كتاب 11

12:47 مساءً EET

دستور الأمر الواقع

و كأنما كتب علينا اختيار دستورنا دائما في أوقات غير مناسبة و في بيئة سياسية غير سليمة ، فمن دستور الإخوان إلى دستور ” الخمسين ” إلى تعديلات مارس المشئومة، كنا و لا نزال نقع تحت ضغوط تجعل النتيجة الحتمية بـ ” نعم ” و لو كان المحتوى ” ريان يا فجل ” .

و على الرغم من أن تشكيل اللجنة قد حدد جهات و مؤسسات و نقابات تمثل جميع قطاعات و فئات المجتمع و ترك اختيار الأسماء لهذه الكيانات إلا أن تعامل جميع فئات المجتمع لا يوصف إلا بـ ” الإستغلال الرخيص ” ، فقد تدافع الجميع للحفاظ على مصالحه و مصالح و امتيازات الهيئة أو الفئة التي ينتمي إليها و أراد لنفسه خصوصية و ” نصوص ” غير عادية ، أضف إلى ذلك الكثير من الفذلكات التي ما أنزل الله بها من سلطان و لم نر لها مثيلا في أي من دساتير العالم ، فبعد النص على حق الطفل في الرضاعة الطبيعية لم يبق إلا النص على تنظيم حقوق ” بائعي البطاطا ” و حالة الطقس كما تهكم أحد النشطاء على مواقع التواصل الإجتماعي . و للحق نقول أن هذا الدستور قد كفل كثيرا من الحقوق الشخصية و الاقتصادية و الاجتماعية ، بيد أن كثيرا من المواد تم حشرها لموائمة ” الظرف الراهن ” في دستور يفترض أنه ” دائم ” ، فلا مادة المحاكمات العسكرية هي الحل الوحيد لحماية الجيش و لا تسمية وزير الدفاع من قبل المجلس العسكري يمكن أن يكون آلية صحيحة للحفاظ على كيان الجيش من تهور رئيس قادم ” مجهول ” لا يمكن التنبؤ بطبيعته أو تفكيره أو خبراته أو موقفه من الجيش . إن طبيعة المرحلة التي تعيشها مصر تفرض علينا دستورا مؤقتا – لأي مدة كانت – يسمح لنا بأن ” نتلمس الأرض ” في ظل ديمقراطية ناشئة كل مكوناتها مشوهة و تحتاج إلى نسف و إعادة ” تصنيع ” ، تكون التجربة قد اختمرت و أخذت وقتها لتظهر لنا نقاط الضعف قبل نقاط القوة . أضف إلى ذلك أن زيادة عدد المجالس التي وضعت في نظام الحكم متضمنة اختصاصاتها أيضا و يجعل نظام الحكم غير مرن و قابل للتعديل وفق مقتضيات الحال ، فتعديل أي من الأخطاء التي سيتم اكتشافها في هيكل مؤسسات الحكم المتعددة سيستلزم تعديلا دستوريا بثلثي أعضاء البرلمان يليه استفتاء يتكلف بحسابات اليوم ما يفوق المليار جنيه . إن المراحل الإنتقالية لها حساباتها و لها آليات للتحول فدعونا نبدأ من حيث انتهى الآخرون و لا نعيد تجارب فاشلة في الماضي القريب و البعيد ، فالتحول من الديكتاتورية المحضة إلى الحرية – منقوصة الضوابط – المصحوبة بالإنفتاح المفاجيء قد ينذر بكوارث أخطر و أشد من كوارث الديكتاتورية العتيقة . و للتاريخ نقول : إن هذا الدستور الذي صنع تحت ضغوط شديدة و تحت وطأة الإستعجال و إرضاء الجميع و في ظل حالة من الإنقسام الشعبي مهدد بالسقوط شأنه شأن سابقه . اللهم قد بلغت .. اللهم فاشهد

التعليقات