مصر الكبرى

09:53 مساءً EET

رؤية واشنطن القاصرة لمصر

مع حصار مصر بين جيش يتلكأ في تسليم مقاليد السلطة ورئيس إسلامي منتخب حديثا شغوف بالأخذ بزمامها، توافد سيل من المسؤولين الأميركيين إلى القاهرة لدفع الطرفين نحو حل وسط،

لكن التركيز على الصراع بين النخب الحاكمة والتزامهم بمعاهدة السلام مع إسرائيل، جعل الولايات المتحدة تتجاهل مشكلات مصر الكبرى، تلك التي دفعت المصريين الغاضبين إلى الإطاحة بالرئيس الذي حكم مصر لأكثر من ثلاثة عقود.
في أعقاب ثورة العام الماضي التي أسقطت حسني مبارك، شكل المجلس العسكري، الذي تولى السلطة خلفا للرئيس، تحالفا مع الإخوان المسلمين الذين قمعهم، وسعى المجلس إلى تجنب المظاهرات واسعة النطاق التي أصابت البلاد بالشلل خلال الثورة.
أراد الإخوان المسلمون، الحركة السياسية الأكثر تنظيما في البلاد، إجراء انتخابات سريعة، عند هذه النقطة عارضت الجماعة المظاهرات التي يمكن أن يستخدمها المجلس العسكري ذريعة لوقف الانتخابات.
في أعقاب الانتصار المؤثر في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، لم يعد الإخوان المسلمون بحاجة إلى الجنرالات، واليوم يخوض الاثنان صراعا على السلطة يسعى فيه العسكر إلى حماية امتيازاتهم في الميزانية ومصالحهم التجارية من القادة المنتخبين الجدد الطامحين إلى تأكيد سلطتهم، لم يلق الجيش اهتماما في السابق للإشراف المدني، ويدير مئات الشركات التي تنتج كل شيء، بدءا من المركبات إلى زيت الزيتون، والتي تعتمد على الدعم الحكومي السخي لحكومة تعاني من ضائقة مالية تسعى إلى سدها.
دخلت واشنطن، خلال الأسابيع القليلة الماضية، على خط الصراع الدائر، فوصلت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون إلى القاهرة معلنة أن «الولايات المتحدة تدعم الانتقال الكامل إلى الحكم المدني»، كما وصل الأسبوع الماضي، ليون بانيتا، وزير الدفاع حاملا نفس الرسالة معلنا التزام واشنطن بمساعدة مصر في استكمال التحول نحو الحكم المدني الشامل.
ما غاب في رؤية واشنطن القاصرة بشأن التحول الديمقراطي هو التفهم للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي دفعت المصريين إلى النزول إلى الشوارع العام الماضي وكيفية مساعدة الدولة في التصدي لها. كانت المظاهرات التي شاهدها السياسيون الأميركيون على شاشة التلفزيون تبدو أشبه بمظاهرات مؤيدة للديمقراطية، لكن الحقيقة في ميدان التحرير كانت أكثر اختلافا.
وقد حكى لي المصريون خلال الثورة التي استمرت على مدى 18 يوما عن سلسلة المظالم، بدءا من عدم وجود مساكن بأسعار معقولة إلى تردي الخدمات الصحية، ما وحد هذه المجموعات المختلفة كان السخط على نظام مبارك الذي فقد الاتصال مع مواطنيه وأثرى عوضا عن ذلك مؤيديه السياسيين.
واليوم يركز المصريون على تطهير النظام السياسي المتحجر الذي حال دون الحراك الاجتماعي ويعج بالفساد، وكل شيء فيه، بدءا من الحصول على وظيفة أو رخصة قيادة لا بد من الرشوة. يشكل الإصلاح الأمني أولوية بالنسبة للأفراد الذين تعرضوا للاضطهاد على أيدي مسؤولي الاستخبارات ومسؤولي الشرطة الذين قادوا حملات عشوائية وغير نظامية، وتعاني مصر من بيروقراطية متضخمة وغير فعالة إلى حد بعيد، غير قادرة على استيعاب خريجي الجامعات الجدد مع غياب فرص العمل الأخرى وخدمات حكومية رديئة للغاية وربما تكون معدومة.
ورغم توقع المصريين أن تتعامل حكومة ما بعد مبارك مع هذه المخاوف، لكن سجل الجيش كان مشوشا إلى حد بعيد، فقد كان متباطئا بشكل كبير في الإذعان للمطالب بتقديم الرئيس السابق للمحاكمة، نظرا لأن هؤلاء الرجال كانوا خصوما أساسيين للمجلس العسكري، لكن المجلس حمى شركاءه التجاريين من الملاحقة القضائية.
تسليم السلطة إلى القادة المدنيين الجدد لن يحل المعضلات التي تواجهها البلاد، والحقيقة أنها قد تفاقمها، فستركز جماعة الإخوان من دون شك على إصلاح المؤسسات المنكوبة، لكنها ستسعى أيضا إلى هيكلة النظام القضائي، الذي يرى نفسه خط الدفاع الأخير ضد الهجمة الإسلامية التي غمرت المجتمع.
وكجزء من هذه الحملة، أبطلت المحكمة الدستورية العليا الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أتت بالإخوان المسلمين إلى السلطة، وللتخفيف من حدة نفوذ القضاة، يعكف الإسلاميون على التخلص من القضاة الذين عينهم مبارك والذين رضخوا لقمع الدولة ضدهم، لكن رغم قيام الهيئة القضائية في بعض الأوقات بتسهيل أجندة النظام، فقد أثبتت نفسها أيضا كخصم صريح، مطالبة بالفصل بين السلطات.
خلال صراع المجلس العسكري والإخوان المسلمين على السلطة تجاهل الاثنان الإصلاحات التي ينادي بها المصريون، ومن خلال تركيزها على الصراع بين هذين الفصيلين، تساعد واشنطن في استمرار حالة النسيان هذه، وبدلا من التركيز على انتقال السلطة ينبغي على الولايات المتحدة حث حكام مصر الجدد على الاستجابة بشكل أفضل لمطالب أهلها الساخطين.
علاوة على ذلك، فإن تساؤلات واشنطن بشأن موقف القاهرة من اتفاقية السلام مع إسرائيل هي هزيمة للذات، فإذا كان الموقف الاقتصادي في مصر متدهورا، والحكومة المصرية غير قادرة على تلبية احتياجات مواطنيها، سيظهر سياسيون ذوو شعبية يزعمون أنهم قادرون على ذلك، وفي بلد متفجر كما هو الحال في مصر، سيستغلون من دون شك موضوعا بقدر حساسية كامب ديفيد لجذب الناخبين اليائسين.
يتوقع أن يتعثر القادة المنتخبون الذين تولوا السلطة بعد 60 عاما من الحكم الشمولي، ولذا ينبغي على واشنطن أن تساعدهم في تجنب هذه المزالق، لكن إذا واصلت الولايات المتحدة إهمال هذه المشاكل الهيكلية، سيخاطر قادة مصر الجدد بالوقوع في نفس الفخاخ التي سقط فيها أسلافهم.

التعليقات