كتاب 11

12:00 مساءً EET

سر وحدة مصر

منذ أن وحد مينا القطرين، ومصر لم تنقسم طيلة سبعة آلاف هام أو يزيد، ومعجزة وحدة المصريين لا تعود إلى شروط خاصة بالإتحاد بقدر ما تعود إلى طبيعة الشخصية المصرية، فالمصريون يحملون صفات عديدة، قد لا توجد في شعوب أخرى، و أهم تلك الصفات أنهم شعب غير عنصري، وقد يرد البعض قائلاً، بأن شعب مصر خليط من عدة أجناس، وبالتالي لا يمكن أن نصف المصريون جميعاً بصفة قد تتوافر في عرق ولا تتوافر في أعراق أخرى ! والواقع مقولة أن المصريون شعب من عدة شعوب حقيقة لا يمكن أن ننكرها.

بيد أن هناك مشترك ما بين المصريين أصحاب الأصول الفرعونية، وبين كل الأجناس التي جاءت إلى مصر باحثة عن موطن جديد، فالشخص العنصري بطبيعة الحال، من الصعب أن يترك وطنه ليعيش في أرض غير أرضه وبين أهل غير أهله، لذا فإن كافة الأجناس التي جاءت إلى مصر تتفق طبيعتها مع طبيعة المصريين ذوي الأصول الفرعونية، ومع مرور السنين وإنصهار الجميع تحت مظلة الدولة وسيادة مبدأ القانون والمواطنة، أصبح الجميع مصريون، بغض النظر عن أي إختلاف عقائدي أو عرقي، لذا يمكننا الجزم بأن المصريون جميعاً، مهما إختلفت أصولهم أو أعراقهم، فهم جميعاً شعب واحد.

إن المواطنة والمساواة شرطان أساسيان لدولة موحدة، يحكمها القانون، وهذا ما جعل مصر مختلفة عن معظم الدول العربية مثل : العراق، وسوريا، والأردن، ولبنان، ودول الخليج كافة، واليمن، والجزائر، فكافة تلك الدول، لا زالت القبلية فيها تلعب أدواراً متعددة منها ما هو سياسي ومنها ما هو  قضائي، لذا فإنها في كل مرحلة تحول سياسي تعيش مراحل ظلام موحشة تستباح فيها الدماء والأعراض.

إن بقاء العصبية القبلية يعني وجود لبقايا الجاهلية الأولى، في نفوس شعوب تلك الدول، فحتى الآن هم لم يتخلصوا من بقايا جاهليتهم، والتي طالما حذر منها رسول الله محمد “ص”.

إن العصبية القبلية، كانت هي المشكلة الأكبر التي قابلها الرسول “ص” فسبب عداء القبائل العربية للدعوة الإسلامية في بدايتها، كانت لأن الإسلام يساوي بين الناس جميعاً، ويجعل من التقوى مقياس الأفضلية فيما بين الناس ! كما أن الإسلام لم يساوي فقط بين كافة القبائل العربية، وإنما ساوى أيضاً بين كل البشر عجم كانوا أم عرب ! إذ أن كثيرون من العرب كانوا قد تغاضوا عن عصبيتهم القبلية، على أساس الإنصهار في الهوية العربية ككل، إلا أنهم وجدوا أنه لا فرق بينهم وبين العجم في الإسلام أيضاً.

لقد قرر الرسول “ص” في بداية دعوته، أن يقضي على العنصرية حتى ينتشر دين الله الجديد، فالقبائل العربية كانت متعددة، وتفاخر كل إنسان بقبيلته كان أمراً يدعو للشرف، ذلك قبل ظهور الإسلام، بيد أن الرسول “ص” أعلن أن  العصبية القبلية والإنصهار فيها دون الدولة، هو أمر من أمور الجاهلية الأولى، ومن ثم قرر الرسول “ص” أن يضع قواعد للدولة الجديدة والتي من أهم شروطها :

أولاً/ المساواة بين العبيد والأسياد ولا فرق بين عبد وسيد.

ثانياً/ ألغى الإسلام الرق، ومنعت تجارة العبيد.

ثالثاً/ جعل الإسلام من تفاخر العرب بقبائلهم أمراً من أمور الجاهلية قبل ظهور الإسلام  !

رابعاً/ أصبحت الأفضلية بين الناس إبان ظهور الإسلام، للسبق للإيمان بالدين الجديد، وبالتالي تم القضاء على العصبية القبلية.

نجد فيما سبق أن دولة الإسلام ما كانت لتقوم، إلا بعد أن قضت على العنصرية قضاء تام، وقد نَعت الإسلام العنصرية بصفة قميئة، بأن وصفها بأنها أمر من أمور الجاهلية ! ولولا قضاء الإسلام عليها ما إستطاعت مجموعات من القبائل البدوية إقامة دولة إمتدت فتوحاتها من الصين شرقاً إلى الأندلس غرباً.

مما سبق أقول :

أن سر وحدة مصر، لأن المصريون شعب غير عنصري، وهم شعب رفع راية المساواة قديماً وحاضراً وسيظل يرفعها في المستقبل، شعب متسامح مع كافة الأجناس والأعراق الاخرى، وليس معنى حروج أقلية عن القاعدة العامة، أن هناك خلل في التركيبة المجتمعية المصرية.

وعلى الله قصد السبيل

التعليقات