مصر الكبرى

10:33 مساءً EET

حديث المناظرة: من سيدير المديرين؟

يوم الخميس ستشهد مصر حدثا ربما سيكون فى قوة مشهد دخول مبارك قفص الاتهام فى المحكمة، وهو أول مناظرة رسمية حقيقية بين اثنين من أبرز المرشحين للرئاسة، وهما د. عبد المنعم أبو الفتوح، والسيد عمرو موسى. وحسب ماذكرت التقارير فإن المناظرة سيديرها كل من حافظ المرازى ويسرى فودة ومنى الشاذلى وريم ماجد وعمرو خفاجى. ونظرا لأهمية المناظرة والحدث فإننى أود رصد بعض النقاط الضرورية بشأنها مستعينا بالتجربة الأمريكية القديمة فى هذا المجال.

الأمر الأول يرتبط بمعايير اختيار المرشحين المشاركين فى المناظرة. ففى الولايات المتحدة شهدنا مثلا عشرين مناظرة فى الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهورى هذا العام، كان عدد المشاركين فيها يصل أحيانا إلى ثمانية مرشحين يزدحم بهم المسرح، وذلك أن هناك نسبة معينة ينبغى أن يصل إليها المرشح فى استطلاعات الرأى العام ليسمح له بالمشاركة. وبالطبع فإن عدد المرشحين أخذ يقل مع الوقت بسبب انسحاب البعض أو انحسار نسبة تأييده. هذا الأمر ينطبق أيضا على الانتخابات العامة والتى تجرى فيها المناظرات بشكل تقليدى بين المرشحين الديمقراطى والجمهوري وتكون غالبا ثلاث مناظرات. إلا أنه أحيانا يتم إدخال مرشح ثالث مستقل فى المناظرات إذا حظى بنسبة تأييد معقولة، كما حدث عام 1992، حيث انضم المرشح المستقل روس بيرو إلى المناظرات مع الرئيس الجمهورى الأسبق جورج بوش الأب ومنافسه الديمقراطى بيل كلينتون، ذلك أن الاستطلاعات أكدت أن نسبة تأييد بيرو تصل إلى نحو 20% بما يؤهله للمشاركة فى المناظرات، وقد كان له بالفعل تأثير كبير فيها، وفى نتيجة الانتخابات بعد ذلك التى انتهت بانتصار كلينتون.
لكن العامل الأساسى فى تطبيق ذلك هو دقة استطلاعات الرأى العام التى أصبحت تقدم أرقاما تقترب كثيرا من النتيجة النهائية للانتخابات بحيث أصبح يعتمد عليها إلى حد كبير.أما فى مصر فليس لدينا مثل هذه الاستطلاعات الدقيقة، وبالتالى لايمكن أن نعرف من يستحق المشاركة أو من يجب استبعاده من المناظرات، ومن يستمر فى المنافسة أو من ينبغى أن ينسحب منها حتى لايتسبب فى تفتيت الأصوات.
ومع هذا فإنه يمكن القول إن هناك ستة مرشحين أقوياء حتى وإن تفاوتت نسبة تأييد كل منهم عن الآخر وهم: عبد المنعم أبو الفتوح، عمرو موسى، محمد المرسى، حمدين صباحى وأحمد شفيق وخالد على. ويمكن اختزال هذه القائمة إلى ثلاثة لاأعتقد أن الرئيس سيخرج عنهم: أبو الفتوح وموسى والمرسى، وهو تقدير شخصى قد يصيب أويخطئ دون استناد لدراسات رأى عام علمية ودقيقة.  لذلك أنا لا أفهم سبب إجراء المناظرة بين اثنين فقط من المرشحين. ولايمكن أن يكون الحل بإجراء مناظرات فى نفس القناة أو فى قنوات أخرى للمرشحين الذين لم يشاركوا فى هذه المناظرة. فالقضية هى وجودهم معا على المسرح أمام المشاهدين للمقارنة بينهم بدون حواجز. كما أننى لاأفهم أن يترك أمر المناظرات للتفاهم أو ربما الصفقات بين المرشحين وبعض المؤسسات التليفزيونية والصحفية. ففى الولايات المتحدة تقوم اللجنة المشرفة على الانتخابات التمهيدية أو العامة بتظيم هذه المناظرات ووضع جداول زمنية لها وأماكن إقامتها وتحديد الوسيلة الإعلامية التى ستتولى تنظيمها وفق معايير معلنة ومعروفة من قبلها بشهور. فالقناة التليفزيونية يمكنها أن تجرى أى حوار تريده مع أى من المرشحين كيفما تشاء ، ولكن عندما يتعلق الأمر بالمناظرات فإنها ستكون ترويجا كبيرا لمن يشاركون فيها ولاينبغى أن يسمح بإجرائها إلا طبق معايير مهنية محترمة ومحايدة تسمح بمشاركة كل من يحظى بنسبة معقولة من التأييد.
الأمر الآخر الهام يتعلق بإسلوب إدارة المناظرات، وهو أمر ينبغى أن تحكمه المعايير المهنية المجردة. وأغلب الإعلاميين المشاركين فى إدارة هذه المناظرة هم أصدقاء شخصيون تجمعنى بهم مودة واحترام متبادل. وأعتقد أن أيا منهم قادر على إدارة مثل هذه المناظرة بمفرده أو مع آخرين، وهنا تأتى المشكلة التى ربما لايدركها البعض: وهى أن المنافسة بين من يديرون الحوار من الإعلاميين قد لاتقل عن تلك التى بين المرشحين، بل إنها أحيانا تكون أكثر ضراوة. ومالم تكن هناك قواعد صارمة لإدارة الحوار فإن هذه المنافسة المشروعة بينهم قد تتحول إلى صراع يلتقطه المشاهد وربما يجذب الانتباه بعيدا عن المنافسة الحقيقية الأكثر أهمية بين المرشحين. فالمناظرة ماهى إلا وسيلة لخدمة المشاهد بحيث يكون قراره باختيار أحد المرشحين مبنيا على فهم معقول ليس فقط لأفكاره ولكن أيضا لشخصيته وكيفية تفاعله مع المواقف المختلفة أو الأسئلة المفاجئة وغير المتوقعة. لّذلك لاينبغى أن تترك أمور المناظرات بدون إدارة مهنية وحازمة لها. والسؤال الآن: من يدير هذه المناظرات.؟ إن عدد الإعلاميين كما هو واضح يصل إلى خمسة، فكيف سيتم التنسيق بينهم؟ إن أقصى مايمكنهم عمله فى هذه الحالة هو وضع إطار زمنى محدد لايتجاوزه أى منهم لطرح الأسئلة أو الموضوعات التى يتناولها. لكن مايحدث أثناء التنفيذ أمر مختلف. لذلك تحرص الشبكات الأمريكية على أن يكون هناك مدير واحد للمناظرة، يكون مسئولا ليس فقط عن المرشحين وضمان التزامهم بقواعد الحوار المتفق عليها، ولكن أيضا أن يكون مسئولا عن الإعلاميين الآخرين معه بحيث ينتقل من صحفى إلى آخر ثم العودة إلى أى منهم إذا اقتضى الأمر. وعادة يتم الاتفاق على فترة زمنية محددة لإجابة المرشح عن الأسئلة حتى لايحتكر مرشح أغلب الوقت، كما يعطى كل من المرشحين حق الرد فى إطار زمنى مناسب ومتفق عليه أيضا لكنهم عادة مايتجاوزون وقتهم المحدد، هنا يتدخل مدير الندوة لضبط التوقيت أو منح المرشح الآخر فرصة للرد، أو أن يقوم هو بمتابعة السؤال والموضوع المطروح أو العودة للإعلامى الذى طرح السؤال ليتابع نفس الموضوع مع ضمان ألا يتجاوز فى كل ذلك الإطار العام بحيث لايطغى موضوع على الآخر. هذا الأمر ينبغى أن يطبق أيضا على الإعلاميين الذين يسألون، حيث يتولى مدير المناظرة  ضبط عملهم وعدم تجاوز أحدهم للآخرين فى محاولته أو محاولتها أبراز التفوق أو الحصول على فترة أطول. ربما يقول البعض إنهم جميعا صحفيون محترفون وسيحترمون مايتفقون عليه، لكنى أحذر من أن ذلك غير ممكن بدون مدير له خبرة فى إدارة مثل هذه الأمور. إن هذه المناظرات أكثر أهمية من أن تترك لعامل الصدفة أو حسن النوايا. ثم إنه فى المناظرات التليفزيونية يتم أحيانا التوقف للاستراحة أو إدخال بعض المواد المسجلة مسبقا، أو الانتقال إلى الجمهور أو أخذ أسئلة من الإنترنت أو عبر الستالايت، فمن سيتولى كل هذه الأمور. إن الإدارة الجماعية للمناظرات غير عملية وقد تؤدى إلى الفوضى وفشل المناظرة، لذلك أقترح ضرورة أن يتم تحديد مدير لكل ندوة من الإعلاميين الخمسة، وربما يتبادلون هذا الدور فى المناظرات القادمة بما يمنع تحولها من منافسة مطلوبة بين المرشحين، إلى صراع استعراضى مدمر بين الإعلاميين.   

التعليقات