كتاب 11

08:32 صباحًا EET

منظومة الإعلام في الدستور الجديد .. و الخطر المنتظر

تدور هذه الأيام في الوسط الإعلامي مناقشات حول المواد الثلاث التي اقترحتها الجماعة الصفحية لتنظيم الإعلام و النشر في الدستور الجديد ، و على الرغم من أن تلك المواد تحقق للإعلام المصري كل أحلام الحرية إلا أنها تجاهلت أدوارا لا يمكن إغفالها تستحق من خبراء الإعلام وقفة جادة لإنقاذ الموقف قبل أن تقع الكارثة . لا ينكر أحدا الجهد الذي بذلته لجنة ” التنظيم الذاتي للإعلام ” و التي تضم في عضويتها كل من الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز و الكاتب الكبير رجائي الميرغني ” مقرر اللجنة ” و يعلم المتابعون أن اللجنة هي صاحبة الدور الأساسي في إرساء قواعد التنظيم الذاتي للإعلام و التي كانت محور المواد الدستورية الثلاث ، بيد أن المجالس الثلاث المقترحة لم تعني بمسألة المكانة الإعلامية و الدور الخارجي للإعلام و هو ما سيكون محور هذا المقال . و للحق نقول : أن الجماعة الصحفية ” المثقلة ” بميراث كبير من انتهاكات حرية الصحافة قد انصب تركيزها حول هذا المحور دون غيره فلم تعني إلا بما يتعلق بعملهم كأفراد و لم يتطرق أحدا إلى دور الإعلام الخارجي فلا هم وضعوا أمام لجنة الخمسين تصورا حول منهجية عمل وكالة الأنباء و كيف ستكون الوكالة ” المستقلة ” سندا للسياسة الخارجية المصرية ، و لا هم تذكروا أن المواد الفنية أشد تأثيرا و حاجة إلى التنظيم من الصحافة سواء كانت مقروءة أو مسموعة أومرئية ، كما أن مواد الدستور لم تتطرق إلى وضع الهيئة العامة للإستعلامات و ما إذا كانت ينبغي أن تكون هيئة مستقلة تمثل الدولة أم ستبقى جهازا للعلاقات العامة ” الحكومية ” و بالتالي يجب نقل تبعيتها من رئيس الجمهورية إلى رئيس الوزراء تبعا لمبدأ توزيع الاختصاصات في الدستور الجديد . إن فصل تنظيم الصحافة عن الإذاعة و التليفزيون و إنشاء مجلس مستقل لكل مؤسسة إعلامية مع حثها على اتباع آليات السوق الحر لتنمية مواردها سيخرج بوسائل الإعلام الرسمي من مفهوم ” إعلام الخدمة العامة ” إلى مفهوم الإعلام الهادف للربح و كلاهما نقيضان ، كما أن التطابق و التشابه و تلاقي المصالح سيكون سمة للإعلام الرسمي ” الممول من جيب دافع الضرائب ” ، فلا توجد ضمانة لأن يكون الإعلام الرسمي معبرا عن مصالح ملاكه و هم الجمهور . إن التعبير عن مصالح الجمهور في بلد مترامي الأطراف و معقد في تركيبته الاجتماعية يستلزم إجراء البحوث الميدانية و التخطيط لتوزيع الأدوار بين هذا العدد الضخم من المؤسسات الإعلامية و الذي يبلغ 55 مطبوعة و مثلها محطات إذاعية بالإضافة إلى ما يزيد عن 20 محطة تليفزيونية . فالسياسة الإعلامية و التخطيط الإعلامي ركيزة لا يمكن التغافل عنها لتحقيق هذه الضمانة، خاصة في مرحلة الديمقراطية النائشئة التي تعيشها مصر الآن فمنظومة الإعلام الرسمي بشكلها المزمع و إن كانت ستصبح مستقلة و حرة ستبقى دائرة في فلك مفهوم ( الإعلام التقليدي ) – المستسلم للواقع – و لن تنتقل بأي حال إلى مفهوم ( الإعلام الإستراتيجي ) الذي يسعى لإحداث التغيير المجتمعي و البناء الفكري و تحصين الرأي العام من محاولات الاختراق و البلبلة و التشتيت . إن المكانة الإعلامية هي الأداة الأساسية في إدارة الصراع في البيئة الدولية المعقدة ، فما من دولة ديمقراطية –عظمى – إلا و تضع نصب عينيها ” تحصين الرأي العام المحلي ” الذي يعتبر هو الحاكم الحقيقي في الأنظمة الديمقراطية و المساهمة في تشكيل الرأي العام العالمي لتوفر السند الإعلامي المطلوب لسياساتها الخارجية ، و لك في زيادة عدد القنوات الأجنبية الناطقة بالعربية و الموجهة إلى وطننا العربي خير دليل . إن هذه المشكلات المتشابكة تحتم علينا استحداث مجلسا وطنيا يعني برسم السياسة الإعلامية للدولة و الإضطلاع بدوره كجهازا للتخطيط الإستراتيجي للإعلام المنبثق من الاستراتيجية القومية للدولة كما يحدث في كل الدول العظمى بالإضافة إلى دوره كجهاز علاقات عامة للدولة باعتبارها أحد الإعلامية الهامة و الخطيرة . و لعل تحويل الهيئة العامة للإستعلامات إلى هيئة مستقلة تمثل كافة عناصر الدولة من مؤسسات و مجتمع مدني هو الحل الأمثل لتلك المشكلات المتشابكة . و بدون حل لهذه المشكلات سيبقى الرأي العام – الحاكم – معرضا لحملات البلبلة و التشتيت و التوجيه من قبل ” منصات إعلامية ” خارجية ، و ستبقى المكانة الإعلامية لمصر ” خارج التصنيف ” . و ختاما ندق ناقوس الخطر و نعلم الجميع أن أي دولة لها ثلاث مقومات ( السيادة العسكرية ـ السياسة الخارجية ـ السيادة الإعلامية ) فبدون الأركان الثلاثة يصبح الرأي العام مستباحا من الجميع و تصبح إرادة الأمة و مستقبلها بل و نظامها الديمقراطي في مهب الريح . اللهم قد بلغت .. اللهم فاشهد ،،،

التعليقات