آراء حرة

10:43 مساءً EET

كل شىء «فُلة»!

أختلف مع من يقولون إن الدستور الجديد يتعرض لحملة منظمة، بعضها ظاهر وبعضها خفى، وإنها تهدف إلى خلق رأى عام معاد له، بحيث لا يقبل عليه الناس فى الاستفتاء، وبذلك ينتصر دستور الإخوان المعطل ويعود نظام مرسى، وربما مرسى نفسه، راكباً حصاناً أبيض كالفارس المغوار، وواضعاً سلطانيته الباكستانية كالتاج فوق رأسه.أقول إننى أختلف مع هذه الرؤية التى تعتمد على نظرية المؤامرة، ونحن قد استسلمنا تماماً للنظرية الغربية التى جعلتنا كالذى على رأسه بطحة كلما اتهمته بأنه يؤمن بنظرية المؤامرة سارع على الفور بتغيير رأيه، حتى ينفى عن نفسه هذا الاتهام الخطير، وأصبح كل من يريد أن يبدو صاحب فكر عصرى متفتح يبدأ كلامه مؤكداً أنه لا يؤمن بنظرية المؤامرة.والحقيقة أن التاريخ كله مؤامرات بما فى ذلك تاريخ الغرب نفسه، فليست السياسة كلها معلنة ولا منشورة فى الصحف، وإنما الجزء الكبير منها لا يتم الإفصاح عنه، وتظل وثائقه أو اتفاقياته «سرية»، ويرمز إليها بكلمة classified، وتلك تعد وثائقها أقل خطورة مما يطلق عليه top secret، ولا يتم الكشف عن هذه أو تلك إلا بعد 25 سنة أو 50 سنة، حسب نظام كل دولة، ويعرف الخبراء أن هناك من الوثائق ما لا يتم الكشف عنه على الإطلاق.هذا ما يحدث فى الغرب، أما عندنا فمن يتحدث عن خفايا السياسة يُتهم من الغرب نفسه بأنه يؤمن بنظرية المؤامرة التى تتحكم فى العقل العربى، وننساق نحن وراءهم كالقطيع، لنبدو عصريين، فنبدأ كلامنا بالتأكيد على أننا لا نؤمن بنظرية المؤامرة مثل بقية العرب المتخلفين، وإذا تحدث أحد عما خفى من أمور السياسة اتهم على الفور بأنه يؤمن بنظرية المؤامرة.وأنا طبعاً لا أؤمن بنظرية المؤامرة لأننى صاحب فكر عصرى ومتحضر، ولا أحب أن أغضب الغرب، لذلك فأنا لا أتفق إطلاقاً مع من يقولون إن الدستور الجديد يتعرض لحملة تشويه منظمة من بعض أعوان الإخوان الذين مازالوا يحتلون مواقع مؤثرة فى الصحافة المصرية، ولا أؤمن بأنهم فى كثير من الأحيان حين لا يجدون ما يهاجمون به الدستور الجديد لا يتورعون عن اختلاق ما لا وجود له، ولا مانع من أن يثبت عدم صحته بعد ذلك، فنشر الخبر، ثم نشر نفيه، ثم العودة للإشارة إليه وكأنه لم يتم نفيه يحدث البلبلة المطلوبة، وهكذا يخرج الناخب المسكين ضارباً كفاً بكف، وقائلاً إنه لم يعد يفهم شيئاً أو يستسهل ويقول إنه ضد هذا الدستور المختلف عليه، وضد اللجنة التى تكتبه والتى تحيطها الشائعات.وللأسف فإن هناك من الصحفيين من ينساقون ببراءة وراء هذا المخطط، فيخدمون أهدافه دون أن يدركوا، متصورين أن الخبر الحقيقى هو ما يتعلق بأى «عركة» تحدث بين اثنين داخل اللجنة وليس ما تصدره اللجنة من مواد جديدة تدخل دساتيرنا لأول مرة، كى تنقل مصر أخيراً إلى المستقبل الذى من أجله قامت الثورة، والذى لم نحققه رغم مرور 3 سنوات على قيام الثورة.أقول إننى ضد كل ما سبق، وأعتبره تعبيراً عن طبيعة العقل العربى المتخلف الذى يؤمن بنظرية المؤامرة، فالحقيقة هى أنه لا أحد ضد الدستور الجديد، وأن الإخوان هم أكثر الناس سعادة به، لأنه الدستور الذى سيصلح الخطايا التى قام عليها دستورهم المعطل صاحب المادة (219)، ومن ثم فهم يدافعون عنه دفاعاً مستميتاً فى كل مواقعهم الإلكترونية، ويشيدون بمواده الجديدة، وينفقون الكثير من أموالهم الكثيرة فى الترويج له، ونفى كل ما يصدر ضده أو ضد لجنته من شائعات، كما أؤمن بأن الحياة جميلة، وليست هناك مؤامرة، وكل شىء «فلة»! 

التعليقات