كتاب 11

12:05 مساءً EET

لا تخشى الموت ولا تحزن على الدنيا

قد يرجوا الإنسان مالاً، أوجاهاً، أو نساءاً أو بنون، بيد أن الموت أُمنية لآخرين، فهو حلم يراودهم، يسألون الله أن لا يتأخر عليهم، إنه عالم آخر جديد، يطلبه من زهد الدنيا وما فيها، أشخاص ما بهرتهم الدنيا يوماً، ولا عَرفوا فيها معنى السعادة الحقيقية، فمع كل سعادة وقتية يتساءلون ماذا بعد، وحقاً ما سعادة الدنيا إلا وهم كبير، ولولا أن الإنسان يُشِعرُ نفسه لأوقات أو في مواقف معينة أنه سعيد، لما شعر قط بالسعادة ! فالأمر متعلق بالنفس والقدرة على إقناعها بالسعادة، بينما الحقيقة، أنه لا راحة ولا سعادة في الدنيا.

إن سعادة الإنسان في الدنيا، لا تأتي إلا على حساب آخرين، فأنا كثيراً ما أشعر بالشفقة على مُبدع يخرج أقصى ما  لديه من إبداع من أجل أن يحصل على المال ! فالمبدعين اللذين يجدهم كل من يسير في شوارع أوربا أو الولايات الإمريكية، من موسيقين وفنانين، قد يعزفوا الموسيقى، أو يرقصوا في الشوارع، لأجل أن تستمر حياتهم ! أليست حياتهم ظالمة متعبة قاهرة مؤسفة مدمرة للآدمية.

إن الدنيا ظالمة، ولن تعدل أبداً، ومن أراد شيئاً منها فعليه أن يدفع المقابل، فمثلاً إن أحب أرملُ يعول أطفالاً، إمرأة ما، وقرر الزواج منها، فسوف يضحي بالمقابل بحب أبنائه له ! فهو في وضع خَيار، فإما حُبه لأبنائه على حساب سعادته، وإما سعادته على حساب حب أبنائه له، تلك هي الحقيقة، وبالقياس على ذلك كثير، فمن أراد الشهرة قد يضحى بحياته الأسرية، ومن أراد تكوين أسرة قد يضحى بطموحاته.

هل كان الرئيس السادات خائفاً من الموت، وقت أن ذهب إلى إحتفال نصر أكتوبر عام ١٩٨١م، الإجابة “لا” فالرجل قد ذهب يوم الإحتفال دون أن يرتدي القميص الواقي من الرصاص، فقد كان مستعداً للموت أياً كان بابه، وأدرك منذ بداية عمره أن حياته فانية، فكان تاريخه مليئ بالمغامرات، وفي كل مغامرة كان من الممكن أن يموت، لذا عندما قتل، كان واقفاً، لا مختبئاً، أو راكعاً، وكان موته شامخاً مشرفاً فهكذا يستقبل الشجعان الموت.

المهاتما غاندي، عاش فقيراً أو مسكيناً أياً كان الأمر، إلا أنه لم يكن صاحب ملك أو جاه، لم يكن صاحب مال أو نفوذ، ولم يتاجر يوماً بدماء بشر، كان قادراً أن يكون أحد أغني بني عصره، لكنه عرف نهاية حياته، وأنه سيموت دون أن يأخذ شيئا، فوهب حياته للإنسانية، غير عابئ بمتع زائلة أو سعادة فردية شخصية وقتية، حتى ممارسة الجنس أقلع عنها ! منتظراً قدوم أجله من أي باب فالموت في النهاية واحدُ.

وبالأمس جاء لهارون الرشيد أحد أبنائه، وسأله وهو يحتضر، قائلاً له هب أنه لا يوجد ماء، سوى شربة ماء فقط، فكم تدفع نظيرها، فقال  هارون الرشيد أدفع نصف مُلكي، فقال له إبنه هب أن شربة الماء قد إحتبست، فكم تدفع  نظير إخراجها، فقال الرشيد إدفع نصف ملكي الآخر ! فقال إبن هارون الرشيد لأباه، هكذا هو مُلكُك لا يساوي شربة ماء وإخراجها.

ويوم أن توفى الله خالد بن الوليد، بكى عمر بن الخطاب، وقال الويل لك يا عمر، فقد لام نفسه كثيراً، نظراً لقراراته الصارمة ضد خالد إبن الوليد في أكثر من موقع، والتي سببت أثراً نفسياً سيئاً في نفس إبن الوليد، والذي مات بعد أن قرار عُمر عزلهُ، فبكاه إبن الخطاب، قائلاً والله إن أبا بكر الصديق كان خير مني، فقد كان أعلم بفضل الناس مني ! لقد مات خالد وشعر عُمر بأنه قد أساء إليه، ولكن كان الأوان قد فات، فقد إنتقل الرجل إلى الآخرة، وما عاد ينفع إعتذار، رضي الله عنهما، فحذاري لكل إنسان من أن يغضب آخر وبعدها يموت، فسيظل عذاب الضمير قائماً، فإياكم وظلم الأنفس، في دنيا خلقت لتكون قاسية.
وها هو عمر إبن الخطاب نفسه، يطعنه أبو لؤلؤة المجوسي، ويحتضر إبن الخطاب، ثم يوصي أصحابه، بأن لا ينكلوا بقاتله، وأن يكتفوا بتطبيق حد الله عليه، ثم سلم عمر إبن الخطاب روحه بكل رضا، وشوق إلى لقاء الله، فقد كان أيضاً في الدنيا زاهدا.

قيل لرسول الله “ص” تمنى ما شئت، فقال لعمه أبي طالب، (والله لو وضعوا الشمس على يميني والقمر على يساري ما أنا بتارك هذا الدين إلا أن يَهلَك أو أهلِك دُونه) والرسول “ص” هو إنسان وليس بملاك، إلا أنه أعلم الناس، بحقيقة الدنيا فزَهَدها، وعرف مغزاها، فلا كان عابئاً بمتاعها أو عذابها، أو خشي يوماً لقاء ملك الموت، وكانت رسالته السامية إلى الإنسانية جمعاء، تكفيه رضا بقضاء الله وقدره، حتى وإن كان أفضل خلق الله، ونبيه المختار .

ليس كل من تزين، أو بنى أو زرع، محب للدنيا، فتلك نظرية خاطئة، فأكثر الزاهدين للدنيا، أعمالهم لمستقبل لا يعلموا عنه شيئا.

رسالتي لكل إنسان، إن بنيت فإبني لغيرك، وإن زرعت فلا تخشى أن يذهب زاد ما زرعت لشخص لا تحبه، فلا المال مالك، ولا الزرع زرعك، وإن نادتك حاجة لأحد فلبها دون إنتظار، فأن أجلتها قد يذهبُ أجلك، ولا تخشى الموت أبدا، وإفتح صدرك إليه مرحبا، فوالله لخير الآخرة أفضل وأبقى، وإعلم إن كانت دنياك ظالمة، فعدل ربك لعباده قائما، وإن زهدت الدنيا بما فيها، فتلك نعمة قل من يُؤثَرُ بها، وإن زادت رؤيتك وبصيرتك، فولي كل أمورك لرضا الله لأن أجلك بات يقترب.

وعلى الله قصد السبيل

التعليقات