مصر الكبرى

03:06 مساءً EET

من تداعيات الفيلم المسيء

عندما أعلن الامام الخميني رحمه الله تعالى، في 14 فبراير 1989 فتواه الشهيرة بقتل الكاتب الملحد سلمان رشدي جزاء على كتابه التافه الشهير، آيات شيطانية، إنتفض الغرب دفاعا عما يسميه حرية الرأي والتعبير،

وإتخذ من الاحتياطات ما أمكنه لحماية وحراسة سلمان رشد ي أينما كان، حتى عندما كان يتحرك إلى ندوة أو الى مكان قريب، كان يستخدم سيارة خاصة ذات زجاج مسلح لا يخترقه الرصاص. صور الغرب المشكلة على انها صراع بين التنوير والعقلانية والحوار والتسامح والعلمانية من ناحية وبين الراديكالية الاسلامية أوالاسلام الراديكالي من ناحية أخرى، وإتهموا الاسلام بالإرهاب والثيوقراطية، وهو ما يحاوله البعض اليوم خصوصا مع دول الربيع العربي التى نجح فيها الاسلاميون في الوصول الى السلطة، إذ يلحقونهم بالاسلاميين الراديكاليين، وبأنهم يسعون الى إقامة دولة دينية حتى لو أكدوا أنهم يؤمنون بالدولة المدنية ويسعون الى إقامتها.إتهم الغرب كذلك آنئذ إيران بأنها دولة إرهابية، وبعض الكتاب الغربيين اليوم يرون أن إيران لاتزال دولة تسير في طريق الإرهاب، وتسعى لامتلاك أسلحة نووية من خلال برنامجها النووي السلمي لكي تحقق الشعار الذي يطلقه الإيرانيون: الموت لإسرائيل، وخصوصا في إحتفالات يوم القدس العالمي الذي يأتي آخر جمعة من شهر رمضان كل عام. وهذا الاحتفال إختراع خوميني بحت، يساعد كثيرا في إبقاء القدس في عقول وقلوب المسلمين عموما بعد أن كاد الكثيرون وخصوصا بين العجم، ينسون القدس بعد طول مدة الاحتلال. إذن إيران متهمة بالفتوى ومتهمة بالبرنامج النووي أما إسرائيل فبريئة من كل إثم.تجديد التذكير بهذه الاتهامات في الغرب، لإيران وللقاعدة في دول شمال إفريقيا، بسبب التظاهر أمام السفارات الأمريكية في معظم بلاد العالم العربي وفي بعض الدول الاسلامية من العجم مثل باكستان وإندونيسيا وكشمير المحتلة وبعضها عاطفي جدا وعنيف يؤكد كراهة الشراسة الامريكية.أما مظاهر العنف التي صاحبت التظاهرضد إنتاج الفيلم المسيء في أمريكا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكان أمراً متوقعا بسبب حب النبي صلى الله عليه وسلم، وبسبب كراهية معظم المسلمين لامريكا من اجل دعمها لإسرائيل واحتلال وتدمير أفغانستان والعراق والتربص بإيران.الغرب يحلو له أن يتهم من يشاء إذا شعر بالإهانة أو الإساءة وذلك لسببين، أولهما تقديرا لمواطنيه وإهتماما بهم أينما كانوا. وهذا جميل وياليت العالم العربي والاسلامي يتعلم ذلك من الغرب فترتفع قيمة المواطن في بلادنا، ولكن الغرب كذلك يوظف ذلك الإهتمام لتحقيق مصالحه الاستراتيجية والإنتقام الشديد ممن يعارضون مصالحه، وليس العقاب العادل أو أخذ الحق الذى يدعونه وبالطرق الحضارية التي يطالبون المسلمين أن يأخذوا بها. بعض الكتاب الغربيين ومنهم مايكل إيجاتيف كما كتب في الفايننشيال تايمز يوم الأحد 16 سبتمبر 2012 يقول:( الحياة الديمقراطية سوياً أمر شاق يحتاج الى مساومة. كل منا المسلمون المؤمنون واللبراليون العلمانيون يودون ، أن كان الآخر مختلفاًعما هو عليه حاليا، ولكننا لن نكون كذلك. والحياة سوياً تتطلب منا ان نقبل من الآخر ما لا نقدر على تغييره . ثم يقول: الإيمان ليس له ميزة ولا حقوق حصرية وكذلك المنطق العالماني. نحن قررنا أن نكون مع بعضنا البعض، وعلينا عبء تبرير ما نقوم به في الحياة الحرة، ومحاولة إقناع الآخر أن يتغير بعيدا عن الكراهية والعنف وهذا هو ما تتطلبه الحياة الديمقراطية).هذا الموقف الفكري، والتحليل العالماني واضح،الايمان ليس له ميزة، والغرب لا يعادي الاسلام وحده بل الدين كله الا قليلا.أهم مقدسات الغرب ليست في الدين بل في القوة والوفرة والهيمنة والمصلحة. وهذ المبدأ يجب أن يكون مقبولا للحياة سوياً مع الآخر المختلف عقيدة وفكراً ومشروعاً دون كراهية أو عنف ولكن، انَّى هذا والاحزاب اليمينية لا تريد أن ترى هذا الآخر في الغرب. وقد كتب مايكل ذلك ربما لمن يعيشون في الغرب من الاقلية المسلمة ولكنه في ذات الوقت يصلح ايضا للتعايش في الدول ذات الأغلبية الاسلامية مع احترم الآخر ومعتقداته. وهذه هي الفطرة الانسانية السليمة، قبول الآخر والحريات الكاملة والكرامة الانسانية التي أجملها القرآن الكريم في شأن الخلق (ولقد كرمنا بنى آدم).وهنا نأتي الى تحليل الموقف الأمريكي من التظاهرات في العالم الاسلامي ضد الفيلم المسيء المنتج والمعروض في أمريكا. يتلخص الموقف في مجموعة من النقاط المهمة.تحرك أمريكي سريع تمثل في التصريحات والاتصالات الهاتفية التي أجراها المسؤولون الامريكان وعلى رأسهم أوباما مع المسؤوليين في مصر وليبيا وغيرهما، وفي مقدمة الذين تم الاتصـــال بهم الرئيس مرسي، وطلب أوباما التعاون في حـــماية البعثات الدبلوماسية والافراد الامريكان والســـعي والتـــعاون لتقديم الارهابيين كما تسميهم وتعينهم أمريكا لتقديمــهم الى العدالة. وأمريكا لا تتساهل في قضية من تصفهم بالارهاب بل إنها تخطف حتى بعض الرؤساء وما حدث مع رؤساء أمريكا الجنوبية من قبل، يمكن أن يقع في العالم العربي (قصة نوريجا معروفة للجميع).تحرك أمريكي آخر تمثل في إتهام القاعدة في دول شمال إفريقيا بالعدوان على السفارة الامريكية في بنغازي، وهذا الإتــهام لا تتضح مقتضياته ولا مستحقاته اليوم، لأن أمريكا مـــثل الجمل معروف بإختزان الاساءة. والأمريكان يدرسون حاليا كيف يكون عقاب من في ظنهم انه إعتدى على السفارات الامريكية في ليبيا ومصر واليمن وتونس وغيرها، ومن قتل الديبلوماسيين الامريكان في ليبيا. الاتهام بالإرهاب من جانب أمريكا يحتمل الاحتلال للآخر.تحرك آخر تمثل في تحريك الطائرات والسفن الحربية ومشاة البحرية الامريكية الى مواقع إختارتها أمريكا لتكون قريبة من موقع الاحداث، وانتظاراً للاوامر الامريكية من البيت الابيض او من البنتاجون.وقد يكون توظيف هذه القضية في الانتخابات الامريكية امرا قائما ومهما.تحرك رابع تمثل في نشاط مؤسسات الاستخبارات الامريكية وفى مقدمتها السي آي اي والإف بي آي وغيرهما لتقدير الوضع وجمع المعلومات عن الوقائع التي ترى امريكا أنها أهانت كرامتها وهي القوة العظمى الوحيدة اليوم في العالم.أما على المستوى الاقتصادي فقد جمدت أمريكا المحادثات الاقتصادية مع مصر، وتأجل تنفيذ الوعود بشطب مليار دولار من الديون المصرية، وهنا ستلعب إسرائيل المحتلة لفلسطين دورها الإجرامي والضغط بالإقتصاد على الفقراء والمحتاجين من خلال البنك الدولي والمساعدات وغيرها، لعبة إسرائيلية أمريكية معروفة.هذه بعض أهم التحركات فضلا عن تصريحات المسؤولين الامريكان الذين يرون أن الفيلم وإنتاجه يدخل ضمن إطار حرية التعبير كما هو رأي أنجيلا ميركل في ألمانيا وغيرهم من المسؤولين في أوربا. وهذا الموقف من المسؤولين الامريكان يوضح بما لا يدع مجالا للشك الثنائية المتباينة أو المواقف المزدوجة تجاه الاحداث والوقائع المهمة إذا تعلق الأمر بإسرائيل.سأذكر هنا ثلاث حالات تؤكد وتبين ما أقول وأزعم عن الازدواجية أو الثنائية الغربية، أولا: واقعة قتل بل دهس الناشطة الحقوقية الامريكية راشيل كوري بالجرافات الاسرائيلية على أرض فلسطين عندما سافرت راشيل إليها لتدعم أهل غزه ضد العدوان الاسرائيلى الاجرامي. لم تفعل أمريكا شيئا تجاه العدوان على المواطنة الامريكية ودهسها. ماذا كان سيكون موقف امريكا لو أن العكس هو الذى حدث؟ ماذا لو أن الذين سحلوا أو قتلوا أو دهسوا راشيل ولو بالخطأ كانوا فلسطينيين؟.أما الأمر الثاني الذى يوضح ان الغرب وخصوصا امريكا أصحاب نظرة مزدوجة متعارضة يتمثل في قوانين تحريم إنكار التشكيك في المحرقة او الهولوكوست الذي فرضت الصهيونية روايتها وتطلب من الجميع القبول بما يقولون، وأحيانا الاحتفال بذكراه بل إن الادارة البريطانية ضغطت على المسلمين في بريطانيا وخصوصا المجلس الاسلامي البريطاني الذي يمثل المسلمين أمام الحكومة، مراراً وتكراراً لحضور الاحتفال بالهولوكوست سواء رغبة او رهبة، ضغطاً أو طواعية، ولم يكن هناك مجال لحرية الرأي وحرية التقدير والتعبير وحرية إتخاذ الموقف الملائم. ديكتاتورية توني بلير ومن وراءه كانت تصل الى حد التفريق بين المسلمين والآخرين وخصوصا اليهود،في الحقوق والامتيازات في شتى مناحى الحياة.أما دكتاتورية رومني إذا جلس في البيت الابيض فستنسينا جرائم ودكتاتورية من سبقوه.أما الأمر الثالث فيتعلق بتهــــمة معاداة السامية وكأنــــهم دون غيرهم كما يزعمون كذبا أنهم شعب الله المختار. لي أصدقاء من حركة ناطورى كارتا اليــــهودية التي تعادي قيام اسرائيل وتعادي مفتريات الحركة الصهيونية، ويتعرضون لكثير من الضغط حتى في أمريكا، لأن امريكا ترى ان اسرائيل والحركة الصهيونية خط أحمر ولكنها ترى أن الدين كله وخصوصا الاسلام خط اخضر.أخشى ان يكون وراء الفيلم التافه وما هو بفيلم، والعدد القليل جدا من أقباط المهجرالسيئين والقس جونز والقتل والتدمير والعدوان على السفارات الامريكية وغيرها، من يحرك هذه القضايا ليكونوا مخلب القط لتطبيق الاستراتيجية الامريكية ضد ما يسمى الارهاب في بلادنا. قلت مرارا إن السفيرة الامريكية في القاهرة آن باترسون جاءت من منطقة قلاقل لتعمل في منطقة قلاقل جديدة. والله أعلم بالنتائج.

التعليقات