كتاب 11

07:27 صباحًا EET

أمور يجب مواجهتها

تحدثت فى مقال سابق عن اهمية ان نضع لبلدنا نظام حكم يناسبنا ويتفق مع طبيعتنا وقدرتنا على التعامل معه وان يكون قابلا للتنفيذ على ارض الواقع وليس مجرد شعارا أو مصطلحا يتم ترديده فى كل مناسبة رغم عدم القدرة على تنفيذه فى الواقع لعدم مناسبته مع مجتمعنا .

ولكى نستطيع ان نصل للوضع الامثل فيجب ان نواجه عيوبنا بكل شجاعة وجرأة وصراحة ونتخلى عن دفن رؤوسنا فى الرمال ، ولذلك نتحدث فى هذا المقال عن امور يجب مواجهتها وعدم المماطلة فى اتخاذ قرارات حاسمة وحازمة اذا كنا نبغى فعلا اصلاح احوالنا المجتمعية . ولتكن البداية بموضوع الاجور للعاملين بالدولة والاحاديث الكثيرة التى تناولها المسئولين حول تحديد الحد الادنى والاقصى للاجور ، ومحاولة البعض تصوير الوضع انه من الصعب جدا رفع الحد الادنى للاجور بحجة عدم توافر الموارد اللازمة لذلك . والحقيقة ان كل ما يردده المسئولين عن ذلك غير منطقى بالمرة لسبب بسيط جدا وهو ان الموارد المطلوبة لتحقيق زيادة الحد الادنى الى 1200 جنيه هو عشرون مليار جنيه ، واذا نظرنا الى اجمالى المبالغ التى يتم دفعها لمن يتم تعيينهم كمستشارين نجد انه نفس المبلغ وهو عشرون مليار جنيه ، اذن نحن لسنا فى حاجة الى بذل مجهود ذهنى كبير لتحديد الموارد المطلوبة ، حيث يكفى اتخاذ قرار بإلغاء تعيين كافة المستشارين على مستوى كافة الاجهزة الحكومية وبالتالى نوجه المبالغ التى كان يحصل عليها المستشارين الى صغار العاملين بالدولة وهم ملايين يعيشون تحت خط الفقر ويلجأوا الى اساليب لا نرضاها لكى يحصلوا على احتياجاتهم . ولا اعتقد ان الدولة ستتأثر بالغاء تعيين المستشارين لأسباب منطقية وهى ان كل وزارة بها العديد من وكلاء الوزارة ومديرو العموم فى التخصصات المختلفة والذين من المفترض انهم على دراية كاملة بأمور الوزارة والا لايستحقوا ان يشغلوا مناصبهم ، بالاضافة الى ان الوزير لو افترضنا انه يحتاج الى عقليات عبقرية فى امور معينة دقيقة ولا يجدها فى كبار رجال وزارته فإنه يمكن جدا ان يلجأ فى هذه الامور الى متخصصين فى الجامعات مثلا أو الى مكاتب استشارية كبيرة فى المجالات التى يريدها وبالتالى لا تتحمل الدولة الا تكلفة تقديم الاستشارة أو الدراسة المطلوبة فى الموضوع المطلوب وهذا لن يتكلف الا القليل جدا لان الموضوع سيكون قاصرا على الامور التى يعجز كبار رجال الوزارات عن اتخاذ قرار فيها ، وحتى لو افترضنا ان الوزير يريد ان يكون معه شخصيات معينة يثق فيها ويريد ان يكونوا بجواره بصفة مستمرة فإنه فى هذه الحالة لن يحتاج اكثر من خمس مستشارين على الأكثر فى مختلف المجالات التى من الممكن ان يحتاج اليها وبالطبع فإنه من المفترض ان يقوم المستشارين بنقل خبراتهم للآخرين بحيث يتم تكوين كوادر تصلح لتولى المسئولية فى المستقبل لانه ليس من المنطقى ان يكون لدينا آلآلف من المستشارين ويكون الوضع بهذا السوء الا اذا كان تعيين المستشارين لمجرد ارضاء ناس معينة واغداق الاموال عليهم والمحصلة فى النهاية كما نرى سيئة ، ولو افترضنا ان لدينا ثلاثون وزيرا وكل وزير له خمس مستشارين ومكافأة كل مستشار ثلاثون الفا من الجنيهات فإن اجمالى قيمة مكافآت المستشارين ستصبح كالتالى : 30 × 5 × 30000 × 12 = 54000000 ( اربعة وخمسون مليونا فقط ) وليس عشرون مليار جنيه ، وبالتالى نستطيع ان نوفر ما تحتاجه الدولة لتحقيق الحد الادنى المطلوب للعاملين بالدولة ويشعر المواطنون بالعدالة الاجتماعية على ارض الواقع وليس بالكلام فقط . النقطة الاخرى هى الحد الاقصى للاجور ، وفى هذا المجال حدث ولا حرج ، فالمهازل لا حصر لها وعلى سبيل المثال فإنه يوجد بعض كبار الموظفين يتم وضعهم كأعضاء فى مجالس ادارة عدة شركات واقسم بالله ان اكثر الناس عبقرية فى العالم لا يستطيع ان يجمع بين كل هذه الشركات فى آن واحد ولكن الغرض من ذلك ان يحصل على مكافآت وبدلات متعددة من كافة الشركات التى يحضر اجتماعاتها وبالتالى نجد بعض كبار الموظفين فى الدولة يتعدى دخله الشهرى ربع مليون جنيه وبالطبع لايوجد موظف فى العالم كله يعمل فى جهاز حكومى ويحصل على هذا المبلغ مهما بلغت درجة عبقريته ، ولكن ذلك يمثل نوعا من الفساد يجب مواجهته والقضاء عليه تماما حتى نسير نحو تحقيق العدالة الاجتماعية ، وللعلم فإن اى شخص متميز يعمل فى اى جهاز حكومى فى اى دولة فى العالم يتم تحديد راتبه طبقا لمهام الوظيفة التى سيتولاها واذا فرضنا ان اعتى عتاة الموظفين واكبرهم درجة وظيفية وخبرة فإن راتبه لن يتعدى الخمسون الفا من الجنيهات لان هذا المبلغ يسامى اكثر من سبعة آلآف دولار ، وبالتالى فإن تحديد حد اقصى لاى شخص يعمل فى كادر حكومى يجب ان لا يتعدى الخمسون الفا من الجنيهات وهذا بإفتراض انه عبقريا ويقوم بمهام خارقة لايستطيع غيره القيام بها لانه فى النهاية لن يعمل اكثر من 12 ساعة يوميا وذلك بإفتراض انه سيقوم بالعمل هذه الساعات فعلا ، ويجب ان يتم اتخاذ قرار بذلك ومن لا يعجبه الوضع فليتفضل بالاستقالة ان استطاع ان يقدم عليها لانه لو عمل فى اى بلد فى العالم فإنه لن يحصل على هذا المبلغ بأى حال من الاحوال لان كبار الموظفين بأى دولة لايتعدى راتبه هذا الرقم ان لم يكن اقل . واذا طبقنا الحد الاقصى للاجور فإننا سنستطيع توفير مليارات اخرى من الجنيهات من الممكن ان يتم توجيهها الى بنود اخرى نحن فى امس الحاجة اليها مثل التعليم أو الصحة أو البحث العلمى . نقطة ثالثة ومهمة جدا خاصة بالتعليم ، وهى اننا يجب ان ندرك ان اى مجتمع يكون فى حاجة الى المهنيين والعمال بدرجة كبيرة تصل الى حوالى 90 % من اجمالى القوة العاملة ، لان المجتمعات الطبيعية تكون نسبة العاملين بمجال الادارة والاشراف والتخطيط لا تتعدى 10 % . وبالتالى يجب ان يكون الاهتمام الأكبر موجه للتعليم الفنى والتكنولوجى وليس للثانوية العامة التى حولوها لبعبعا لكافة الاسر المصرية دون فائدة واصبح اولياء الامور يوجهون نسبة عالية من دخولهم للدروس الخصوصية لان المدارس لم يعد بها تعليما وهذه نقطة اخرى ليس الآن مجالها ، لكن المهم ان يتم التوجيه بالاهتمام بمراكز التدريب المهنية والمدارس الفنية والمعاهد التكنولوجية بحيث يكون لها نصيب الاسد من حيث الاهتمام بمستلزماتها والميزانيات المرصودة لها ويقتصر القبول فى الكليات الأكاديمية على 10 % فقط من اجمالى عدد الطلبة وبالتالى يتم توفير اماكن مناسبة لهم ويحصلون على حقهم فى التعليم بحيث يكون مستوى الخريج الجامعى متميز وليس كما يحدث الآن حيث لا يتعدى عدد الخريجين الذين يحصلون على تعليم متميز الا فى حدود 10 % والباقى ذو مستوى سئ للغاية والموضوع بالنسبة له ولأهله انه حاصل على شهادة جامعية بغض النظر عن كفاءته . وبالطبع فإن ذلك يستلزم وضع خطط شاملة تتعلق بالمراحل التعليمية منذ بدء التحاقهم بالحضانة حتى الانتهاء من التعليم الثانوى بمختلف فروعه بحيث لايتم قبول طلاب بالثانوى العام الا الذين يكون لديهم استعداد للدراسة الاكاديمية فقط ، اما الباقى قيتم توجيهه لمراكز التدريب والتعليم الفنى بمختلف تخصصاته ، وتقوم الدولة بتشجيع هذا التوجه بحيث تكون هذه المراكز والمدارس الفنية مجانا بشكل كامل ولا يتم تحصيل اى رسوم من اى نوع من الطلبة ، ويتم توفير كل مستلزمات الدراسة لهم بالمجان ، وتساعدهم الدولة فى توفير فرص عمل لهم بعد التخرج وبالتالى يتم توفير العمالة الفنية المدربة والتى يوجد قصور بها فى مجتمعنا . ويتم اعادة النظر فى التعليم المجانى بالجامعات بحيث يصبح بمصاريف على ان يتم اعفاء المتفوقين الغير قادرين فقط ، وفى نفس الوقت يتم التشجيع على الالتحاق بالمعاهد التكنولوجية المتخصصة بأن تكون المصاريف بها منخفضة عن الجامعات . اما الجامعات الخاصة فيجب اعادة النظر فيها لانه ليس من المنطقى ان يتحول التعليم الى تجارة فقط بغض النظر عن المستوى التعليمى ، ولا يعقل ان يكون من بين كل هذا الكم من الجامعات والمعاهد الخاصة الا حوالى ثلاثة أو اربعة جامعات فقط ذات مستوى متميز والباقى لمجرد الحصول على شهادة جامعية ، فليس هذا ابدا الغرض من التعليم الجامعى ، ولذلك يجب وضع قواعد صارمة ولوائح خاصة بهذه الجامعات على ان تكون من خلال المجلس الأعلى للجامعات وتحت اشرافها . وهناك الكثير من الامور التى يجب مواجهتها ولكن للحديث بقية ان شاء الله .

التعليقات