مصر الكبرى

07:14 صباحًا EET

هل يكون النّقاب طريقا لتضليل العدالة ؟

بقدر ما أثارت واقعة النّائب السّلفي "علي ونيس" الذي ضبط في وضع غير لائق مع فتاة في الطّريق العامّ الكثير من السّخرية والتهكّم، بقدر ما حملت دلالات كثيرة :

    أوّلا أنّه عضو منتخب في مجلس الشّعب المصري.    ثانيا أنّه ينتمي إلى حزب دينيّ سلفيّ.    ثالثا أنّه داعية وخطيب، يخطب في النّاس، ويقدّم لهم الموعظة والنّصيحة…
 ومن المفارقات أيضا أنّ الرّجل لم يضبط مع فتاة سافرة على حدّ تعبيرهم، بل مع منقّبة لإكمال الشّكل الظاهري الديني، حتى لو اختلف الفعل معه…
 ورغم شناعة الموقف، تبقى هناك دلالتان مهمّتان :
    الدّلالة الأولى أنّه من السّهل جدّا أن يكون الدّين ستارا لأعمال متناقضة تماما مع جوهره، لدرجة أنّ هذه الواقعة وغيرها من الوقائع التي بدأت تظهر مؤخّرا، مثل مقتل الشّاب الذي كان يسير مع خطيبته على يد مُلتحيين، فما هي إلّا كالأفلام الواقعيّة التي تفوق حبكتها ما كان يقوم به عادل إمام في أعماله الفنيّة التي كانت تكشف عن هذه الازدواجية عند العديد من الإسلاميين…    الدّلالة الثّانية تكمن في مسألة إخفاء الوجه المحدّد للهويّة والشخصيّة…
فاستعمال النّقاب هنا لم يكن من قبل السّافرات للتستّر وإخفاء الوجه، وإنّما استعمل من قبل الفتاة التي ارتكب معها "الدّاعية الإسلامي" الفعل الفاضح …
ودور النّقاب لم ينته بمجرّد عمليّة الضّبط، ولكنّه استمرّ بعد ذلك في خيط القضيّة نظرا لإطلاق سراحهما بناء على مكالمة من مدير أمن المحافظة على خلفيّة الشّعبيّة الدينيّة للشّيخ، وأنّه لا يمكن أن يقوم بذلك الفعل، وأنّ في الأمر من وجهة نظر المسؤول سوء فهم، ومن ثم يجب التكتّم على الموضوع.
إلاّ أنّ أفراد الحملة سجّلوا المحضر في قسم الشّرطة ولم يتنازلوا عنه… وهنا أصبحت أركان الجريمة مكوّنة من محضر بشهود من أفراد الدوريّة بالإضافة إلى مقاطع مصوّرة عن طريق الموبايل للحديث أثناء عمليّة القبض التي صُوّرت صدفة كعادة الفضوليين عندما يجدون ما يستحقّ التّصوير، إضافة إلى أنّ الفاعلين الشّيخ والفتاة قد تمّ السّماح لهما بمغادرة المكان أثناء ضبطهما متلبسين، دون التحقيق في شخص الفتاة…
وقد منعت في البداية الحصانة البرلمانية القبض على الشيخ، وبالتّالي كان الخيط الآخر هو الفتاة، وهنا وجدت النّيابة نفسها في أمر مُحيِّر، فلم يكن هناك وجه ظاهر للتعرّف على الفتاة الحقيقيّة، إذ أنّ الاسم الوهميّ الذي ذكرته أثناء عمليّة ضبطها مع "الشّيخ" كان اسما لإحدى الفتيات الأخريات… ومن هنا كان الخيط للوصول إلى الفتاة الحقيقيّة هو بصمة الصّوت ومطابقتها بتتبّع شريحة تليفونها الذي لعبت الصّدفة أن يستخدم أحد أمناء الشّرطة هاتفها ليبعث منه رسالة أثناء عمليّة ضبطها متلبّسة…
وعلى الرّغم من ذلك أنكرت الفتاة التّهمة استنادا إلى حجّة أنّ أحدا لم ير وجهها…
 وبصرف النّظر عن النّتيجة التي ستصل إليها التّحقيقات، فالواقعة تثير الكثير من الجدل داخل مجتمعاتنا، متمثلا في قضيّة النّقاب الذي بات حاضرا في عدد من الجرائم التي تُرتكب…
 وهنا يطرح السّؤال حول النّقاب، هل من الممكن أن يكون وسيلة لتضليل العدالة ؟ وأن ترتكب جرائم تحت هذا السّتار ؟ وهذا التساؤل ينقلنا إلى قضيّة الهويّة والشخصيّة وكيفيّة تحديدها، فهل تكون بالزيّ أم بوضوح ملامح الوجه… لو أنّ أيّ إنسان عرّى كامل جسده وغطّى وجهه لا يمكن أن يعرفه أحد، "فبصمة" الوجه تصبح هنا هي المحدّد الوحيد بما تحمله من مكوّنات شكل العينين والفم والأنف لشخصيّة أي إنسان. وبالتّالي فعند إخفاء هذه المكوّنات من الصّعب التعرّف على الإنسان الذي يختفي وراء النّقاب حتّى وإن كان أقرب النّاس إليك.
والسّؤال المنطقي الموجّه إلى التي تريد أن تضع النّقاب، وتخفى ملامح وجهها، أليست بذلك تعطي لنفسها الحقّ في رؤية الآخرين والتعرّف عليهم، وفي نفس الوقت تسلب منهم هذا الحقّ بحجبها لوجهها ولشخصيّتها عنهم. فهي بذلك مثل الذي يتخفى عن الآخرين ليرتكب جريمة، فعندما تخرج الفتاة وهي مُنقَّبة، فهي في حقيقة الأمر متخفيّة من وجهة نظر الآخرين الذين يجهلون هويّتها في حين أنّها تعرفهم، وقد تحقّق هذا التخفّي بشكل عمليّ في واقعة "الشّيخ ونيس" حيث ارتكب الفعل الفاضح، واستغرق وقتا وجهدا للتعرّف على الفتاة التي كانت منقّبة… ويمكن القياس على وقائع كثيرة ارتكبت باسم النّقاب، ليعاد طرح الموضوع من جديد حول إخفاء الملمح الوحيد المحدّد لهويّة الإنسان… بحجج قد تبدو واهية وتظهر نتائجها في أفعال تتعارض مع قيم الدّين والأخلاق والسّلوك العام.

التعليقات