كتاب 11

09:21 صباحًا EET

الإعلام القطري والردود المرتعشة

مثيرة ومضحكة هي ردود الفعل القطرية، الرسمية والإعلامية، على قضية قيام كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ومملكة البحرين مجتمعة، بسحب سفرائها من دولة قطر، فردود وسائل الإعلام القطرية جاءت مرتعشة، تفوح من زواياها رائحة الجهل، والتناقض، فهي تهرف بما لا تعرف، أو أنها عرفت فأدركت الورطة التي وقعت فيها، فهرفت بردود ضعيفة، متداعية، واهية، لا تحاكي الواقع.

أتصور وكثيرون غيري، أن الإعلام القطري الذي انكشف أداؤه المهني جلياً، يحتاج إلى الكثير والكثير من المعلومات الصحيحة، المتوارية عنه خلف ستار، فهو وجد نفسه معزولاً، خاوياً، يدافع عن قضية خاسرة بسلاح منتهي الصلاحية، فبدأ بمراجعات مضحكة، ومقالات تفنيدية متناقضة، بعيدة عن المنطق والعقل، فالأدلة دامغة، وواضحة وضوح الشمس، ولا تحتاج منا إلى «قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين»، لأن الصدق بيّن والادعاء بيّن، وهو ما ينطبق عليه قول الشاعر:

يا ناقِـداً لـكَلامٍ لَيْسَ يَفْهمُهُ * مَنْ لَيْسَ يَفْهَـم قـلْ لي كَـيْفَ يَنْتَقِدُ؟

الإعلام القطري بدلاً من أن يعي أن سحب السفراء هو إطلاق إشارات إنذار جماعية خليجية للدوحة، لوقف حملاتها المشبوهة ضد جيرانها، ردد أسطوانة مشروخة برر من خلالها الأسباب التي دعت الدول الثلاث لسحب سفرائها، إذ يشير إلى أن القضية ليست خلافاً خليجياً على شأن خليجي، بل هو خلاف يتمحور حول الأوضاع في مصر، وكذلك دعم قطر للإخوان، وهو تبرير ساذج، ينم عن جهل مطبق، أو خبث متواصل، فهو يحاول أن ينأى بقطر عن منزلق الضلوع والتورط في القضايا التي مست أمن الدول الخليجية الثلاث، محاولاً رمي الكرة في الملعب المصري، الذي هو بعيد في حقيقة الأمر عن ذاك الخلاف الخليجي ـ الخليجي.

المثير أن أحد الإعلاميين القطريين يقول في مقالة مرتعشة، دفاعاً عن الموقف القطري، «إن من قرأ البيان الثلاثي لا يستطيع أن يمسك تهمة واحدة تستدعي هذا الموقف الغريب»، وبدورنا نضع تحت الغريب ألف خط.. واصفاً ذاك الإعلامي بيان سحب السفراء بأنه «هلامي ومطاط»، وكأن بيان سحب السفراء لم يتحدث وبتسلسل زمني عن المشكلة وتصاعدها، والعناد القطري حيالها.

ولا أدري لماذا لم يتحدث هذا الإعلامي عن الأربعة مليارات دولار سنوياً، التي تصرفها قطر على سياساتها الخارجية، والتي غالبا ما تستخدمها لإلحاق الضرر بمحيطها الخليجي والعربي، فهناك عشرات الوثائق التي تمتلكها المملكة العربية السعودية، والتي تثبت التدخل القطري في الشأن السعودي الداخلي، من خلال التحريض المباشر ضد المملكة، من قبل هيئات مدنية وإغاثية وقضائية وأمنية وإعلامية خارجة على الاتفاقيات الأمنية الخليجية، تتخذ من الدوحة مقراً لها، إضافة للدعم القطري للحوثيين في اليمن بالسلاح والمال، وهو ما يعتبر عائقاً استراتيجياً لدول الخليج.

ويدافع هذا الإعلامي عن قناة «الجزيرة»، واصفاً إياها بأنها قناة إخبارية لا ترتبط بقطر، وهو كما يشير أمر معلن، وكأنه يقول لنا إن قناة الجزيرة دولة في دولة، لها سيادتها المستقلة ووزراؤها وتمثيلها الدبلوماسي وسياستها الخارجية، وأنها عضو فاعل في الأمم المتحدة، لأنه كما وصف «أمر معلن».

ويشير الإعلام القطري بغرابة، رداً على سحب السفراء، «كل له رأيه ومواقفه» ودعم الإخوان شأن قطري بحت، فلماذا تهدمون كيان مجلس التعاون بسبب خلاف في وجهات النظر، حيال ملفات لا تخدم شعوب الخليج؟

وكأن هذا الإعلام الساذج يتناسى أن هؤلاء حاولوا قلب نظام الحكم في دولة الإمارات، وأن من بينهم قطرياً ساندهم بالمال، حوكم وعوقب بالسجن يدعى محمود عبد الرحمن الجيدة، وأن ذلك الأمر لا يدخل ضمن حرية الرأي أو المواقف، بل يدخل في صلب السياسة الأمنية التي يجب أن تدافع عن حياضها دول الخليج، ومن بينها قطر، وهي الأساس الذي استند إليه مجلس التعاون عند نشأته في العام 1981، والذي قام على تصور مشترك لدول المجلس الست، أن مصدر التهديد لا ينبع من داخل هذه الدول، بل من خارجها.

ويشير الإعلام القطري إلى أن مقولة «قطر تغرد خارج السرب، مقولة باتت ممجوجة، فقطر لديها مواقفها التي تنطلق من مبادئها وقيمها، ولا يمكن أن تتزحزح عنها مهما واجهت من تكالب البعض عليها، وهي تلتزم وتحترم التزاماتها، حتى تلك التي تقولها شفاهة، فما بالكم بالمكتوبة».

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام، ونعيده إلى حضن الإعلام العبقري الذي وجد الحقائق الدامغة في هذا المقام؛ إذا كانت قطر كما تقولون تلــتزم بعهودها واتفاقيــاتها، فلماذا تتجنى عليها ثلاث دول يشهد لها العالم من أقــصاه إلى أقــصاه بالحكمة والسياسة المتوازنة، ما يجعلها تفقد الحكمة لتسحب سفراءها من التراب القطري، في قرار جماعي غير مسبوق في تاريخ العلاقات الخليجية؟

التعليقات