آراء حرة

03:04 مساءً EET

محمود الجمل يكتب : مدينة الجيش

لو لم تكن السويس مدينة الجيش الثالث , لكانت ازمة سكانها كبيرة , في ظل ادارة محلية قليلة الحيلة , فقيرة الخيال , محدودة القدرات , يحكم اداء افرادها الأهواء , تحركهم اطماعهم الخاصه والرغبة في الكسب غير المشروع , خاصة وان السويس مدينة اعتاد اهلها الاحتفاء بالغرباء وتكريمهم وتبجيلهم , بغض النظر عن جدارة بعضهم بهذا الاحتفاء من عدمه . نجد هذا في التعامل مع ضباط الشرطة – تحديدا قبل ثورة يناير – ومع قيادات الادارة المحلية .

ضباط الشرطة , لأن القرب منهم يعني القرب من السلطة في شكلها الغاشم, خاصة من قبل التجار الذين تشوب حركتهم الشكوك , فيحرص هؤلاء علي توطيد علاقاتهم ببعض اصحاب الرتب الكبيرة , من خلال منحهم وحدات سكنية مميزة بابراجهم , بتخفيضات هائلة واحيانا بلامقابل , فقط بعض الحماية , والوقائع اكثر مما ان تحصي , كأن يقوم ضابط صغير باستيقاف سيارة مخالفة اثناء عودتها من سيناء عبر النفق , فيقوم قائدها وهو تاجر سيارات كبير وابن تاجر سيارات كبير , اي كابر عن كابر , بالأتصال بمدير امن السويس في هذا الوقت محتجا علي التصرف الفطري الملتزم بالقانون من قبل الضابط الصغير الذي لم تلحق به بعد مظاهر التلوث بالمال الحرام , فيقوم المدير المرتشي – يحاكم الان بتهمة التربح غير المشروع – بالاتصال بالضابط لاثنائه عن الحصول علي رخص الكابر ابن الكابر , فيأبي الضابط الصغير , فلايملك المدير الا ان يؤمر بتحويله للمسائلة وكأنه هو المخالف . ايضا كان القرب من المحافظين وسكرتيري العموم وحتي رؤساء الأحياء ومديري الادارات الهندسية وحتي الفنيين ومراقبي المناطق , كان هدفاّ للعشرات من اجل الحصول علي امتيازات خاصة , من خلال تخصيص اراضي خارج خرائط التقسيم لبعض اعضاء المجلس المحلي , فيقومون ببيعها بمئات الالاف من الجنيهات , او ان يقوم احدهم ببناء اربعة عمارات ضخمة في مدخل السويس بالقرب من المستشفي العسكري الجديد , وتكون هذه العمارات سر سعده , حتي بات الان واحدا من كبار المضاربين علي اراضي المحافظة وباتت المزادات المتعاقبة لايشاهد فيها الاهو وثلاثة اخرين , نجحوا في اشعال سوق العقارات بالسويس , حتي صرنا المدينه الاغلي علي مستوي مصر كلها , بل اصبح من الممكن الحصول علي شقه فاخرة بالتجمع الخامس بسعر اقل من شقق ابراج المحروسة . اما رؤساءالاحياء فحدث ولاحرج , احدهم قاد حملة جبارة لازالة كشك من خلف محطة اسو بدعوي مخالفته , في الوقت الذي تم فيه زرع كشك عملاق في مواجهة ارض المعارض , لاأدري ان كان هذا مشروعا , بعد ان باتت شوارع السويس وميادينها مباحه ومستباحه ومنتهكه , ولعل مايجري في قلب ميادين الأربعين والأسعاف من اغتصاب مهين لكافة الأرصفة وحرم الشوارع والاعتداء بصورة مزرية علي حقوق الناس في السير وحق راكبي السيارات في المرور , يؤكد اننا امام ادارة محلية مشغولة فقط باقامة المزادات لبيع ماتبقي من اراضي السويس وباسرع الطرق الممكنة , في ظل غياب الشفافية وعدم الأعلان الواضح عن حجم الأراضي التي بيعت وبكم بيعت وكيف يتم التصرف في الأموال المحصلة , ثم الحصول علي المكافات المشروعة طبقا للائحة وهي تصل الي الاف الجنيهات يحصدها قلة , تماما مثلما يحدث في احد مشروعات المحافظة , حيث تسمح اللائحة الجائرة التي اقرت في عهد محافظ سابق لقلة بالحصول علي عشرات الالاف من الجنيهات من حصيلة الغرامات والجزاءات , في الوقت الذي يعاني فيه باقي العاملون بالمشروع من قلة الموارد وعدم كفاية الاجور . انه التناقض الذي كان سببا في تفجير ثورة يناير , وهي ثورة قابلة للتكرار , ولكن بصورة اكثر عنفا ان لم يتم تدارك هذه الفجوات الهائلة , ولأنه اذا لم يحصل الناس علي حقوقهم المشروعه والمستحقة بالقانون , فأن لغة العنف – التي لانرجوها – سوف تكون هي الوسيلة الوحيدة للحصول علي الحقوق . وسط هذا المستنقع المحلي المليئ بالأوبئة البشرية المتحركة , يجئ الجيش الثالث الميداني بقادته وضباطه وجنوده كطوق نجاة لالاف الغرقي من ابناء السويس وسكانها . لاأقول اننا امام ادارة موازية , فالمقارنة مجحفة بين موظفي الادارة المحلية اصحاب القدرات المحدودة والهمم الفاترة وبين الادارة الخلاقة والمنضبطة لقيادات الجيش الثالث , ومن قبلهم يأتي طيب الأسم ” الفريق صدقي صبحي ” العاشق الكبير للسويس وراعيها الروحي وصاحب الأيادي البيضاء علي الكثيرين من ابنائها بلا أعلان وبلا منه , وهو صاحب العديد من المبادرات الخاصة بالمشروعات التي تمت بالفعل علي ارض السويس , واهمها المستشفي العسكري الجديد بتكلفته الكبيرة وامكانياته العالية , واسواق بدر , التي بدأت صغيرة , ثم تطورت لتنافس الأسواق ذات الأسماءالعالمية , وعندما يعلم البعض بأن قيمة مايتم بيعه يوميا يصل لقرابة ربع مليون جنيه , سوف ندرك ان ماتم كان مشروعا كبيرا لبي طموحات شعب السويس المطحون بفعل قيادات محلية محدودة القيمة غير قادرة علي ضبط حركة السير في ميدان واحد . لو لم يكن الجيش حاضرا بعتاده وجنوده ورجاله المتخصصين , ماكان يمكن ان يضاف الي اراضي هذه المدينة الاف الصوب الزراعية المنتجة بجهود رجال فوج الانتاج الزراعي والحيواني , وماكان يمكن لمشروعات الرصف لشوارع السويس ان تتم وفق معايير علمية صارمة . ان عشرات المنافذ المخصصة لبيع منتجات الجيش والمنتشرة بطول المحافظة وعرضها , باتت تشكل الملاذ الاّمن لسكان المناطق والأحياء . تبقي اندية الجيش المفتوحة مصادر للبهجة للنخبة وللبسطاء , ويبقي قادته وهم الأهم مصادر للحكمة ومقصدا للمختلفين لكي يحكموا فيما شجر بينهم .

التعليقات