مصر الكبرى

12:27 صباحًا EET

مليونية شعارها التعليم!

كل متتبع للشأن العربي والمصري بالخصوص، يرى أن العديد من الفاعلين الجدد والقدامى في المجال السياسي العام يستعملون الدين والشعارات المتعلقة به ليس لتدبير الشأن العام وإنما لاستكمال الاستيلاء على السلطة وإدارة الشأن العام.

ولا غرو أن نجد دعوات مليونية مؤخراً في مصر كانت إحداها دعوة من جانب الدكتور عصام العريان القائم بأعمال رئيس حزب الحرية والعدالة، لتطبيق الشريعة، باعتبار أن جل المصريين مسلمون، وأخرى دعوة مليونية شعارها ختم القرآن الكريم ونصرة الرئيس محمد مرسي جواباً على دعوة النائب محمد أبو حامد إلى مليونية لمواجهة استيلائية "الإخوان"، ثم آخرها المظاهرات التي تخللتها أحداث شغب يوم الجمعة الماضي في ميدان التحرير بين مؤيدين ومعارضين لـ"الإخوان"، وفي المنصة والاتحادية هتف آلاف ضد الجماعة مطالبين بدولة مدنية، وقد تخللتها شجارات ومناوشات استخدمت فيها قنابل صوتية وطلقات في الهواء ورشق بالحجارة.
فبالله عليكم، هل هذا ما تحتاجه مصر اليوم أو الدول العربية بأسرها؟ كلا وألف لا… قلنا مراراً هنا في صحيفة "الاتحاد" وسنكرر ذلك إن ما نحتاجه هو أسلوب جديد وأفكار جديدة في تسيير الشأن العام وإدارته وتوفير رغيف الخبز الكريم لكل شرائح المجتمع وتحقيق التنمية الدائمة لأوطاننا.
إن هذه الحالة تنذر بمستقبل سيئ وغامض وخطير، حيث يتهاتف المتهاتفون على مشاكل تكون الشعوب في غنى عنها وبالأخص إذا كانت ذات لون ديني أو إيديولوجي مدوٍّ… إن صناديق الاقتراع هي التي يتعين أن تكون الفيصل الدائم في تزكية الحكومة أو الزج بها في عالم المعارضة، وهناك اليوم أولويات يجب تناولها بدل الخوض في مشاكل تحرِّك المشاعر والوجدان ويكون لتحريكها خطر على الدين ووحدة المجتمع، وتكون طامة كبرى ومصيبة آزفة وداهية عظمى ليس لها من دون الله كاشفة على مستقبل العباد والأوطان.
أحيل هنا قراءنا الأعزاء على خطاب العاهل المغربي محمد السادس لـ 21 أغسطس الأخير بمناسبة ثورة الملك والشعب الذي يستحق هنا التأمل والدراسة العلمية والمستفيضة.
فهذا الخطاب سياسي بالدرجة الأولى، ولكن سياسي بالمعنى التنموي والاستشرافي والنقدي في آن واحد، وليس بالسياسي الذي اعتدناه في بعض الدول العربية الذي يقيم الدنيا على مواضيع مثل القضايا الأمنية وقضايا الطائفية والصراعات السياسية والوعد والوعيد تجاه المعارضة السياسية… وهي إشارة أيضاً إلى الأولويات التي يجب على كل أطياف المجتمع المدني والأحزاب السياسية والشباب الأخذ بزمامها.
ركز الخطاب الملكي على كيفية انتقال المجتمع المغربي إلى مجتمع معرفي تنموي يحقق الانطلاقة التعليمية في أعلى مستوياتها، التي بدورها تحقق النماء الاقتصادي والعيش الرغد لكل مكوناته.
وفي هذا الصدد أكد على أن المنظومة التربوية يجب أن تكون في صدارة الأولويات الوطنية لأنها هي رأسمال كل أمة، وهي الوسيلة المثلى لتربية وتكوين الأجيال الصاعدة وإعدادها للاندماج في المسار التنموي الديمقراطي، داعياً الحكومة إلى الانكباب الجاد على هذه المنظومة من أجل تطويرها وجعلها تضطلع بهذا الدور الحيوي والأساسي وتخول لجميع أبناء الوطن الحق في الاستفادة من تعليم محافظ على الجودة والجاذبية وملائم للحياة التي تنتظرهم، أي تعليم يساير المحيط ويستجيب للمتطلبات الاقتصادية والاجتماعية ولسوق الشغل ويساير الورشات الكبرى التي حققتها البلاد والتي يجب أن تبنى بفكر وسواعد أبناء هذا الوطن الذين سيكونون هم المستفيدون من ثمرات هذه الورشات التنموية.
ويمكننا أن نتوقف ملياً أمام عبارة العاهل المغربي التي قال فيها "إن تطوير التعليم لا يتعلق بتغيير في البرامج أو إضافة مواد وحذف أخرى، ولكن المطلوب تغيير يمس نسق التكوين وأهدافه مما يحول المدرسة من مكان لشحن الذاكرة ومراكمة المعارف -إلى منطق يتوخى صقل الحس النقدي وتفعيل الذكاء للانخراط في مجتمع المعرفة" وهذا كلام صحيح. فلا يمكن للتعليم لا في المغرب ولا في وطننا العربي أن يقوم بهذه المهام إذا هو استمر في الاعتماد على الأساليب التقليدية القائمة على التلقين والحفظ، بل يجب أن يصبح تعليماً ينبني على تأهيل ملكات الإنسان وشحذ روح الخلق والإبداع في كل التخصصات، فضلاً عن تعليم الناشئة وتربيتهم على قواعد التعايش والانفتاح والتشبع بروح المساواة. فإصلاح التعليم لا يتعلق حصراً بإضافة مواد أو حذف أخرى، بل إن الإصلاح يجب أن يشمل التكوين وأهدافه، هذه الأهداف التي تضفي دلالات جديدة على عمل المدرس، فضلاً عن تحويل المدرسة إلى فضاء يتوخى صقل وتنمية الحس النقدي وتفعيل الذكاء للانخراط في مجتمع المعرفة والتواصل، والتخلي النهائي عن الأساليب التقليدية في التلقين التي تعتمد على مراكمة المعارف.
إن العالم العربي في حاجة إلى مليونيات شعارها النهوض بالتربية والتعليم وشعارها النهوض بالمدرسة والمدرس… الدين بخير في أوطاننا العربية… ولا ينبغي أن يحمل كلامي في بداية المقالة على أنني ضد مليونية ختم القرآن ..كلا وألف لا! فقد قضينا ليلة القدر ولله الحمد متنقلين بين مساجد فاس في المملكة المغربية والمساجد مملوءة من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر ونفس الشيء يقال عن باقي المدن في المغرب والعالم الإسلامي؛ فالدين والشريعة مطبقان ولا ينقصنا شيء في الدين.. إن الذي ينقصنا في هذه الفترة الحاسمة هو إدارة الشأن العام وإصلاحه وعلى رأس أولوياته قطاع التربية والتعليم… والثورات العربية لم تقم من أجل تطبيق الشريعة لأن الشريعة بخير وإنما قامت لإصلاح ما اعوج في السيرورة التنموية والاقتصادية والمعرفية في أوطاننا…
والمليونيات يجب أن تنتقل في الحين من الرغبة في "الإسقاط" و"استغلال الدين في السياسة" إلى الوعي الصحيح "للإصلاح"، قال تعالى: "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ".

التعليقات