مصر الكبرى

12:38 صباحًا EET

هل تسترد دول “الربيع” ثرواتها المسلوبة؟

بدأت سويسرا إجراءات تجميد أموال النظام المصري السابق المودعة لديها خلال نصف ساعة من استقالة مبارك، وعينت 20 محققاً لمتابعة القضية، وقامت حتى الآن بتجميد أصول قيمتها 700 مليون دولار. فلماذا لم تحذُ الدول الأخرى حذوها؟

أكتب هذا الأسبوع من الدوحة، حيث اختتمت أعمال "المنتدى العربي لاسترداد الأموال"، وهو مؤتمر دولي نُظّم هنا لتنسيق الجهود الدولية لاسترداد الثروات التي تم الاستيلاء عليها من قبل حكام دول "الربيع العربي". وهذا المؤتمر، وهو الأول من نوعه على ما يبدو، خطوة مهمة في تنسيق الجهود الدولية لاسترداد تلك الأموال، وإن ظلت ثمة عقبات كبيرة قبل أن تستردّ تلك الدول ثرواتها. وتمت الدعوة للمؤتمر بالتنسيق بين دولة قطر ومجموعة الثماني، ممثلة بالولايات المتحدة الأميركية رئيسة المجموعة لهذا العام.وبالإضافة إلى الدول الكبرى الأعضاء في مجموعة الثماني، شاركت فيه الدول المعنية الأربع (تونس، ليبيا، مصر، اليمن) بوفود عالية المستوى، حيث كان بارزاً حضور الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، بالإضافة إلى دول (شراكة دوفيل)، وهي تجمع دولي لمساعدة الدول العربية التي تمر بفترات انتقالية، ومنظمات دولية مثل البنك الدولي والإنتربول (المتخصصة في تعقب المطلوبين دولياً). وكان لافتتاح أمير قطر لهذا المؤتمر شخصياً دلالة خاصة على اهتمام دولة قطر بنتائجه.وكان الحضور الأميركي المكثف لافتاً، حيث شارك المدعي العام الأميركي، ونائب مستشار الرئيس للأمن الوطني، ومعهما وفد كبير من وزارات الخارجية والعدل والأمن القومي، ومجلس الأمن الوطني، ومكتب التحقيقات الفيدرالي.وأكد البيان الرسمي الصادر من البيت الأبيض عن مشاركة الولايات المتحدة في تنظيم المؤتمر التزام الرئيس أوباما بـ"مكافحة الفساد في أنحاء العالم، ودعم التحولات الديموقراطية في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقية." ويبدو أن الولايات المتحدة قد أدركت، الآن، أن "الفساد قد أصبح أحد مجالات التظلم الرئيسية في المنطقة." حسب ما ورد في البيان، الذي أضاف "إن الولايات المتحدة تعمل بشكل وثيق مع الحكومات الجديدة، ومع المواطنين، في الدول التي تمر بمرحلة انتقالية، في جهودهم لمحاربة الفساد وتحقيق العدل في استعادة الأموال المسروقة".وكان هناك رسالة فيديو من الرئيس أوباما بمناسبة افتتاح المؤتمر أكد فيها: "الدعم الأميركي لدول الربيع العربي في استعادة ما قد يصل إلى مليارات الدولارات في أصول تم تهريبها من قبل أعضاء الأنظمة السابقة." مضيفاً أن "هذه الأموال لا تخص تلك الأنظمة، بل تخص الشعوب."فما هو سر الاهتمام الأميركي بقيادة هذا الجهد الدولي، عدا عن كونها رئيسة مجموعة الثماني؟ لعل السبب الأهم هو أن معظم قادة تلك الدول كانوا حلفاء للولايات المتحدة، محسوبين عليها، ولذلك فإنها قد ترغب الآن في إبعاد نفسها عن الفساد الذي شاب أنظمتهم. والسبب الثاني هو اعتقاد أميركا أن هذه الأموال عندما يتم استردادها "سوف تساهم في تسريع الانتقال نحو الديموقراطية"، مما سيخفف العبء المالي على الدول المانحة. وربما كان ثالث الأسباب أن لديها خبرة لا تُضاهى في تتبع حركة الأموال عبر الحدود، إذ نجحت خلال العقد الماضي في إعادة صياغة نظام التحويلات في العالم بعد أحداث 11 سبتمبر لتسهيل مراقبة التحويلات المشبوهة. وهذا الرصيد من الخبرات سيكون مفيداً في تتبع ثروات تلك الأنظمة السابقة.ومع ذلك، وكما حذر مايكل فرومان، نائب مستشار الرئيس أوباما لشؤون الأمن الوطني، فما زال ثمة صعوبات كثيرة تواجه هذه الجهود، و"ليس ثمة حلول سريعة جاهزة للقضايا القانونية التي تحيط به." ولهذا نصح بأن تكون هناك شفافية أكثر في النظم القانونية والاقتصادية لكي يتم كشف النظم المعقدة التي تُستخدم لإخفاء الأموال المختلسة.ومن الواضح كذلك أن التحرك الدولي في هذا المجال، على الرغم من النوايا المعلنة، ما زال محدوداً وبطيئاَ، وهذا أحد دوافع عقد المؤتمر بالدرجة الأولى. وهذا ما أشار إليه الرئيس التونسي حين قال إن بلاده لم تتمكن حتى الآن من استرداد أي مبالغ، لأسباب "قانونية وسياسية" حسب قوله، وهو ما أكده السياسي التونسي راشد الغنوشي، مقدراً الأموال التونسية المسلوبة بتريليون دولار، وهو رقم يفوق التصديق.ويشتكي ممثلو مصر من عدم التعاون من قبل بعض الدول، إذ نشرت هيئة الإذاعة البريطانية نقداً لاذعاً وجّهه وزير الشؤون القانونية المصري للحكومة البريطانية، على وجه الخصوص، ولكنه قال إن حكومته نفسها لم تستكمل التحقيقات على النحو المطلوب لأن بعض بقايا النظام السابق ما زالت متنفذة. وبالغت الصحافة المصرية في تقديرها للأموال المسلوبة بـ (32) تريليون دولار! أي ما يعادل الناتج المحلي الإجمالي لمدة (130) سنة.وكان فيلم وثائقي بثته (بي بي سي) في أوائل سبتمبر الحالي قد أشار إلى "فشل الحكومة البريطانية في القيام بالتزاماتها لتجميد أصول نظام حسني مبارك." وقارن بين سرعة إجراءات سويسرا وبطئها في الاتحاد الأوروبي وبريطانيا على وجه الخصوص. وأشارت (بي بي سي) إلى أن بريطانيا قد جمّدت (135) مليون دولار فقط من أصول أركان النظام السابق، مستشهدة بعدد من الأمثلة من أملاكهم التي لم يتخذ بحقها أي إجراء.وبالمقارنة، بدأت سويسرا إجراءاتها خلال نصف ساعة من استقالة مبارك وعينت 20 محققاً لمتابعة القضية، وقامت حتى الآن بتجميد أصول بلغت قيمتها (700) مليون دولار. أما الاتحاد الأوروبي فقد استغرق (37) يوماً لاتخاذ قرار بالتجميد الجزئي!ويشكل مؤتمر الدوحة بداية للتنسيق الدولي، وإن كان من الواضح أنه ما زالت هناك عقبات تواجه توحيد الجهود، واقتصر البيان الرئاسي على بضع خطوات عملية مرحلية مثل تقديم المساعدة الفنية للدول المعنية لتتبع وتوثيق الثروات المسروقة، والدعوة إلى مزيد من التعاون الدولي لتجميد تلك الثروات ومن ثم بدء عملية إعادتها إلى أصحابها الشرعيين.وهناك درس مهم من تجربة سويسرا التي كانتْ لعقود طويلة، الملجأ المفضل لإخفاء الأموال المسروقة، ولكنها بدأت مؤخراً في إصلاح نظامها البنكي للسماح بمتابعة تلك الأموال، وتجميدها إن لزم الأمر، والتعاون مع الدول المعنية لإعادتها إليها. فإذا كان ذلك ممكناً في العالم الخفي والمعقد للبنوك السويسرية، فإنه ممكن في أي مكان آخر.

التعليقات