إلى التصعيد في المنطقة.

الاستنتاجات

شكّل انعقاد “قمة بغداد للتعاون والشراكة” نجاحاً نسبياً لحكومة مصطفى الكاظمي التي تسعى إلى لعب دور إقليمي أكثر فاعلية نحو التجسير بين القوى الإقليمية المتنافسة، وخلق مشتركات وشراكات تؤسس لبنية تحتية لنظام إقليمي جديد. وقد ساعدها في ذلك القبول الدولي الإقليمي بالكاظمي، ونجاحه في موضعة العراق خارج المحاور الاقليمية، بما في ذلك رعايته مفاوضات سرية بين السعودية وإيران في بغداد، فضلاً عن التبني الفرنسي لهذه المبادرة المرتبط أيضاً بمحاولة فرنسا لعب دور جيوسياسي أكبر في المنطقة، والتعويض عن تراجع الاهتمام الأمريكي، والتطلع إلى فرص اقتصادية جديدة.

وأهم ما جاءت به القمة هو انعقادها، وما عكسته من خلق مُمكنات جديدة لتنظيم الحوار الإقليمي بين الفاعلين الرئيسين في المنطقة، وما قدمته من دعم ومشروعية دولية للكاظمي، لكن نقاط ضعفها الأساسية تمثلت بغياب عدد من الملوك ورؤساء الدول الفاعلة، تحديداً إيران وتركيا والسعودية، وعدم تبلور أجندة واضحة لها، وعدم الاتفاق بشكل صريح على الخطوة المقبلة. ولذلك فإن مسارها المستقبلي وما إذا كان بالإمكان تحولها إلى إطار مؤسسي مستدام يعتمد كثيراً على ما إذا كان الكاظمي سيستمر في منصبه بعد الانتخابات المقبلة، ونوع الحكومة العراقية التي ستتمخض عنها، كما يعتمد على اتجاهات بعض الملفات الإقليمية الرئيسية، وبشكل خاص المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، والسياسة الإقليمية التي ستتبناها حكومة إبراهيم رئيسي.

التعليقات