كتاب 11

11:10 صباحًا EET

الشعور السائد في المجتمعات وعلاقته بالأزمات الاقتصادية

قد تكون الأزمات الاقتصادية ظاهرة جديدة بالنسبة لجيلنا، ولكنها ليست المرة الأولى التي يواجه فيها العالم أزمات كساد. حدثت الأزمات الاقتصادية أيضا في القرن الثامن عشر. ودائما ما كان السبب يرجع في أغلب الأحوال إلى الحروب والمضاربة المالية وحالات العجز الاقتصادي. ومنذ القرن التاسع عشر حتى وقتنا الحالي، تغير شكل وأسباب الأزمات الاقتصادية. وتأثرت الاقتصادات الرأسمالية بتلك الأزمات في هذا الوقت، وأثر بعضها على بعض، ولم تقتصر الأزمات على قطاع أو منطقة واحدة، بل ظهرت على نطاق واسع.

هز الاقتصاد العالمي 13 أزمة اقتصادية في الفترة ما بين عام 1820 و1929. لكن أول أزمة اقتصادية قوية تؤثر على العالم بأسره وعلى جميع الاقتصادات والقطاعات كافة وقعت عام 1929 عندما حدث «الكساد الكبير»، والتي تكررت ثانية عام 2007 ما أطلق عليه «الركود الاقتصادي». وكانت أبرز أسباب الأزمات الاقتصادية الحالية والمستمرة هو ما جرى وصفه بتدهور نظام الائتمان بضمان الرهن العقاري، وتضارب هيكل الفائدة والزيادات المفرطة في أسعار العقارات وتوسع أسواق الائتمان. من جانبهم، وصف علماء الاقتصاد الأميركيون هذه الأزمة بأنها «كساد مؤقت»، بينما أخفقوا في التنبؤ بأن هذه الأزمة ستؤدي إلى التسبب في حدوث ضرر كبير على العالم كله، وكذلك تأثيرها الشديد على دول مثل اليونان وآيسلندا وإسبانيا، ناهيك بجر الدول النامية للوصول إلى أقل المستويات الاقتصادية.

فشل علماء الاقتصاد الأميركيون في التنبؤ بتلك الأمور، لأن السبب الحقيقي للأزمات يتخطى حدود مسألة الاقتراض العقاري. ووفقا لما ذكره عالم الاقتصاد البروفسور كيريم الكين: «تعرف نصف المنطقة أن الاقتصاد يعد مثل علم النفس، فيجب عليك التعامل مع علم النفس والشعور السائد لإدارة هذا الأمر جيدا».

إن ما يعنيه هذا الأمر هو أنه حينما يكون الأشخاص غير سعداء، فإنهم يصيرون متحفظين. وعندما يكونون خائفين لا ينتجون، ولكن يميلون نحو الادخار. ترتبط مسألة السعادة ورحابة الصدر والمشاركة بمسألة الإحساس بالأمان. ويتمثل الخطأ الفادح بالنسبة للحكومات العاجزة عن إدارة الأزمات في أنها تعتقد أن الثروة وحدها تعد كافية لتحقيق السعادة، ولذلك فإنهم دائما ما يركزون على الاقتصاد ويتجاهلون احتياج الشعب إلى الإحساس بالأمن. ومن أوضح الأمثلة على ذلك، نجد دولتي الأرجنتين ومصر اللتين انتهى بهما الحال بتغيير الحكومة.

لا يقتصر الضرر – في المجتمعات غير السعيدة – على الاقتصاد. ويتوقف الإنتاج بجميع أنواعه في المجتمعات غير السعيدة، بينما يختفي الطموح والمثل. وعلاوة على ذلك، تفقد المجتمعات حالة الحماس والرغبة الموجودة، كما تتوقف عن إنتاج أشياء جديدة أو تطويرها وإبداعها، ولا سيما فيما يتعلق بالجمال. تتوقف مسيرة الفن بحيث تتعذر القدرة على صنع صور جيدة أو تأليف موسيقى ممتعة، وتحل مسألة الأداء الوظيفي محل البراعة الفنية. ووفقا لذلك، يصير الجمال بلا قيمة بالنسبة للمجتمعات التي تركز بشكل كامل على البقاء، وعليه يكون كل شيء في الحياة سطحيا ومهملا مع عدم اشتماله على السمات الجميلة.

أصبحت المجتمعات غير السعيدة مجتمعات غير آمنة وصارت تفضل العزلة عن العمل بالتعاون فيما بينها. وبناء على ذلك، باتت تلك المجتمعات، مجتمعات أنانية لا تنتج ولا تشارك أي شيء، وانتهت بها الحال بكل بساطة إلى ادخار ممتلكاتها. وفي الواقع، أن الأزمة الاقتصادية تعتبر من عواقب هذه العزلة والحالة المزاجية غير السعيدة.

تظهر هذه السيكولوجية أيضا وتوضح نفسها في موضوع الإسراف بالنسبة لما يخص فضلات الطعام. ففي كل عام، يجري تبديد 1.3 مليار طن من الأطعمة عبر العالم. وتعادل تلك الكمية خسارة 990 مليار دولار أميركي، مع أن نحو نصف مليار شخص تقريبا في العالم أو شخص واحد من بين كل سبعة أشخاص يواجه أزمة مجاعة. ووفقا للتقديرات، فمن الممكن تقليل كمية فضلات الطعام المبددة عبر العالم بنسبة 25 في المائة، بما سيؤدي إلى توفير الاحتياجات الغذائية السنوية لما يصل إلى 870 مليون شخص. وعلى الرغم من ذلك، فبسبب حالة انعدام الأمن التي يشعر بها الأشخاص بشكل كبير، فإنهم يفضلون الاحتفاظ بالأشياء لأنفسهم بدلا من إعطائها للغير، حيث يعتبر ذلك هو أصل المشكلة.

وتتمثل الحقيقة في أن الموارد العالمية تعد كافية إلى حد ما بالنسبة للجميع. ومع ذلك، فإن حالة الخوف المنتشرة من خلال كثير من الطرق – فضلا عن مسألة الكراهية التي تنشأ باستمرار نتيجة لهذا الخوف – لن تؤدي إلى العزلة الفردية فحسب، بل إلى العزلة الاجتماعية أيضا. وفي الواقع أن جميع معاني المساعدة المتبادلة والحب غير المشروط والإيثار قد اختفت تقريبا.

إن مسألة خلق مجتمعات سعيدة من خلال نشر المحبة فيما بينها، تعد هي الشرط الجوهري المطلوب لمنع حدوث الأزمات الاقتصادية ومد يد العون للأشخاص الذين يصارعون الجوع عبر العالم. وبدلا من اتخاذ إجراءات اقتصادية لحل المصاعب الاقتصادية، يجب على الحكومات أن تحاول اتخاذ خطوات لخلق مجتمعات سعيدة. وفي حال كان الأشخاص يتمتعون براحة نفسية بشكل أكثر، سينتشر الاستثمار داخل المجتمعات بصورة أكبر من الادخار، فضلا عن وجود المشاركة بدلا من الأنانية. سيكون هناك رواج بالنسبة للمال والبضائع في مجال الاقتصاد بدلا من اختفائه. وبما أن المجتمعات تتعلم قيم الحب، فإنها ستسهم بشكل أكثر في إنجاز مصالح الآخرين وتحقيق الفائدة لمجتمعاتهم أكثر من أنفسهم، وعندما يحدث ذلك، فإنهم سيسعون إلى تنمية وتقوية الاقتصاد الوطني في وقت الأزمات من خلال تحريك أصولهم عن طريق الاستثمار بدلا من إبقائها والادخار. وعلاوة على ذلك، لن تعتمد هذه المجتمعات على المزاعم الاستفزازية بأن المتلاعبين في الأسواق الذين يسعون للاستفادة من الفراغ الاقتصادي في بعض الدول يقومون «بجر بلادهم إلى الانهيار» أو أن «النهاية أوشكت على الاقتراب». ومن خلال انتهاج مثل هذا المنهج، ستنتهي أزمات الكساد الاقتصادي قبل بدايتها في بعض الأوقات.

من الممكن خلق حالة من الوئام من خلال العمل الجاد والكلمات الطيبة واستخدام لغة السلام. ويشتمل الوئام والسلام على لغتهما الخاصة بهما، حيث يدرك القادة الذين يستخدمون هذه اللغة بأن الطريقة المتواضعة والمهذبة للتحدث سيكون لها دائما تأثيرا إيجابيا على سيكولوجية أي مجتمع بما يؤدي إلى نشر الأمن. وفي مثل هذه الأوقات، لن يتمنى الشعب والمستثمرون رحيل أي قائد يعتبرونه واحدا من الشخصيات التي مرت بنفس ظروف عزلتهم، ولن يسمحوا بحدوث اضطراب. يعتبر هذا الأمر سهلا وعمليا بنفس القدر الذي يمكن من خلاله إدارة موضوع المفاهيم السائدة لدى أي مجتمع. إن بناء حالة الوئام هي الشرط الوحيد المسبق لخلق روح الوحدة والتغلب على الصعوبات والخروج من الأزمات الاقتصادية.

التعليقات