مصر الكبرى

07:21 صباحًا EET

جُبن الإخوان المسلمين موظّف في خدمة الجماعة والأمة

وقفت المغنية صباح على مسرح سينما الدنيا في مدينة حماة السورية وقالت: «وداعاً يا أهل حماة»، كان ذلك في 1954 عندما أقدمت مجموعة من الاخوان المسلمين السوريين على تفجير قنبلة على مدخل تلك السينما لمنع صباح من الغناء في «المدينة المؤمنة». ويقول عداب الحمش، وهو اخواني سابق لم يشارك في زرع القنبلة بسبب صغر سنه آنذاك: «منذ ذلك التاريخ وحتى وصول حافظ الأسد الى السلطة لم تشهد حماة حفلة غناء واحدة».

لا تُلخص هذه الحادثة موقع حركة الاخوان سواء في سورية عموماً أو في حماة، على رغم انها تلقي ضوءاً على احتمال من الاحتمالات الاخوانية، إذ احتمالت الاخوان كثيرة ومتنوعة، ولا تتحرك بورصتها وفقاً لمعطيات تنظيمهم وقيادتهم، انما تستمد وجهتها بالدرجة الأولى من مؤشرات خارجهم.
هم براغماتيون في علاقاتهم مع القوى والدول الأخرى ومتشددون في بيئة الاسلام الصافية، وهم «جهاديون» في نقاشهم مع «القاعدة» ومدنيون في الانتخابات. في أدبياتهم قُدمت تنظيماتهم العسكرية بصفتها انشقاقات، وفي النقاش الداخلي لم يُفض انشاء ناشط منهم تنظيماً عسكرياً الى قرار بفصله، وغالباً ما تمت الاستعانة بهذه التنظيمات في لحظات الحاجة اليها، ثم صورت جنوحاً في مراحل التفاوض.
ليس هذا العرض مدخلاً لأبلسة الاخوان، ولا للتهويل من قدومهم، انما للقول ان هذه الطبيعة مستمدة من مقدار مشابهتهم المجتمعات التي نشأوا فيها. انهم الصورة الأقرب اليها، وبما أنهم كذلك، سعوا جاهدين الى مشابهتها في كل شيء: في شططها وتقليديتها، وفي صفائها وفسادها. وهذه السمة الملازمة للأداء الاخواني انما استُمدت من المرحلة الأولى لنشاة الجماعة.
فحسن البنا عندمــــا أسسها في العشرينات، أرادها في البداية حركة احيائية هدفها حمايـــة وتثبـــيت الثقافة الاسلامية السائدة بصفتها طقوساً مُمارسة ومجتمعاً قائمــــاً. وانتقلت الجماعة بعد عشر سنوات من الدعوة الدينية العادية الى حركة سياسية هدفها نقل هذا الهم الى مستواه السياسي، اذ شعر الرجل ان الاسلام بصيغته المعاشة يجب ان يُحمى، من غزو الثقافات والتقاليد القادمة، عبر عمل سياسي لا دعوي فقط.
سورية كانت البلد العربي الثاني بعد مصر الذي التقط دعوة البنا، عبر داعية من مدينة حمص كان انتقل الى مصر للدراسة، هو مصطفى السباعي، ثم عاد الى سورية حاملاً رسالة البنا. ودعوة الاخوان هي لا شيء جديداً على مستوى الأفكار، انما هي انشاء تنظيم حزبي لما هو قائم في حياة الناس وفي ممارساتهم الدينية والتقليدية اليومية. وبهذا المعنى، وبقدر ما هم حزب وتنظيم وجماعة داخل الجماعة، فإنهم في الوقت نفسه «الأمة» كلها. ولطالما عُرضت في مروياتهم وقائع تؤشر حرفياً الى هذا الاعتقاد. ففصلُ ناشط من التنظيم عقاباً على ممارسته او على عدم التزامه تعليمات القيادة كان يصطدم دائماً بتساؤل: «هل تملك القيادة الحق في فصل رجل من جماعة المسلمين؟». ثم ان الممارسة التنظيمية داخل الأطر الحزبية تماهت على نحو كبير مع الجماعات وليس مع الأحزاب. فالإخوان المسلمون مثلاً مشيخيون، أي يتقدم عامل العمر في الجماعة عامل المرتبة التنظيمية والقيادية. وهم اذ يشبهون بذلك مجتمعهم، يُقدّمون الشيخ على الشاب، والرجل على المرأة، ويستعيرون من شائع الكلام لغة تنظيمهم. فحين يتجرأ ناشط على ان يوجه كلامه مباشرة الى المراقب العام من دون استئذان سيجد من يقول له: «اصمت، أنت في حضرة المراقب العام».
انهم «تنظيم الأمة» من دون استئذانها، وهذا أحد أسرار قوتهم، لكنه أيضاً ما يُفسر سعة التنظيم، واعتقاده بتمثيل الشعائر على مختلف مصادرها. وهنا يبدو الفارق طفيفاً بين الدعوات الحركية الاسلامية في شمولها «البنية الثقافية والتاريخية» للمجتمعات، وبين الدعوات القومية في اعتقادها بأنها صورة المجتمع وحامية هويته. ومن المرجح ان الخصومة الدموية بين الجماعتين ناجمة عن ذلك الشبه وعن السبق إلى حيازة تمثيل ما هو موجود. ففي سنوات خصومتهما في مصر وفي سورية، في الستينات، كانت الناصرية والإخوانية تتنافسان على مضمون واحد يتمثل في تبنيهما المجتمع كما هو. خرافة الوحدة مثلاً، تلك التي شكلت أراجيز الناصريين، لم يتمكن الاخوان من مقاومتها، فتوجه وفد منهم، في ذروة اضطهاد عبد الناصر لهم، الى السفارة المصرية في دمشق، وهنأ السفير بالوحدة مع سورية، وضم الوفد وجوهاً مصرية أصحابها ممن هربوا من القاهرة خوفاً من مقصلة عبد الناصر.
الاخوان المسلمون، اذاً، ليسوا تنظيماً أُسقط على «جماعة المسلمين» من فوق رؤوسهم، على نحو ما أُسقط «حزب الله» على الشيعة من فوق رؤوسهم، فاقترح عليهم تنظيماً جديداً واستدخل طقساً وأملى نمط عيش وممارسة. «الأمة» هي التي فرضت على الاخوان المسلمين «موديلها». ثمة أصل صوفي للإخوان المسلمين، وهم اليوم أقرب الى السلفية في اعتقاداتهم، ومعجبون بجماعة التبليغ والدعوة ذات الوجهة التبشيرية. انهم كل شيء، ومن بين هذا «الكل شيْ» قد تجد ما لا يمكن رده الى الاسلام، انما الى مجرد تقاليد محافظة، كتبنيهم قانوناً يجيز ختان النساء في مصر لاعتقادهم بأن ذلك «طقس اجتماعي لا ينبغي مقاومته»، على رغم عدم رده الى أصل ديني اسلامي.
انهم في تشددهم وتزمتهم مجرد مستجيبين لتطلب الجماعة الأوسع، وهم أيضاً في براغماتيتهم كذلك. وحين تُرد الشجاعة الى جبنٍ وتُقدم الجهالة على المعرفة يستقيم عندها فهم أسباب انحياز الاخوان المسلمين الى قانون ختان النساء، او تُفهم وعود محمد مرسي بالسعي لاطلاق سراح عمر عبدالرحمن. ولكن في مقابل ذلك علينا ان ننتظر الوجه الآخر لجبن الاخوان، فهم اليوم أيضاً جزء من «جماعة» الحكم والسلطة، ووفق منطق الاستجابة عينه، سنكون حيال حقيقة ما تتطلبه تلك «الجماعة» من استجابات، سواء لجهة الوضع في الداخل، او العلاقات مع الخارج.
في الداخــــــل سيستجيب الاخوان لوجهة ضغط الجماعة المصرية، وبقدر ما يشعــــــرون بأن قوى الضغط تميل الى منع الختان، فلن يقاوموا التيار، والعكس صحيح. وفــــي الخــــارج فإن موقع مصر الدولي وحساباتها، ستكون أكبر من دورهم وحساباتهم.

التعليقات