كتاب 11

09:38 صباحًا EET

الثورة الجائعة .. والرومانسي الثائر

كيف كان لرفيقي الكفاح ليون تروتسكي وجوزيف ستالين أن يصل بهما الحال إلى أن يوثق الأول “جرائم” الثاني في كتاب عنونه بـ”جرائم ستالين” قبل أن ينهي الثاني حياة الأول بالقتل؟

لقد قرر الرفيقان حسم الصراع على السلطة، بينهما، عبر هذا المشهد الختامي، خاصة وأن تروتسكي كان يسعى دوماً إلى تولي زمام السلطة في الحزب والدولة، فيما أعلن ستالين نفسه خليفة للزعيم فلاديمير لينين، ليحتدم الصراع من أجل السلطة بينه وبين ستالين الذي تمكن من عزل أنصار تروتسكي في الحزب وإشعال خلافات بينه من جهة وأنصاره من جهة أخرى. حتى تم إعفاء تروتسكي عن العضوية في المكتب السياسي في الحزب البلشفي بتهمة النشاط المعادي للحزب. ونفيه من الحزب الشيوعي من قبل ستالين. قبل أن يتم تهجيره خارج الاتحاد السوفيتي وتوجيه تهمة الخيانة العظمى له ومن ثم اغتياله في مكسيكو سيتي.

اشتبه ستالين في تروتسكي خطورة على الثورة البلشفية، التي كان الأخير من أكثر زعمائها شعبية، حتى أنه من قام بتنظيم الجيش الأحمر الذي سمح لدولة العمال الحديثة الدفاع ضد الجيوش الإمبريالية، ووجد في كونه سياسيا قد يؤثر سلبا على تطور الأحداث في روسيا، ومن ثم فطن إلى حتمية التخلص من الرفيق المعادي للستالينية “الدكتاتورية”، كضرورة للبدء في التأسيس الحقيقي للاتحاد السوفيتي والصعود إلى مرتبة القوى العظمى .. وقد كان.

إذن، أصاب الثائر الفرنسي الشهير جورج جاك دانتون عندما قال وهو أمام مقصلة الإعدام “إن الثورة تأكل أبنائها “، حيث قام القائد الثاني والمؤسس الحقيقي للاتحاد السوفييتي بالتخلص من الرومانسي الحالم الذي يبدو وكأنه بدأ الثورة لكنه لم يعرف كيف ينهيها، أو كانت هي، بالنسبة له، تلك العلاقة التي تحدث عنها الزعيم جمال عبدالناصر إلى تشي جيفارا حين قصده، الثائر الأرجنتيني، بعد خيبته في الكونغو، حينها قال عبد الناصر: “الثورة جميلة، شبهها بعلاقة بين رجل وامرأة، التعارف في البداية، المغامرات ثم الخطوبة، كلها مراحل جميلة، لا يوجد فيها مسؤوليات، نعيش هيام الحب، نحب الثورة، نحب التمرد، إلى أن نصل إلى الزواج، الزواج مسؤولية وجدّ.. أنت تريد فقط من الثورة ما هو قبل الزواج”. فضحكا سويا، دون أن يقنع احد الآخر بوجهة نظره.

وجهة النظر تلك التي تبناها جيفارا وتروتسكي، وحتى الثائر الفرنسي جورج جاك دانتون، وأغلب الثائرين الرومانسيين، لخصها لي صحافي عربي بارز، نقلت له الإحساس “الغريب” بأن تكن مؤيداً لسلطة ما، عقب عزل محمد مرسي وإعلان خارطة الطريق بتولي رئيس المحكمة الدستورية رئاسة الجمهورية لفترة انتقالية، حينها قال لي الصحافي البارز: “إنه إحساس سئ”. لتحمل تلك “الوصمة” بين طياتها، أسئلة مازالت، حتى الآن، تردد صداها: لماذا نقوم بالثورة؟، وماذا لو قمنا بثورة من أجل أن تصل إلى السلطة ثم وصلت بالفعل؟، هل من المفترض أن نظل ثائرين لمجرد أنه “إحساس سئ” أن تكن مؤيداً لسلطة حاكمة؟، أي المراحل أصلح، للمجتمع والدولة معاً، في علاقتنا بالثورة، مرحلة االتعارف والخطوبة أم مرحلة الزواج؟، مرحلة التمرد أم مرحلة المسؤولية؟

“يبقى أن تعرف أن أمامك خياراً من ثلاث، الأول هو تغليب الثورة على الدولة، والثاني هو تغليب الدولة على الثورة، وأما الثالث فهو مساومة الثورة للدولة، وانتزاع ما يمكن انتزاعه مع الوقت من حقوق، بتحويل الثورة من نظام فوضوي لنظام سياسي منتظم يستطيع اختراق الدولة وتغييرها بالتدريج.” واعلم جيداً أن الثورة، الآن، “جائعة” في حاجة إلى من تأكلهم، ولن تجد أمامها إلا هؤلاء الأبناء الرومانسيين.

التعليقات