آراء حرة

12:30 مساءً EET

د. فالح حسن يكتب : احتمالات التقارب بين تركيا وإسرائيل

ضمن هذا السياق قامت الدبلوماسية الايرانية بخطوات ترمي لفتح صفحة جديدة في العلاقات مع دول الخليج الاخرى بينما ظهرت مؤشرات على اعادة الرياض والدوحة النظر بعلاقاتها بموسكو، ويجمع غالبية المراقبين في روسيا على ان ثمة دلائل على ان تطبيع العلاقات بين امريكا وايران سيوفر الاجواء المناسبة للعودة الى موضوع الشراكة بين تركيا واسرائيل. وحسب اؤلئك المراقبين فان المصالح المشتركة بين انقرة وتل ابيب تفوق الخلافات الاخرى بما في ذلك الدينية، وهي برأيهم مرهونة بالمصالح الجيو/سياسية للطرفين.

ومن دلالات دفء العلاقات وصول وزير البيئة الاسرائيلي امير بيريتس الى اسطنبول في 5 ديسمبر الجاري للمشاركة في اعمال المؤتمر الدولي للنقل البحري وحماية البيئة. واصبح بيريتس اول وزير اسرائيلي يزور تركيا بعد حادث الاعتداء على سفينة «مافي مرمرة» الذي ادى الى تجميد العلاقات بين انقرة وتل ابيب.

ويذكر ان قوة إنزال إسرائيلية قامت في ليلة 30 – 31 مايو عام 2010 بالهجوم على السفينة التركية التي كانت تخترق الحصار البحري على غزة وتنقل مساعدات انسانية لأهالي القطاع الذي اسفر عن قتل 9 من المواطنين الاتراك. واثار هذا الحادث ردود فعل غاضبة من قبل الكثير من الدول كما اندلعت فعاليات احتجاج في مختلف ارجاء العالم. وفي مارس 2013 امتثل رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتانياهو لمطالب تركيا وقدم «على مضض» اعتذارا رسميا لرئيس الوزراء طيب رجب اوردغان، كما وافق على دفع تعويضات لأُسر الضحايا.وتزامنت تلك التطورات مع اليوم الأخير لزيارة الرئيس الامريكي باراك اوباما لاسرائيل، مما اعطى الارضية للعديد من التعليقات التي كان مفادها ان نتانياهو اعتذر استجابة للضغط الذي مارسه الرئيس الامريكي.

ومهما كان الامر فان الجانبين تعاطيا مع خطوة الاعتذار بنوع من الارتياح. وبدأت عملية التطبيع فورا، حيث شرعت اسرائيل وتركيا مناقشة تفاصيل التعاون وحتى ان الحديث دار حول امكانية عودة السفراء. وعلى الرغم من ان الطرفين لم يتمكنا بعد من استعادة الثقة الى مستواها السابق، لكن هناك فهما مشتركا بينهما بان البقاء في حالة النزاع مسالة غير مثمرة. ويعتقد الخبراء انه وفي ذلك الحين اي في عام 2010 فان خطاب تركيا الغاضب ازاء اسرائيل وكل الكلام عن الخط المتشدد الذي تبنته، لاح وكأنه خطوة مبيتة تتناغم مع الوضع الذي ترتب في العالم العربي.

كان «الربيع العربي» حينها قد بلغ ذروته. ورأى الكثير من مثقفي مختلف الدول ان النظام السياسي العربي الجديد يمكن ان يقتدي بالنموذج الاجتماعي التركي، الذي يمزج الهوية الوطنية والمبادئ الديمقراطية، ويقلده، وان هذا سيمنح تركيا فرصة نادرة لتكون قوة اقليمية مهيمنة. وعموما فقد نظرت انقرة للوضع بهذه الصورة، وخططت لبسط نفوذها على عموم الشرق الاوسط وراهنت على مساعدة الحركات الاسلامية على غرار حركة « الاخوان المسلمين».
ومن اجل ان تعزز تركيا مواقعها وتوسع شعبيتها في الشارع العربي، كان من الاجدى لها ان تقول شيئا ما حادا تجاه اسرائيل، وجاء حادث سفينة «مافي مرمرة» في الوقت المناسب على الرغم من ان انقرة في المحصلة لم تجن شيئا. فالشارع العربي لم يعترف بزعامة تركيا للمنطقة مثلما لايعترف بزعامة ايران لها. ولم تبرر الرهانات والآمال التي عقدتها على «الاخوان المسلمين» خاصة بعد انهيار نظام محمد مرسي وبسط الجيش المصري بسرعة النظام في مصر، من دون تدخل تركي.

ولم تبرر نفسها ايضا سياسة تركيا تجاه النزاع في سوريا. ان دعم انقرة للمقاتلين الذين يحاربون ضد قوات النظام لم يساعدها على الحصول على نفوذ في سوريا ولا على مكانة دولية كبلد تدعم الحرية والديمقراطية، بل على العكس فان الرأي الدولي يرى ان تركيا هي الدولة التي تجلب وتستقبل «الجهاديين» من كافة انحاء العالم وتوفر لهم القواعد الخلفية والممرات للانتقال الى الداخل السوري.

وتدلل المؤشرات على ان انقرة قررت التراجع عن مواقفها السابقة. وليس من قبيل الصدفة ان تقرر الحكومة التركية مؤخرا ابعاد 1200 من الاجانب الذين وصلوا للبلاد خصيصا لعبور الحدود السورية والقتال الى جانب المعارضة المسلحة. وذكرت وسائل الاعلام المحلية ان كافة اؤلئك الاجانب هم من دول الاتحاد الاوروبي وكذلك من «الشيشان» (التسمية التي تطلق في تركيا على سكان جمهوريات شمال القوقاز وغيرهم من مسلمي روسيا).

وخلقت التطورات على الساحة السورية واختلاط اوراق القوى التي تحارب النظام السوري وغموض اهدافها الحقيقية وتضارب مصالحها، المخاوف لدى تركيا واسرائيل من ان تصبح «القوى الجهادية» التي تمركزت في سوريا خطرا مهددا على امن انقرة وتل ابيب، وهناك ايضا نقاط لقاء بين الطرفين حول المشكلة الايرانية، خاصة على خلفية مخاوف تركيا واسرائيل غير المبررة من نتائج الانفراج في العلاقات بين ايران وامريكا واحتمالات تعزيز مواقع ايران على حسابهما.لذلك فان التعاون مع تركيا سيصب في صالح اسرائيل.

وبطبيعة الحال، يمكن للمرء أن يعترض بالقول ان تطابق المصالح المؤقت لا يعني الشراكة الاستراتيجية. وهذا واقع، ولكن فقط إذا كان هذا التطابق مرحليا أو لمرة واحدة. ولكن عندما تتطابق المصالح اكثر مما تختلف، فلماذا لا نسمي الأشياء بأسمائها؟.

التعليقات