مصر الكبرى

07:05 صباحًا EET

نشر تغطية «الجزيرة» و«العربية» المنحازة لجرائم الأسد!

الكاتب سلطان القاسمي مقالا في المجلة الأميركية «فورن بوليسي» بعنوان «Breaking the Arab News»، ينتقد فيه ما سماه التغطية المنحازة لقناتي «العربية» و«الجزيرة» للأوضاع في سوريا منذ اندلاع الثورة. في الحقيقة، مقال القاسمي مليء بالتحليلات، والنقاط غير الدقيقة التي تستسق وقفة نقدية.

لعلي أبدأ بالملاحظة الأولى حيث يشير الكاتب إن هاتين المحطتين اعتمدتا على المقاطع التي يبعث بها الثوار أو يبثونها على مواقع الإنترنت المختلفة، ويشير إلى أن هذه العمل يخالف المعايير المهنية. يعلم الكاتب قبل غيره أن هناك الكثير من الصحافيين يتمنون أن يدخلوا إلى الأراضي السورية للتغطية من هناك، ولكنه بالطبع غير مسموح لهم، لأن النظام البعثي يمنعهم من ذلك، حتى يقوم بارتكاب المجازر بحق الأبرياء تحت ستار من الصمت والتعتيم. ثم إن الصحافيين الذين استطاعوا الدخول عبر التهريب، وبعضهم قتل بنيران النظام، كشفوا عن حقيقة عمليات القتل الوحشية والتصفيات التي قام بها الشبيحة وأجهزة الأمن. الحقيقة أن الشبيحة أنفسهم هم من قام بتصوير مشاهد القتل والتعذيب بهدف بث الرعب في قلوب الناس. أما بالنسبة للقطات التي يصورها الثوار، فهي تتكون في العادة من صور ومقاطع فيديو لا يمكن اختلاقها والتلاعب بها. نعرف أن الناس قد يحرفون الحقائق أحيانا ويخدعون، ولكن ما يحدث في سوريا من جرائم لا يمكن اختلاقها أو حتى تحريفها، لأنه لا يمكن لك ببساطة أن تخلق مثل مجزرة «الحولة» من العدم.. ربما فقط نشك في كل هذا إذا لم نكن نتحدث عن نظام الأسد المعروف بطبيعته القمعية الدموية.
الملاحظة الثانية هي تشبيه الكاتب المقاطع التي تبث من سوريا بالمقاطع التي تسمح قناة الـ«سي إن إن» ببثها في موقع «CNN iReport» المخصص للهواة. هل مقاطع قتل وتقطيع الأطفال (حمزة الخطيب مثلا) تشبه المقاطع العادية التي ينشرها أحد الهواة عن هوايته في التسلق أو ركوب الدراجات؟! هذه نقطة تعكس فقط الخلط في الرؤية المراهقة للكاتب حول القصة كلها. ثم إنه يجب ألا ننسى أن أغلب وسائل العالم غطت الثورة الإيرانية الخضراء عام 2009 بالاعتماد على المقاطع التي بثها الناشطون الإيرانيون، وهي التي كشفت عن طبيعة الأزمة. هذا ما قامت به قناة الـ«سي إن إن» في الكثير من برامجها، منها برنامج الصحافي فريد زكريا «جي بي إس». هذه هي نفس المحطة الأميركية التي يتهكم الكاتب بأنها تسمح فقط للهواة بالاعتماد على ذات الوسيلة للتغطية الصحافية.
يقول الكاتب إن المحطتين استغلتا صعوبات التغطية الميدانية للاعتماد على هذه المقاطع التي تنسجم مع توجهاتهما. هذا غير صحيح أيضا.
من المعروف أن «الجزيرة» و«العربية» (بغض النظر إذا كنت تختلف أو تتفق معهما) خسرتا الكثير من صحافييها في العراق في ذروة أوقات التفجير التي تلت الغزو الأميركي عام 2003 وامتدت لسنوات. «العربية» تعرض مكتبها للتفجير بالكامل. لا أعتقد أن هاتين المحطتين أو غيرهما من وسائل الإعلام تبحث عن الأعذار، ولكن النظام هو الذي يمنعها لأنه يدرك نوعية الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها ولا يريد لها أن تظهر على أكثر الشاشات متابعة في العالم العربي.
على الرغم من أن «العربية» و«الجزيرة» منعتا من دخول الأراضي السورية (على العكس من المحطات المؤيدة التي تغطي على الجرائم)، إلا أنهما قامتا باستضافة المدافعين عن النظام في الكثير من البرامج حتى يعبروا عن آرائهم حول القضايا المثارة. لهذا، غير صحيح حديث الكاتب القاسمي عن الانحياز إلى طرف واحد ضد آخر. وأشار الكاتب أيضا إلى تجاهل دخول مجموعات متطرفة في صفوف الثوار. هذا أيضا غير صحيح. مثلا جريدة «الشرق الأوسط» التي أشار إليها الكاتب في مقاله باعتبارها أيضا غير أمينة في تغطيتها، نشرت الكثير من التقارير والمقالات التي تتحدث عن هذه المسألة التي حدثت كما يعرف الجميع بسبب تزايد عمليات القتل الرهيبة وتخاذل القوى الدولية في الوقوف بجانب المواطنين السوريين. أذكر من هذه المقالات مقالا كتبه الأستاذ مشاري الذايدي وجاء بعنوان محذر ومعبر تماما وهو «هل هو الجهاد في سوريا؟»، وكتب فيه بطريقة لا لبس فيها «أن الثورة في سوريا بدأت حرة وطنية متعالية على كل النزعات الطائفية، وكان الشعار الجامع للثورة: «واحد واحد واحد.. الشعب السوري واحد»، وكان يتم تسمية كتائب (الجيش الحر) بأسماء رموز وطنية مناضلة مثل سلطان باشا الأطرش وصالح العلي، الأول درزي والثاني علوي. لكن، مع استمرار التخاذل – إن لم يكن التآمر الدولي – والفجور في القتل من قبل الأسد، حشر الأهالي في الزاوية، ولم يبق إلا الدفاع عن النفس بكل ما هو متاح، ومن ضمن ما هو متاح: الحرب باسم الدين».
وذكر الكاتب أن قناة «العربية» اعتبرت رجل الدين عدنان العرور رمزا للثورة السورية، على الرغم من دعوته كما يقول الكاتب «لتقطيع العلويين». لم أجد أي شيء يدل فعلا على مثل هذا الزعم سوى تقرير وحيد نشر على موقع «العربية نت» يتحدث فعلا عن رمزية العرور، ولكن لا يوجد أي مقابلات للعرور على المحطة نفسها، فضلا عن الترويج له. نفهم أن الوسيلة الإعلامية، أي وسيلة إعلامية، لا تكتفي بموضوع واحد إذا ما أرادت تحويل شخصية ما إلى رمز. لكننا نعرف أن أكثر شخصية ارتبط اسمها بالثورة السورية وتم تداول اسمها في وسائل الإعلام العربية، ومن بينها «العربية»، هو اسم المفكر برهان غليون المعروف بوطنيته وتسامحه. لماذا إذن لم يدّعِ الكاتب بأن برهان هو رمز الثورة؟ الجواب واضح وهو أن اسم العرور ينسجم مع السيناريو الذي رسمه الكاتب لمقاله، ولكنه يتجاهل اسم غليون تماما لأنه يعاكس هذا السيناريو. فكرة غير متماسكة إطلاقا.
حتى يمكن اعتبار ما طرحه القاسمي، لابد من استحضار ان هذا الطرح يأتي في سياق خطاب إعلامي متصاعد بعد الثورات، يقوده الشباب ويروج له في مواقع التواصل الاجتماعية. صحيح أن هذا الخطاب يسعى لأن يقول شيئا جديدا، ولكنه في الغالب غير دقيق، ويسعى لإثارة العواطف الجماهيرية. ينتشر مثل هذا الخطاب بسبب سهولة وإغراء الكتابة الصحافية المجيشة عاطفيا والجالبة لمزيد من المعجبين في مواقع مثل «توتير». ويجد مثل هذا الخطاب قبولا في وسائل الإعلام الغربية، التي باتت تبحث في الفترة الأخيرة عن المثير وما يروق إلى ذوق قرائها الغربيين حتى لو افتقد المنطق المتماسك. مثلا مجلة الـ«فورن بوليسي» المعروفة برصانتها وعمق ما يطرح فيها باتت الان تقبل على نشر بعض الطروحات او المقالات التي لا تستند غلي اساس علمي او بحثي، حدير بالنقاش مما يضر بمكانتها.
لا يمكن بالطبع اعتبار تغطيات وسائل الإعلام العربية محايدة بالكامل، خصوصا في ظل ظروف المنع والقتل والترهيب، ولكنها بالتأكيد صحيحة، لأننا نتحدث هنا عن نظام وحشي، سفك الكثير من الدماء البريئة داخل وخارج سوريا. ومهما كانت الدوافع أو المصالح الضيقة التي يشير إليها الكاتب، فمن الخير للبشرية أن يقتلع هذا النظام الدموي للأبد.

التعليقات