مصر الكبرى

07:37 صباحًا EET

حتى الإخوان أكلهم السوس

قبل 25 يناير روج الإخوان أنهم جماعة فى غاية القوة، تمتلك كفاءات فى المجالات كافة، وقدرة تنظيمية عالية ومنظمة، واستعداد لنقل مصر إلى موقع أفضل فقط، لو أتيحت لهم الفرصة.

صدقنا هذا الوهم الإخوانى، وتعاملنا معهم بقدر ما روجوا هم عن أنفسهم، لكن حين افتقدوا رفاهية المعارضة بعد 25 يناير، اكتشفنا حقيقة مهمة، وهى أن الإخوان مثلهم مثل أى حزب أو جماعة سياسية فى هذا البلد المنكوب بنخبته، يعانون من أمراض النخبة المصرية كافة، وأهمها عدم وضوح الرؤي، وافتقاد الخبرة، وانعدام الخيال، والانغماس فى القضايا الفرعية والتافهة على حساب المصلحة العامة، والقضايا المهمة والملحة والحياتية.
حين حاز الإخوان الأكثرية النيابية فى مجلس الشعب، لم يختلفوا كثيرا عن الحزب الوطنى، لجأوا إلى سلق القوانين وإخراج تشريعات حسب المقاس أو المناسبة أو الشخص، وحين كانوا يدركون أنهم بموجب الإعلان الدستورى لا يملكون صلاحية سحب الثقة من الحكومة، غرقوا وأغرقوا البلد معهم لمدة شهرين فى الصدام مع الحكومة والدخول فى معركة وهمية اسمها إسقاط حكومة الجنزورى، وحين وصلوا للرئاسة تركوا حكومة الجنزورى أكثر من شهر.
وامتاز نواب الإخوان فى البرلمان عن الحزب الوطنى بالجهل بالقوانين والإعلان الدستورى، لذلك دخلوا فى مواجهات مع القضاء، وتصوروا أنهم امتلكوا البلد ومن حقهم توجيه القضاء ولومه وتجريسه.. وربما مد القضاة على أرجلهم، بينما أساس أى حكم فى العالم هو الفصل بين السلطات، بمعنى أنه لا يمكن لسلطة أن تحاسب أو تؤنب سلطة أخرى، خاصة السلطة القضائية التى توجد دائما بمعزل عن ذراع ورغبات السلطتين التنفيذية والتشريعية.
وقد يكون للإخوان بعض العذر فقد استلموا سلطة تشريعية ناقصة، لكن المثير أنه حين وصل رئيسهم إلى رأس السلطة التنفيذية وأصبح رئيسا، عاد الإخوان لتكرار نفس التجارب الفاشلة، فدخل الرئيس معركة فى مواجهة القضاء، انتهت بهزيمته، ودخل ومعه جماعته فى معركة إعلامية وسياسية مع ثورة يوليو انتهت بهزيمتهم شعبيا، وبينما كان يفترض ان يشكل طاقمه الرئاسي والحكومة التى ستعاونه.. انتهى الشهر الأول من حكمه، دون أن يشكل أية أذرع أو أدوات تساعده على تنفيذ ما يريد.
فى كل دول العالم حيث توجد أحزاب وتنظيمات قوية، يكون معروفا لدى الحزب أو المرشح الرئاسي، طاقمه الذى سيأخذه معه إلى القصر الرئاسي أو مجلس الوزراء.. فمثلا حين ترشح جورج بوش الإبن لرئاسة أمريكا وضعت السياسة الخارجية فى برنامجه كونداليزا رايس، لذلك صحبته مستشارة للأمن القومى ثم وزيرة للخارجية.
وحين خاض رجب طيب أردوغان الانتخابات فى تركيا صاغ السياسة الخارجية له أحمد داوود أوغلو فأصبح من اليوم الأول مستشار رئيس الوزراء للشئون الخارجية ثم وزيرا للخارجية.
السادة الإخوان صدعونا بمشروع النهضة الذى قال صاحبه خيرت الشاطر أن مائة من العقول المصرية عكفت على إعداده، وبغض النظر عن أن كثيرا،خاصة فيما يخص الاقتصاد لا يختلف عما كان يطبقه الحزب الوطنى ويكتبه فى أوراق لجان سياساته، فإن الرئيس مرسي الذى ورث هذا البرنامج ربما لم يرث من أعدوه، و لا نعرف لماذا لم يصحبهم معه كمستشارين أو وزراء.
لا نعرف مثلا لماذا اختار هشام قنديل لتشكيل الحكومة، بينما هو من خارج مجموعة النهضة، والكلام عن أنه رئيس وزراء مستقل ويعبر عن التوافق الوطنى هو نوع من الضحك على الذقون لأن السيد مرسي دخل القصر الرئاسى ليس معه سوى الأحزاب الإسلامية، ونصف جماعة 6 أبريل، وبعض الشخصيات الناصرية والقومية التى خرجت على تيارها مثل الثلاثى قنديل (حمدى ووائل وعبد الحليم)، أى أن الولادة المتعثرة للحكومة بسبب التوافق الوطنى كذبة لا يصدقها أحد فحكومة مرسي فى الغالب ذات أغلبية إخوانية، ووزراء تكنوقراط خبراء من الإخوان، ووزراء سلفيين، ثم وزير أو اثنين من المتحالفين معه مثل محمد الصاوى.
المحصلة أن الرئيس مرسي وصل قصر الرئاسة، خالى الوفاض، ليس معه سوى مشروع وهمى اسمه النهضة، وخطة لمائة يوم أهم ما فيها وما يركز عليه الرئيس هو حملة وطن نظيف لجمع الزبالة من الشوارع، مع أن مشاكل مصر أكبر وأخطر من عدة أطنان من القمامة يجمعها الرئيس وشباب جماعته.
الإخوان كما بدا من ممارساتهم السياسية أضعف مما تصورنا بكثير، لكن فى نفس الوقت هزيمتهم لن تكون سهلة، وخطورتهم لا تزال حقيقية، فهم يملكون ترسانة أسلحة، وشباب أقسم على السمع والطاعة، بما فى ذلك العمل المسلح وحرق أقسام الشرطة والمصالح الحكومية، لكن المشكلة الأكبر أنه لا توجد كيانات سياسية أو شعبية، حتى الآن، جاهزة لمقاومة الإخوان بعدما أكل السوس عظم الجماعة وأوشكت على السقوط.
mhamdy12@yahoo.com

التعليقات