كتاب 11

09:15 صباحًا EET

أردوغان و”تويتر”

أهم ما يحدث في تركيا منذ أشهر ويعنينا نحن العرب بصفة مباشرة ليس هو الصراع الشرس بين حزب أردوغان وحزب إسلامي آخر هو حزب فتح الله غولن (وهو صراع حول السلطة)، وليس هو كذلك سلسلة الأخبار والتسريبات التي تربط وقائع فساد بوزراء في حكومة أردوغان، وإنما فقدان النموذج الليبرالي- الإسلامي ممثلاً في “حزب العدالة والتنمية” لبريقه بشكل كلي . كان هذا الحزب ونموذجه في الحكم قبلة الأعين ومحط الإعجاب ليس للنجاح الاقتصادي الذي تحقق في تركيا فحسب، وإنما بشكل مباشر لأنه تم تسويقه عربياً على أنه الحزب الذي قاد حكومة اجتثت “الفساد” الذي يعشعش في كيان البيروقراطية التركية وفي المؤسسات المالية والاقتصادية .

تلميع النموذج التركي باعتباره “التجريحة” التصالحية الناجحة فيما بين الأطروحة الدينية الإسلامية في السياسة والاقتصاد وبين النظام الرأسمالي- الديمقراطي الغربي لقي كل الدعم الغربي، وكان هذا التسويق الواسع النطاق إحدى المقدمات المهمة التي سبقت الربيع العربي، كما سيكتب التاريخ . لقد اعتلت تركيا أردوغان موج ثورات الربيع العربي وظهرت كشريك كامل للغرب في دعم هذا الربيع، كما شاركت كحليف أطلسي في الأحداث التي تطلبت تدخلاً عسكرياً في بلد مثل ليبيا .

لكن تركيا خرجت خاسرة من فصل “الربيع العربي” على كل الصعد، وبدل الصورة التي اعتقدناها عن أردوغان الشريك مع الغرب ظهرت حقيقته التي لن يتجاوزها كما لن يتجاوز كونه شريكاً جزئياً فقط في الاتحاد الأوروبي، حيث لن يصل قط ببلده إلى أن تكون عضواً كاملاً في الاتحاد الأوروبي .

الحقيقة التي ظهرت عن أردوغان ودوره في “الربيع العربي” هي أنه لم يكن سوى أداة فحسب، حيث لم يكن ذلك الشريك الاستراتيجي الحقيقي، والدليل هو موقفه الداخلي الذي تتسع فيه تداعيات استخدام منصات “تويتر” و”فيس بوك” و”يوتيوب” لتقويض حزبه وحكومته ونموذج النجاح في الاقتصاد وشفافية الأداء والذي كان يسوقه سابقاً لجماهير العرب . إنها المنصات نفسها التي بارك أردوغان استخدامها ضد حسني مبارك وبن علي والقذافي والأسد .

قرار أردوغان بإغلاق “تويتر” لن يكون سوى لأيام محدودة بطبيعة الحال ولو لم يقل القرار ذلك . الملاحظ أن رئيس الوزراء التركي كان مصراً على التصعيد وتحدث عن نية “اجتثاث” تويتر في تجمع شعبي في إحدى المدن التركية، حيث أشار إلى أن الجميع سيعرف حقيقة “قوة تركيا” . يعرف أردوغان أنه يستفز الغرب بمثل هذا الخطاب وبقرار إغلاق “تويتر” وهذا ما حصل، إذ كان رد فعل الغرب هو بأقوى لهجة إدانة ممكنة، كيف لا و”تويتر” هي أحد أهم أشكال العولمة الغربية، وهي المنصة التي يجري من خلالها الحوار المجتمعي ومختلف أشكال التعبيرات بما يتماشى مع نشر نموذج “الديمقراطية” الغربي .

كون الانتخابات البلدية هي على الأبواب وخلال عشرة أيام من الآن هي سبب للهجة التصعيد مع الغرب، خاصة أن أردوغان يتحدث عن التسريبات حول فساد جماعته السياسية على أنها من تدبير أمريكي وبتدخل مباشر من السفير الأمريكي .

إغلاق “تويتر” هو تكتيك انتخابي لن يعدو أن يكون سحابة صيف بعد العودة المتوقعة ل”تويتر” وربما أراد أردوغان أن يثبت أنه رجل تركيا القوي في كل الظروف، خاصة بعد استطلاعات الرأي التي ترجح فوز حزبه رغم ما شابه من سمعة سيئة . فهنالك من الناخبين من صدقوا شائعات الفساد ومع ذلك فسيصوتون لمصلحة “حزب العدالة والتنمية” كما ذكروا في استطلاعات الرأي .

كانت المواجهة مع “تويتر” والغرب ستكون أكثر مصداقية لو تعلقت بالدفاع عن “حزب العدالة والتنمية” وقيمه، ولكنها كما هي الآن تدور حول الزعامة والسلطة، تماماً كما هي المعركة الداخلية مع الحزب الإسلامي الآخر، أي حزب فتح الله غولن .

التعليقات