كتاب 11

08:24 صباحًا EET

هل تلهي أوكرانيا أمريكا عن سوريا؟

يغالي بعض المحللين في تقدير إنشغال أوباما بالحرب الدائرة في سوريا إلى درجة لم يتورعوا معها عن الادعاء بأنه فجّر أزمة أوكرانيا في وجه بوتين اقتصاصاً منه لدعمه نظام الأسد في سوريا .

أوباما منشغل فعلاً بالحرب في سوريا وعليها لأسباب تتعلق بمصالح أمريكا في المنطقة ومصالح حلفائها ولاسيما “إسرائيل”، لكن انشغاله لا يرقى إلى درجة فتح معركة مع بوتين في أوكرانيا قد تؤدي إلى حصول صدام عسكري لا مصلحة للقطبين في الانزلاق إليه . ثم من قال إن لدى الولايات المتحدة النية والقدرات اللازمة لمواجهة روسيا في عقر دارها؟

صحيح أن أوباما حريص، شأن أوروبا و”إسرائيل”، على إخراج سوريا من محور الممانعة والمقاومة، وإنه يُعدّ وحلفاؤه لهجمة باتجاه دمشق تقوم بها فصائل المعارضة السورية من الحدود الأردنية – السورية، لكنه أذكى من أن يورط بلاده بالتزامات وأعباء جديدة باهظة لا قدرة لها على الوفاء بمتطلباتها وسط الأزمة الاقتصادية التي ترزح تحتها بوصول الدين العام الأمريكي إلى ما يزيد على 17 تريلينوناً (ألف مليار) دولار .

كانت واشنطن تأمل بأن تدخل فصائل المعارضة السورية الجولة الأولى من مفاوضات مؤتمر “جنيف-2” بوفد موحد وبوضع ميداني متكافئ مع النظام السوري . لكن المعارضة السورية خيبّت أملها . فالفصائل الإسلاموية المقاتلة، ولاسيما “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) و”جبهة النصرة”، إضافة إلى “الجيش الحر” انخرطت في حرب تصفية فيما بينها عزز وضع الجيش السوري ميدانياً ومكّنه من السيطرة على مواقع عدة لها في أرياف حلب وحمص ودمشق . ثم إن فصائل المعارضة عجزت عن التوصل إلى صيغة مقبولة لوفد موحد، فكان أن شكّل “الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية” وحده الوفد المفاوض رغم افتقاره إلى مساندة وازنة من أي تنظيم مسلح في مسارح القتال .

بعد إخفاق الطرفين في الجولة الأولى من المفاوضات في تحقيق نجاحٍ ملموس، قررت واشنطن إعادة النظر بسياستها تجاه سوريا بالتزامن مع إعادة النظر بسياستها تجاه أوكرانيا وصولاً إلى إعادة النظر بسياستها تجاه روسيا إقليمياً ودولياً . فإدارة أوباما كانت ليّنت موقفها من روسيا في ظل حكم فلاديمير بوتين لاعتقادها أن التحدي الأساسي الذي يواجهها لم يعد في أوروبا والشرق الأوسط بل أضحى في آسيا بفضل تعاظم قدرات الصين في جميع الميادين .

بسبب تصادم المصالح مجدداً في الشرق الأوسط بين أمريكا وروسيا، أصبحت المجابهة تجري على مدى قوس يمتد من دمشق إلى جنيف ومن ثم إلى كييف . ففي أوكرانيا، انتقلت أمريكا وأوروبا من إبداء النصح للرئيس فيكتور ياناكوفيتش إلى إبداء التأييد العلني للمعارضة المعادية لروسيا ودعمها بالأسلحة ما أدى إلى استيلاء “الثوار” القوميين المتطرفين على السلطة في كييف العاصمة وهروب ياناكوفيتش إلى جنوب البلاد .

غير أن محور الجهد الأمريكي الرئيسي ما زال يتركّز على سوريا . فقد جرى تسريب أخبار من عواصم أمريكا وأوروبا كما من “إسرائيل” بأن واشنطن أعادت النظر بسياستها تجاه سوريا بقصد تمكين المعارضة المسلحة من شن هجوم واسع من جهة الحدود الأردنية – السورية باتجاه دمشق لحمل النظام على التراجع والرضوخ لمطلب أمريكا في إقامة حكومة انتقالية من دون مشاركة الرئيس الأسد . لهذه الغاية قامت واشنطن، بحسب صحف أمريكية وبريطانية و”إسرائيلية”، باتخاذ التدابير الآتية:

– تدريب لا أقل من ثلاثة آلاف مقاتل للمعارضة في الأردن لدفعهم إلى سوريا من جهة درعا غرباً والبادية شرقاً .

– احتضان عملية توحيد 49 فصيلاً للمعارضة في جنوب سوريا وضمها إلى “جيش” العميد عبدالإله بشير النعيمي الذي نصّب نفسه رئيساً لأركان “الجيش الحر” بعد اطاحته قائده السابق اللواء سليم ادريس .

– تزويد مجموعات المعارضة المسلحة أسلحة نوعية كالصواريخ المضادة للدروع وقذائف المدفعية الثقيلة، وإجازة تسليحها بصواريخ محمولة على الكتف مضادة للطائرات .

– النظر في إمكانية فرض منطقة حظر جوي في جنوب سوريا، بما في ذلك منطقتا حوران والقنيطرة المحاذيتين للجولان المحتل .

– تقديم معلومات رادارية واستخبارية لقوات المعارضة حول تحركات القوات السورية وسلاحها الجوي .

قبل أيام وساعات من انطلاق هجمة المعارضة السورية من الحدود الأردنية باتجاه دمشق، انفجرت الأزمة في أوكرانيا فسارع أوباما إلى الاتصال بنده بوتين ليقول له إنه مع تسوية النزاع في إطار أوكرانيا نفسها وبعيداً عن العنف .

صحيح أن أمريكا وأوروبا دعمت معارضي ياناكوفيتش بالمال والسلاح، لكن أوباما أقرّ بأن لاوروبا الدور الأول في معالجة الأزمة . لماذا؟ لسببين: لأن أوروبا أقرب جغرافياً وسياسياً، ولأن أمريكا لا تريد أن تنشغل بأوكرانيا عن سوريا . وهل تتورط أمريكا في أوكرانيا وهي التي تعاني، حالياً، من “إسرائيل” في مسألتين:

الأولى، مسألة الاستيطان وبسط سيادتها على المسجد الأقصى ما أدى إلى اتخاذ البرلمان الأردني توصية بطرد السفير “الإسرائيلي” من عمان .
الثانية، مسألة إغارة سلاحها الجوي على موقع لحزب الله في لبنان بدعوى منعه من الحصول على أسلحة “كاسرة للتوازن” .

باختصار، أمريكا منشغلة بنفسها، ومنشغلة ب “إسرائيل” ومفاعيل توسعها الاستيطاني على الفلسطينيين وحلفائها العرب المحافظين،فلا سبيل لتشغل نفسها عن الحرب السورية بملابسات وأعباء أزمة أوكرانيا .

التعليقات