كتاب 11

09:43 صباحًا EET

“هيدا حكي” غير مقبول على الشاشة

لو أمكن للتلفزيون أن يتكلم ويعبّر عن نفسه، لبكى ورثى حاله . ولو أمكنه أن يغربل القنوات والمذيعين والبرامج، لينقي نفسه من كل الغث، لتبرّأ من 90% مما وممن يطلون من خلاله، لأنهم أفقدوه هويته وسبب وجوده، واستغلوه كثيراً ليحققوا شهرة على حساب كل قيمه ومبادئه التي ولد عليها .

لم يكن الهدف من وجود التلفزيون، أن يتحول إلى منبر للابتذال وبشكل وقح واستفزازي، وهذه المرة ليس بسبب ما تعرضه المحطات من أفلام فيها مشاهد قد تكون إباحية، والألفاظ والأفكار الهابطة في المسلسلات، إنما بسبب بعض البرامج التي تتعمد أن تكون وقحة مع سبق الإصرار، ولعل كلمة ”وقحة” قليلة وغير مناسبة، لأن أمثال هؤلاء يذهبون إلى أبعد حدود الإباحة متجاوزين المفهوم الحقيقي للبرامج وشروطها ومتطلباتها .
نتوقف عند الحلقة قبل الماضية من برنامج “هيدا حكي” الذي يقدمه الممثل عادل كرم على قناة “ام تي في” اللبنانية . حلقة انحدر فيها كرم إلى أدنى مستويات التقديم، وجرف معه البرنامج الذي بدأه قبل فترة على اعتباره برنامجاً ساخراً يشبه إلى حد كبير برنامج باسم يوسف، ولقي إقبالاً لأنه الأول من نوعه في لبنان، فإذا به يتحول إلى “شيء” يشبه البرامج ولا ينتمي إلى أي منها . مجرد مقدم وضيف فنان . لا تدري من أين يبدأ وأين ينتهي؟ ما الهدف من الحوار؟ كيف تحول البرنامج عن مساره ولماذا تخلى كرم عن تعليقاته على الأحداث وحيداً كنوع من المونولوج، ليصبح الضيف هو الأصل والمقدم ضيفاً لديه كما حصل لعادل الذي ترك لهيفاء وهبي أن تدير الحلقة وهو يبدي انبهاراً غير عادي وغير مقبول على الشاشة .
حر هو في أن يعجب بهيفاء وهبي إلى هذا الحد وأكثر، لكنه ليس حراً في ترك الهواء لمشاعره كي تقوده فتسيّر الحلقة ويبدو مجرد معجب أو “عاشق” يضحك ويبتسم ويمدح المرأة الجالسة أمامه طوال الوقت، وهي تتحكم بردود أفعالها وتتباهى بالحالة التي أصيب بها مقدم البرنامج، وتتعامل معه باعتباره “رجلاً معجبا”، وهي الأنثى التي لا تتوانى عن إغرائه أمام الشاشة، مستخدمة كل الوسائل المتاحة في سبيل ذلك، من الألفاظ إلى الحركات . .
لسنا أغبياء لنمشي خلف أرقام يحب أن يصدرها البعض دليلاً على نجاحه، وهي اللعبة الحديثة التي يعتمدها فنانون ومذيعون وقنوات، ليخدعوا بها المشاهد البسيط . أرقام قد تشير إلى أن الحلقة مثلاً حققت أعلى نسبة مشاهدة، وليس مستغرباً أو مستبعداً أن تحقق مثل هذه الحلقات نسب مشاهدة عالية، فالإثارة أيضاً تجذب الناس من باب الفضول لا الإعجاب، والأرقام في هذه الحالة لا تعني النجاح الفني والإعلامي ولا الرقي في المضمون، ولا النجومية، وانما تعني التفوق في الابتذال وفي تقديم مادة هابطة للجمهور، وتحقيق شهرة في هذا المجال فقط والذي لا ينتمي إلى عالم الإعلام الهادف .
الفن هادف، والبرامج المسلية هادفة، وكلنا نبحث عنها خصوصاً حين نهرب من التوتر وكثرة الضغوط وشدة الألم في حياتنا . لكننا للأسف أصبحنا ضحايا الشاشة المتطرفة، التي فقدت توازنها من كثرة العابثين بها والذين يشدونها اتجاه أهوائهم وتطرفهم حتى الاختناق . الشاشة تشعر بالاختناق على الهواء، بعضهم يطوقها بحبال السياسة والعراك الطائفي والمذهبي والديني والتحريض على القتل وسفك الدماء والتدمير، والبعض الآخر يحرض على العنف المجاني بلا أي هدف محدد ولا يعجبه العجب ولا يرضى بأي أمن واستقرار . . في المقابل يخرج من يقدم الابتذال تحت مسميات وأشكال عدة، ويدعي أن هدفه تسلية المشاهد .
لا يمكننا أن نذكر الألفاظ التي قالتها هيفاء في الحلقة، ولا الإيحاءات التي لم تكن قليلة رغم أن الضيفة فضلت أن تقول كل ما لديها وما يخطر على بالها بلا خجل أو تلميح . هكذا بصراحة ردت، وإذا كان كلام عادل كرم وأسئلته فيها الكثير من ”الخصوصية” وتعمّد الإثارة، فإن الأجوبة ذهبت إلى أبعد من ذلك، وكأنها مباراة أمام الشاشة لإثبات مَن الأجرأ في الكلام، حتى لا نقول وصفاً آخر .
أين وقار المذيع أو مقدم البرنامج؟ أين قدرته على إدارة دفة البرنامج دون أن يترك لعواطفه أن تسيّره؟ صحيح أن “الموضوعية” غير موجودة، لكن “شخصنة” البرامج وتفصيلها على مزاج المقدم أيضاً مرفوضة، وإلا أصبحت البرامج مساحة من البث مدفوعة للمذيع أو المقدم، ليحكي فيها عن أحواله ويعبّر عن رغباته في جلسة رومانسية بينه وبين الضيف الذي يعجبه، والجمهور ما عليه إلا أن يتفرج . ومع عادل تجاوزت الحلقة حدود المجاملات، لتدخل فيها المشاعر والآراء الشخصية والحميمية، والغزل المتواصل بهيفاء أو “باربي” على حد قوله، صاحبة “الجمال الطبيعي” وكأن الجمهور ساذج لا يعرف شيئاً عن عمليات التجميل وعن هيفاء أمس وهيفاء اليوم .
ماذا استفاد المشاهد من الحلقة؟ لماذا خصصت “ام تي في” مساحة من هوائها لهذا البرنامج؟ كل ما أوصلوا المشاهد إليه، هو الشك في أن تكون الحلقة مدفوعة للترويج للضيفة، وفق الصورة التي تختارها هي . قد لا يكون الأمر كذلك، لكن المؤكد أن هيفاء هي التي تحكمت بالحلقة وبمقدمها، وأدارت الدفة كيفما تشاء . و”هيدا حكي” مش مقبول على الشاشة .

التعليقات