مصر الكبرى

11:51 مساءً EET

هل سقط المصريون في اختبار الوطنية؟

لن أجافي الصواب عندما أقول أنني لطالما وقعت أسير أفكار تبدو للآخرين مجنونة وتنم عن درجة لا متناهية من التهور واللامبالاة التي أنا عليها (وافتخر بذلك) ومن هنا فلطالما تخيلت بل واحترت في اختراع أساليب أستطيع من خلالها كشف نسبة انتماء الكثيرين ونظرتهم الشخصية للكيان الصهيوني (لإشباع فضولي الشخصي) من عموم هذا الوطن العربي ‘التعيس’ (باستثناء الأنظمة طبعا لان رأيها معروف سلفا ولا يحتاج لبذل أدنى جهد) مع العلم أن لانغماسي المفرط في شؤون القضية الفلسطينية دور واضح وجلي في استفحال هذه ‘الهلوسات’ والتي أفرزت ‘بالقوة والهمجية’ كيانا غاصبا يسمى ‘إسرائيل’.

وكي نترفع عن الشعارات الرنانة و’الكليشهات’ الجاهزة والتي لم تزدنا إلا تخلفا وجهلا (ولنا في نظام الممانعة بدمشق أسوة حسنة) فأنني وفي أجمل أحلامي (وما أكثرها) لم أتوقع البتة ولادة فكرة تنسج من صلب الموضوع وتستهدف ذات الطرح كتلك التي نسجها الدكتور هيثم الفيل رئيس مجلس إدارة شركة (أي كلاود ميديا) المصرية وحملت عنوان ‘الحكم بعد المزاولة’ وأثار البرنامج ضجة كبيرة فور عرضه في شهر رمضان المنقضي وحمل العديد من المفاجآت الغير سارة والتي كشفت النقاب عن الوجه الآخر والمخفي للكثير من الشخصيات المصرية المعروفة، طبعا موضوعنا الأساسي ليس الإشادة والتطبيل لفكرة البرنامج وحسب ذلك أنها نالت ما تستحقه في الأيام الماضية غير أن الغريب من وجهة نظري جاء بعد متابعتي قبل أيام لإحدى حلقات برنامج ‘فيها حاجة حلوة ‘ الذي يعرض على قناة التحرير المصرية وكان صناع العمل ضيوفه الرئيسيين مما مهد لكشف حقائق جديدة ظلت طي الكتمان ولم تقتصر على الحلقة المثيرة للجدل والتي لم تعرف طريقها إلى العرض والمتعلقة بالدكتور توفيق عكاشة صاحب قناة الفراعين والمتابع حاليا في عدة قضايا ونزاعات لا حصر لها.ما يمكن استنتاجه أثناء النقاش المحتدم في الحلقة حول ‘فضيحة ‘ الأخير والذي لم يتوان في الكشف عن ‘عشقه وهيامه’ اللا متناهيين بالكيان الصهيوني صادحا بأعلى صوته بأنه مع تصدير الغاز إلى إسرائيل ومعترفا بحقوق الصهاينة في الأراضي الفلسطينية وجازما بان المسجد الأقصى هو الوحيد الذي يربط مدينة القدس بالمسلمين هذا كله قبل أن يكتشف انه أمام فتاة مصرية وفي تلفزيون مصري ليبدأ وصلة معهودة من لدن هكذا شخصيات تقتات من ‘شطحاتها الإعلامية’ محاولة احتكار الأضواء ولو على حساب الأخلاق والضمير الحي والسؤال هنا على ماذا يستند عكاشة في ادعاءاته اليائسة في نفي الواقعة في ظل هذا الزخم من الأدلة القاطعة؟ طبعا ارتكز جزء لا بأس به من الحديث عن المسؤول وراء نشر الحلقة لأن الشركة المنتجة ملتزمة بتعهد يفرض عليها عدم عرضها وفقا لقواعد الشرف المهني (ولو أن هذه النوعية في رأيي لا تخضع لهكذا معايير)، غير أن المفاجأة التي لم تخطر ببالي شخصيا واجزم أنها لم تنل ذات النصيب من الآخرين تهم التصريح الذي اعتبره شخصيا غاية في الخطورة ومرت عليه مقدمات البرنامج مرور الكرام والمتعلق بوجود ثماني إلى تسع حلقات مشابهة للحلقة السالفة الذكر وطلب أصحابها منعها من البث هنا لا مناص من الاستفسار عن نوعية هؤلاء الضيوف طالما أن البرنامج يستضيف شخصيات معروفة من عالم الفن والإعلام وأخرى من المواطنين العاديين بل والسؤال الأبرز استنادا لحديث صاحب الفكرة الأصلية والمنتج الفعلي للعمل الدكتور هيثم الفيل بالإضافة إلى التي أدت شخصية المذيعة في البرنامج هل يمكننا القول أن الكثير من فئات الشعب المصري باتت مع فكرة التطبيع مع الكيان الصهيوني؟ وإلا فكيف يقبلون بالظهور في قناة إسرائيلية بكل رحابة صدر؟الغريب في الأمر هو الصخب الكبير الذي رافق الحلقات التي كشف أبطالها عن رفض مطلق للتطبيع بل إن بعضهم قام بأعمال عدائية كانت المذيعة ضحية لها ظنا منهم أنهم ضيوف في قناة إسرائيلية حقيقية (على غرار تصرف الفنان ايمن قنديل) وهنا طبل الجميع وزمر لحس الوطنية العالي الذي أبداه هؤلاء بل حتى إن بعض المسؤولين الصهاينة الكبار هاجموا البرنامج وهذا ما تفاعلت معه الصحافة المصرية كثيرا، ولكن إلى متى سنظل نترفع عن قول الأمور كما هي عارية ودون مساحيق تجميل؟ لا ارمي في كلامي هذا للتشكيك في وطنية وولاء الشعب المصري الباسل والذي قدم مئات الشهداء من اجل القضية الفلسطينية وكذا لتطهير كل شبر عربي دنسه الصهاينة ولكن من حقي كغيور على المحروسة وأبنائها التعبير عن دهشتي لهذه الحقائق ‘الصادمة ‘ التي كشفها هذا البرنامج الرائع والذي لا يجب إن يقتصر بالمناسبة على قطر عربي معين ولما لا استنساخ أفكار مشابهة عنه (بدل التركيز على استقدام التفاهات الغريبة على مجتمعاتنا) لأننا حقا في زمن بيع القضية بابخس الأثمان والأدلة باتت تنهال علينا من كل حدب وصوب ..
فدوى سليمان تتصدى
لا ضير من القول بل ومن الاعتراف أنني أكن عداء خاصا للغة الفرنسية وقد تستغربون أنني مغاربي واخط مثل هذا الكلام وهم الغارقون في براثين هذه اللغة حتى أخمص القدمين (طبعا هذا لن يغير من حقيقة الأمر شيئا) لكنني وعلى غير العادة توقف جهاز التحكم عندي وبتسيير خفي (ربما) عند محطة ‘تي في 5 موند’ الفرنسية فور ‘ارتطامي’ بوجه الفنانة السورية الثائرة فدوى سليمان (والغريب أنها خطرت ببالي أيام قليلة قبل المقابلة التلفزيونية هذه وقمت بتحيتها الكترونيا والاطمئنان على أحوالها بعد فترة غياب طويلة)، المدهش بالنسبة لي معرفتي المسبقة ودرايتي بمحدودية إدراكها للغة موليير وهذا ما جعلني أتسمر مكاني وأنا أتابع مداخلاتها الرائعة وهي تتصدى لذاك وتوافق الآخر دون وجود آلة للترجمة الفورية وذلك ما فطن له المنشط التلفزيوني محمد قاسي هو الآخر بل ونوه بالنقطة. جميل جدا أن يناضل المرء من اجل قضية آمن بها وان يصل به الحد إلى الاغتراب بل ومجابهة الآخر بشتى الطرق كي لا يسرف في إهانة قضيته ووطنه وهكذا كانت فدوى سليمان وهي ترفض الخوض في تفاصيل باتت وليدة هذه اللحظات العصيبة من تاريخ سوريا إذ منذ متى كنا نقسم الشعب السوري إلى أطياف وطوائف ونسعى لزرع الفرقة بينها خدمة لأهداف يبذل النظام وأزلامه الغالي والنفيس للاستفادة منها؟ ذلك أن السؤال الذي وجدته شخصيا ينم إما عن جهل عميق بسوريا أو يخفي خلفه أبعادا أخرى اكبر وأعظم وجهه مذيع البرنامج حول الطائفة العلوية للضيفين الآخرين وهما الصحافي أكرم بلقايد والأستاذ يوسف كرباج اللذين أسهبا في الشرح غافلين عن مسألة أهم أن كل فئات الشعب السوري تتوق للانعتاق وللحرية بعيدا عن هذا التصنيف البغيض والذي لا يؤدي إلا لطريق الحرب الأهلية الموحشة التي لن تفرز إلا منتصرا واحدا ووحيدا يتمثل في الأعداء المتربصين بسوريا في كافة الاتجاهات ولست بجاحد إذا قلت أن فرنسا هي الأخرى لا تختلف كثيرا عن روسيا ولا عن إيران وقطر وكل القوى الطامعة الأخرى، وهنا تجدر الإشادة بالموقف الحاسم والحازم للفنانة السورية والتي تحاشت الوقوع في مثل ذلك الفخ واضعة مصلحة الشعب السوري وسقوط النظام الدموي على راس الالويات وأسمى الغايات، وسؤالي الدائم والمتجدد هل حقا هذا الغرب وإعلامه حريص على دمائنا إلى هذا الحد؟ اشك ..
في حضرة المفتي تامر حسني
منذ فترة ليست بالهينة دأبت بعض الفضائيات الغنائية المصرية على عرض كليب جديد للفنان المصري تامر حسني أو ما يطلق عليه سابقا نجم الجيل وحاليا نجم الشرق ومستقبلا ربما نجم الكون (والله اعلم) المثير في الموضوع (لا اقصد الإثارة المعروفة كلما هممنا بالحديث عن الموسيقى العربية في العصر الحالي) أن ‘صاحبنا’ قرر العودة لأسلوبه القديم الجديد والمتمثل في استثارة العواطف وكسب الود من خلال كلمات تدعو لنشر الفضيلة وقيم التسامح والإخاء بين البشر، إلى هنا الأمور على أحسن ما يرام وحتى كلمات الأغنية ولحنها إحقاقا للحق اقل ما توصف به أنها رائعة غير أن الجزء الذي يبعث على الاستغراب ويعود بتامر ‘النسخة القديمة’ إلى الواجهة يهم بالأساس المقطع الذي يدعو إلى ضرورة تجنب ما يعرف ‘بالمعاكسة’ في الشارع من لدن الشباب تجاه البنات والمفارقة هنا أننا لا يمكننا تصور هذا الأمر دون ذكر صاحب ‘الصولات والجولات’ في هذا الخصوص وشرف البطولة يعود لفناننا المذكور او بالأحرى ‘صهرنا العزيز’ (كيف لا وهو أعلن قبل أيام معدودة زواجه بمطربة مغربية) بالطبع كيف لا وهو ‘ملك المعاكسة’ والأستاذ (كما يقول في كلمات إحدى أغانيه) إذن السؤال المطروح متى سيتخلى هؤلاء الفنانين عن تقديم المواعظ الموسمية وبالتالي الاستهتار بالجمهور؟ أم أنها الوسيلة الأنجع لكسب ود الحكام الجدد من لا يعترفون بوجود الفن من الأساس ويضعون محاربته هدفهم الرئيسي؟ شخصيا لا استغرب رؤية فيلم سخيف جديد أو كليب غنائي يحمل كلمات بذيئة من لدن ذات الفنان الذي لا أزال مصرا على القول انه يتصرف بشخصيتين الأولى تدين الثانية في انتظار ثبوت العكس ويكذبني مستقبلا بأعمال تصب في ذات الخانة .. والأيام بيننا.
‘صواب وكلام’ على خطى كلام نواعم
الحديث عن ايجابيات التلفزيون المغربي أشبه بتحقيق انجاز غير مسبوق كتلك الميداليات اليتيمة التي حققها العرب في اولمبياد لندن الأخيرة، ولذلك تجدني سعيدا وآنا أتطرق لموضوع لم ينل حقه من التمحيص والتدقيق وكذا التنويه، ففكرة مشاهدة برامج تلفزيونية ذات مضمون هادف ومن تقديم أسماء ذات حضور فني وإعلامي محترم وراقي من قبيل الفنانات الثلاثة سامية اقريو ونورة الصقلي والسعدية لديب وهن اللواتي يبصمن على تألق لافت سواء في المسرح او التلفزيون بفكرتهن المميزة والتي نالت الاستحسان والقبول في موسم رمضاني أخر للنسيان وجاءت بعنوان ‘بنات للامنانة’، وتبدو فكرة استثمار نجاح هذا الثالوث المنضوي تحت لواء فرقة مسرحية واحدة تحمل اسم ‘الطاكون’ وتنحدر من نفس المنطقة خطوة غاية في الذكاء مما مهد لإنجاح برنامج ‘صواب وكلام’ الذي يبث على القناة الأولى المغربية كل خميس ويستضيف شخصيات متنوعة من عدة مجالات وتتوزع فقراته بين النجمات الثلاث وفي قالب ظريف وجاد في نفس الوقت مع طرح مواضيع هادفة واستحضار لروح الفكاهة التي تميز سكان الشمال المغربي، وقد تعتبر مسألة المقارنة الدائمة ببرنامج عربي عريق يحظى بشعبية جارفة والمتمثل في ‘كلام نواعم’ على قناة آم بي سي بمثابة خطوات متسارعة إلى الأمام يقطعها البرنامج الحديث العهد والذي من المفترض أن يضع هذا البرنامج الضخم هدفا يسعى لمجاراته ومسايرة نجاحاته الساحقة طبعا شتان بين الإمكانيات المرصودة للاثنين، ولكن مشوار الألف ميل يبدآ بخطوة رغم أن السؤال الأهم ‘إلى متى ‘سيتغاضى’ القائمون على التلفزيون المغربي على نجاحات هذا البرنامج وبالتالي الإسراع بإيقافه على غرار ما فعلوه مع من ذاقوا حلاوة النجاح؟نتمنى أن يحدث العكس وينتصر الإبداع هذه المرة ..
 
*عادل العوفي : كاتب من المغرب

التعليقات