أفضل المقالات في الصحف العربية

07:59 صباحًا EET

كماشة الإرهاب والطائفية

 كتبت وزيرة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس بوش الابن كوندوليزا رايس في «واشنطن بوست» بتاريخ 23 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012، مقالة أطلقت فيها عددا من الأفكار الجديرة بأن نتوقف عندها بشيء من التحليل. رايس قالت إن الدول التي تشكل قوميات فعلية وواضحة في الشرق الأوسط هي مصر وتركيا وإيران، أما بقية الدول، فهي مكونات هشة نتجت عن رسم خريطة المنطقة بشكل متسرع، على حد تعبير رايس.

هناك من فسّر أفكار رايس، وأنا أحدهم، على أنها أفكار تتبنى إعادة رسم المنطقة وتقسيمها. كان هذا الكلام في عام 2012، حيث وصلت موجة تمكين تنظيم «الإخوان» ذروتها بعد فوز الرئيس المصري المعزول محمد مرسي بالانتخابات الرئاسية، وبداية تنظيم العمل الفعلي على اختراق مفاصل الدولة المصرية والسيطرة عليها، وما رافق ذلك من تحركات لعناصر التنظيم في كل من الإمارات والكويت بدعم وتدخل مباشرين من التنظيم الرئيس في مصر.

لم يدم المشروع كثيرا، حيث سقط مرسي في ثورة 30 يونيو (حزيران) المصرية المكملة للثورة الأولى، ومع سقوطه وتقهقر تنظيم الإخوان الذي استمر في الحكم سنة واحدة فقط، تصدع مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي كان يرتكز على بناء دول دينية وطائفية متصارعة في الشرق الأوسط. ومع تمكن مصر من الخروج من عنق الزجاجة بعد محاولات غربية مستميتة لإدانة الجيش المصري، التي تمكنت من صدها المملكة العربية السعودية بموقفها الصلب والتاريخي في وجه التدخلات الخارجية في الشأن المصري، بات هذا المشروع (الشرق الأوسط الكبير) معرضا للانهيار. قبل أيام، كنت في العاصمة السعودية الرياض، وحضرت هناك حفل استقبال كبيرا أقامه وزير الحرس الوطني السعودي الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز على هامش مهرجان الجنادرية الثقافي، وكان من بين من ألقوا كلمات في حفل الاستقبال، البرلماني والإعلامي المصري مصطفى بكري، الذي عبر عن شكره للمملكة العربية السعودية، ونقل مشاعر المصريين الممتنة للموقف السعودي الصلب الذي كان المشير عبد الفتاح السيسي قد وصفه سابقا بأنه كان أقوى تحرك منذ عام 1973، وهذه هي مشاعر المصريين بشكل عام.

ولم تكن البحرين بعيدة عن المشهد، فمشروع الشرق الأوسط الكبير كان قد تلقى ضربة موجعة قبل سقوط تنظيم الإخوان في مصر، من خلال فشل وسقوط الحراك الطائفي في البحرين والمدعوم من إيران وبعض القوى الخارجية. كانت الدولة في أزمة، وكان الموقف الغربي مما جرى في البحرين مشابها بدرجة كبيرة للموقف مما حدث ويحدث في أوكرانيا الآن. فوجئت البحرين بهجمة إعلامية استهدفت ما حققته من إنجازات وإصلاحات على الصعيدين السياسي والاقتصادي طوال العقد الماضي من الزمن، وظهر على السطح فجأة دعم من بعض الدول الغربية للحراك الطائفي بشكل صادم، ووصل الأمر إلى ذروته مع انكشاف صفقات جرى إبرامها بين «نشطاء» من «المعارضة» وقوى خارجية تتعهد بتأسيس نظام طائفي في البحرين. وعلى الرغم من تدهور الأوضاع بشكل فتح شهية القوى الخارجية، وزاد من تصديقها بأن المشروع سينجح في البحرين، فإن الموقف الداعم من دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، قلب الموازين وغير الأوضاع، وانتهى المطاف بالأمر إلى فشل الأطماع الخارجية في البحرين، وتعرية أهداف الجمعيات المذهبية التي كانت تتقمص دور المطالب بالديمقراطية والإصلاح.

ولو كان قد قدر للحراك الطائفي أن ينجح في البحرين مثلا، ولتنظيم الإخوان أن يستمر في حكم مصر، لكان كثير من دول مجلس التعاون الخليجي الآن يعيش بين فكي كماشة إرهابية وطائفية، وينتظر لحظة الإطباق عليه في أي وقت. وحيث إن المشروع قد سقط، والنوايا قد انكشفت، وتغير ميزان القوى بعودة مصر إلى وضعها الطبيعي، وبداية تشكل حلف عربي يضم دول الخليج ومصر والأردن والمغرب وغيرها ضد الإرهاب والطائفية والأطماع التوسعية، فإن الخطأ الأكبر سيكون إعادة الثقة بالقوى الخارجية التي سعت إلى تمكين الإرهاب والطائفية من المنطقة.

التعليقات