كتاب 11

08:31 صباحًا EET

حقوق الإنسان من الحقائق البديهية

إذا سألنا أنفسنا، من الذي يقر بحقوق الإنسان، أي إقرار إنسان بحق إنسان آخر؟ الجواب يأتي بديهياً ومن دون تفكير، وهو أن الذي يقر بهذا الحق هو الإنسان نفسه وليس مخلوقاً آخر، وهو الذي يرى أن الذي له هو مثل الذي عليه .

فإذا أنكر الإنسان هذا الحق لغيره أو انتقص منه مقابل ما يعطيه لنفسه، فإنه ينكر وينتقص حقاً من حقوقه الشخصية التي يشترك فيها مع الآخرين، لأن الإنسان مهما حاول أن يجعل لنفسه ميزة على أخيه الإنسان، بسبب جاه أو مال أو انتماء إلى أهل الجاه والمال، فإنه يفعل ذلك ظاهرياً لغرض إبراز تمييز وهمي، لكنه في قرارة نفسه يعرف معرفة تامة أنه لا يختلف عن غيره من الناس، في تكوينه البيولوجي من الناحية العلمية، وفي تكوينه وخلقه من الناحية العقائدية التي تؤكدها الشرائع، وهو أن الإنسان يأتي من ذكر وأنثى في الأصل، كما ورد في القرآن الكريم، “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير” .

وكما يقول الشاعر العربي:

الناس من جهة الآباء اكفاءُ                      أبوهم آدم والأم حوّاء

إذاً، شعور الباطن والتصرف الظاهر، هو الذي يحكم نظرتنا إلى الغير سلباً وإيجاباً، وهذا الشعور كامن ومترسخ في أذهاننا منذ الصغر عن طريق ما تلقيناه من التربية وما تراكم لدينا من العادات والثقافات والموروثات على مر الأيام .

ومن هنا يتضح أن تبني مبادىء تتعلق بحقوق الإنسان والإيمان بها، هي مشاعر بديهية، وأن هذه المشاعر قد تراود أي واحد منا بشكل بديهي من دون أن نعد لهذه المشاعر حسابات ودراسات ومشاريع ومراكز، كما يتضح أيضاً، أن المسألة ليست تخطيطية ولا ميكانيكية ولا تحتاج إلى إعداد وتدريب، وبعد ذلك شهادات يصدرها الأكاديميون والمدربون في الكليات والجامعات ومراكز التعليم، ولم تكن حقوق الإنسان في يوم من الأيام منهجاً متكامل الأركان يدرّسها أساتذة مختصون ودارسون . وقد يتجمع أعداد ممن يضفون على أنفسهم شيئاً من الاختصاصية في هذا المجال، مجال حقوق الإنسان، لاستعراض مسائل تتعلق بحقوق الإنسان أفراداً وجماعات، فنجد من بين هؤلاء أناساً لا تقر ممارساتهم بأي حق لغير أنفسهم وأهلهم وعشيرتهم الأقربين، ويتخذون موقفاً بينهم وبين رعاية حقوق الإنسان بون شائع من المفارقات .

ولقد علمتني التجارب والاحتكاك الطويل بالأفراد والجماعات(أنا، كاتب هذه السطور)، أن هناك من يغريك بألقابه الاجتماعية والمهنية، وذرابة لسانه في التنظير الخطابي، ولكنه خاوٍ من الأبعاد الإنسانية، وغارق حتى أذنيه في العنعنات الشوفينية والأدلجة السياسية والعقائدية والانتمائية القومية، من تلك التي يبتعد عنها الإنسان السوي لا سيما الناشط في مجال حقوق الإنسان . .

وفي الوقت نفسه، رأيت أناساً غير ملتصقين ببريق الألقاب ولا يغريهم رنينه، ملئت أفئدتهم بمشاعر إنسانية عالية في السمو ينفعلون ويتفاعلون مع أية معاناة يتعرض لها الإنسان، ويسارعون ما وسعهم الأمر إلى رفع هذه المعاناة مادياً ومعنوياً، ويبذلون من أوقاتهم في خدمة مجتمعهم من دون كلل، وفي مثل هذا الإقدام قد يتعرضون للمتاعب .

ومما يثلج الصدر أنني ألاحظ ويلاحظ معي الكثيرون، أن في الإمارات يزداد الفريق ذو النزعات الإيجابية بشكل لافت للنظر، ويزداد تباعاً عدد الناس الذين يطلبون الانضمام إلى جمعية الإمارات لحقوق الإنسان للقيام بأعمال تطوعية، وقد وصل العدد إلى ما يقارب تسعمئة شخص، وهذا دليل على أن الإيجابية في المشاعر الإنسانية في ازدياد مستمر . ولسنا نزعم أن هذه الأعداد الكبيرة في مجتمع صغير ديمغرافياً، تعمل جميعها بجد وحماسة على تلافي السلبيات في العمل التطوعي، ولكن الأغلبية من هؤلاء يتصفون فعلاً بالإيجابية . وفي اعتقادنا أن ذلك مؤشر على غلبة الإيجابية على السلبية ودليل على أن التنافس في الخير يتسع يوماً بعد يوم ويزداد ويقوى، ودليل على أن هناك مشاعر مشتركة بين أجهزة الدولة والمجتمع في الإمارات للسير بثبات نحو هذا الاتجاه، اتجاه التنافس في الخير .

التعليقات