مصر الكبرى

07:22 صباحًا EET

توفيق عكاشة

كان بوسع توفيق عكاشة أن «يبقّ البحصة» قبل أن يوقفوا قناة «الفراعين» حتى إشعار آخر، بعدما أوغل في تحليلاته وتصنيفاته وتفسيراته الشخصية وإملاءاته -إن أمكن القول-، بوصفه مالكاً أوحد للقناة ومتحكماً بأحداث لم تكن في جوهرها تحتمل كل هذه الخفة التي كان يبديها في كشفها عبر برنامجه اليومي.

عكاشة وإن أهدر دم الرئيس المصري محمد مرسي في آخر مناظرة له، قبل أن «يخلع» من الفضاء، فإن «البحصة» التي نتحدث عنها تكمن في مكان آخر، لأن من شأن القضاء المصري أن يقول كلمته الفصل في تهديد «الريس» عبر «الفراعين»، وحتى يتم ذلك، يمكن اعتبار ذلك شأناً خاصاً في مكان، وسيادياً في مكان آخر، لا نعرف كيف سينظر فيه، وليس من شأن هذه الكلمات التعليق عليه. لكن الأكيد أن قناة «الفراعين» أُوقفت ومُنع صاحبها ومالكها عكاشة من مواصلة إطلاق دعاباته المتواصلة التي لم تكن تنتهي عادة إلا بالنسج على فضائح وتعليقات «كيدية» شخصية متداخلة بتصريحات غريبة، عن محاربة مخابرات غربية وإسرائيلية قناته في أوقات سابقة لأنها – وفق عكاشة – الأولى عربياً. فهو لم يكن يرف له جفن عندما كان يفاجئنا بقوله إن مليون مشاهد كانوا يتابعون برنامجه الصباحي كل يوم. لم يكن ثمة من يأخذ كلامه على محمل الجد، إذ لم ينبس الرجل بكلام منطقي، وأصبح مادة دسمة للتندر في وسائل الاعلام المصري تحديداً، ومنذ أن أطلق «قناة الفلول» في الفضاء، لم يتوقف الرجل عن الدخول في مشاحنات شخصية وعامة راكمت عليه ديوناً بلغت 15 مليون جنيه، اضطرته في مواقف كثيرة إلى التوقف عن دفع الرواتب لموظفيه.
الآن يكشف عكاشة ببساطة أن اسرائيل لم تكن في صف المخابرات التي كانت تهدد قناته، وأنه يرتبط بعلاقات وثيقة مع شخصيات إسرائيلية رفيعة، بل زاد شجاعته حين قال إن العرب لا يمتلكون من فلسطين إلا المسجد الأقصى فقط. هنا لا يعود الأمر شأناً خاصاً من شؤون الدكتور عكاشة، فلم تكن قضية «أولها فَلَسْ وآخرها طين» كما قد يتصور صاحب قناة وُلدت في خضم فوضى الفضاء العربي، ولم يكن ممكناً الضميرَ المستجدَّ هنا أن يُعلي شأنَ كل واقف على ناصية هذا الوعي ليطلق أحكاماً ويشرِّع يمنة ويسرى، فقد تستوي كل القيم ويتداخل بعضها ببعض الى درجة فقدان ملكات الحكم والتمييز، وتختفي الحدود بين درجات الوعي، ولا يعود ينفع فصل القضاء والقانون. وقد لا تنفع معه العودة إلى حالة الهدر المقيت، لأن المأساة لم تكن يوماً في وجه منها إلا أزمة في العقل العربي، الذي أصابه الوعي الشقي في بعض تجلياته ولحظات استرخائه وكسله في مقتل لم يكن ممكناً حدوثُه لو لم تكن المسألة مجرد إفلاس وطين وسخام لدى بعضهم.

التعليقات